قبرص أحيت أمس ذكرى انقسامها قبل ثلاثين عاما

TT

نيقوسيا ـ أ. ف. ب: وافق امس ذكرى الانقلاب الذي دبره في 15 يوليو (تموز) 1974 المجلس العسكري الحاكم في اليونان آنذاك وأدى الى اطاحة الرئيس القبرصي الاسقف ماكاريوس، وهو ما شكل تمهيدا للاجتياح التركي الذي ادى الى انقسام الجزيرة المستمر منذ ثلاثين عاما.

وفي القسم الجنوبي من الجزيرة دوّت امس صفارات الانذار في تمام الساعة الثامنة وعشرين دقيقة صباحا بالتوقيت في الساعة نفسها التي بدأ فيها المتآمرون من الحرس الوطني القبرصي برفقة الضباط اليونانيين المنتشرين في الجزيرة قصف القصر الرئاسي في نيقوسيا.

وبدأت انذاك «عملية افروديت». وبحلول الساعة 08:45 اعلنت اذاعة نيقوسيا: «مكاريوس قتل والحرس الوطني تولى السلطة لتجنب حرب بين الاخوة». والواقع ان قبرص كانت مسرحا، منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1960، لمواجهات دامية بين المجموعتين اليونانية والتركية في الجزيرة ادت الى نشر قوات حفظ سلام عام 1964.

وشهدت السنوات التي سبقت الانقلاب انقساما في صفوف المجموعة القبرصية اليونانية. وكانت هذه المجموعة منقسمة الى معسكرين متنافسين: معسكر الاسقف مكاريوس الذي تخلى عن الوحدة مع اليونان وفضل نهج عدم الانحياز ومعسكر مجموعة «ايوكا ـ بي» التي كثفت اعتداءاتها بهدف الحاق قبرص باليونان.

لكن في اوج الحرب الباردة كانت قبرص ايضا في صلب رهانات جيوسياسية تتجاوزها واسترعت انتباه الاميركيين. وفي الواقع اصبح شرق المتوسط انذاك مكانا غير مؤات بالنسبة للاميركيين مع وصول العقيد معمر القذافي الى السلطة في ليبيا عام 1969 وتقارب مصر وسورية مع الاتحاد السوفياتي السابق.

وعام 1973 خلال حرب اكتوبر (تشرين الاول) العربية ـ الاسرائيلية سمحت تركيا، العضو في حلف شمال الاطلسي، بإقامة جسر جوي بين الاتحاد السوفياتي السابق وسورية فوق الاناضول بينما رفضت عدة دول اوروبية حليفة للولايات المتحدة السماح لطائرات اميركية مكلفة تموين اسرائيل بالتحليق فوق اراضيها.

ورسمت اميركا انذاك خطة بهدف ضمان تماسك حلف شمال الاطلسي على ضفته الجنوبية الشرقية مع الاخذ في الاعتبار بمصالح انقرة التي تسيطر على المضائق. وبهدف تجنب نزاع بين حليفيها، اليونان وتركيا، بخصوص مسألة قبرص اقترحت واشنطن تقسيم قبرص والحاق قسم باليونان واخر بتركيا مما يدخل الجزيرة في المناسبة نفسها ضمن نطاق حلف شمال الاطلسي.

لكن هذه الخطة كانت تصطدم بعقبة اساسية: الاسقف مكاريوس الذي عارض على الدوام انقسام الجزيرة والذي جعلت سياسته القائمة على عدم الانحياز موضع ارتياب لدى الاميركيين الذين رأوا فيه «كاسترو المتوسط».

ومن هنا تطابقت المخططات الاميركية مع مخططات المجلس العسكري في اثينا المصمم على ازاحة مكاريوس واعادة قبرص الى قبضة اليونان. وقبل بدء الانقلاب، قام الكولونيلات باطلاع الاميركيين على نواياهم. وفي السنوات الاخيرة اتهمت عدة كتب ومقالات صحافية مباشرة وزير الخارجية الاميركي آنذاك هنري كيسينجر بتشجيع الانقلاب.

وفي 15 يوليو 1974 تمكن مكاريوس من الفرار من القصر الرئاسي والتوجه الى بافوس في غرب الجزيرة التي حاول منها تنظيم المقاومة. لكن الصحافي نيكوس سامبسون، الرئيس السابق لمجموعة شبه عسكرية، ادى اليمين «كرئيس» في اليوم نفسه. وتوقفت المعارك، التي اوقعت اكثر من مائة قتيل، في 17 من الشهر نفسه. ولجأ ماكاريوس حينئذ الى انجلترا.

وتحت ذريعة الانقلاب اجتاحت تركيا القسم الشمالي من الجزيرة في 20 يوليو «لحماية القبارصة الاتراك». وبالنسبة للضباط اليونانيين فقد انتهت الخطة الى فشل وانهار حكمهم العسكري بعد ذلك بيومين مما ادى الى سقوط حكومة سامبسون الوهمية. اما مكاريوس فقد عاد منتصرا الى الجزيرة في نهاية السنة، لكن تركيا كانت آنذاك قد استولت على ثلث الجزيرة.