معتقلو معسكر بوكا الصحراوي يطالبون بتسليمهم إلى السلطات العراقية

ألهبتهم الحرارة بدرجة 60 مئوية وسألوا وزير حقوق الإنسان العراقي إن كان الاحتلال قد انتهى

TT

معسكر بوكا (أم قصر) ـ ا.ف. ب: تساءل احد السجناء من خلف سياج عال في معسكر الاعتقال الذي تديره القوات الأميركية في المنطقة الصحراوية بالقرب من الحدود مع الكويت بصوت مرتفع غلبت عليه نبرة التوسل «هل نحن دولة مستقلة ام لا؟». واضاف السجين مناشدا وزير حقوق الانسان في الحكومة العراقية المؤقتة بختيار امين، الذي قام بزيارة المعسكر يوم الجمعة الماضي، «لماذا لا تنقذونا من هذا الجحيم؟».

وكان امين اول مسؤول عراقي يزور المعسكر المقام في المنطقة الصحراوية في أم قصر بالقرب من الحدود مع الكويت، حيث يمكن ان تصل درجة الحرارة الى 60 درجة مئوية.

يذكر ان القوات الاميركية اقامت هذا المعسكر في شهر مارس (اذار) العام الماضي لتحتجز فيه اسرى الحرب الاعداء في نظرها، والمحتجزون في المعسكر من اعمار مختلفة، اصغرهم في الخامسة عشر من العمر.

وقد دفعت الحرارة الملتهبة المصحوبة برياح ساخنة العديد من المعتقلين الى خلع ثيابهم، وتغطية رؤوسهم بمناشف مبللة او ارتداء قبعات رياضية. ويقوم المعتقلون بتغيير ملابسهم وارتداء ملابس رياضة صفراء اللون عندما ينقلون بمعدل اربع مرات اسبوعيا بحافلات الى منطقة اخرى شيدت فيها خيام لمقابلة اقاربهم واحبائهم مرتين في الشهر.

ولدى زيارة المسؤول العراقي للمعسكر تجمع السجناء وقد تشبثوا بالسياج المعدني وهم يناشدونه، بصوت عال، نقلهم من ذلك المكان.

وقال احدهم، وكان يرتدي ثوبا رمادي اللون ونعلا باليا من البلاستيك «ارجوك ياسيدي، ارجوك، لدي تسعة اطفال. لقد انقض علي الاميركان واعتقلوني بينما كنت ارعى غنمي»، واضاف الرجل الملتحي «انا في هذا المكان منذ عشرة اشهر ولا اعلم لماذا. لا الله الا الله».

ومن جانبه، حيا بختيار امين، وهو كردي قضى معظم سنين حياته الاربعين خارج العراق، بتحية المعتقلين بالقول «السلام عليكم».

وقد رافق الوزير وموظفيه الثلاثة نائب القائد المسؤول عن عمليات الاحتجاز في العراق، الجنرال جوفري ميلر ومسؤولون اميركيون اخرون. ووقف ميلر خلف امين يراقب الاحاديث المتبادلة بين الوزير والسجناء.

وقال امين «كنت اود ان التقى بكم من دون حواجز، جئنا هنا لنتعرف اكثر عن ظروفكم، ولنحاول تحسينها».

وبدا الوزير يجاهد لاكمال عباراته التي قاطعها صياح السجناء وملاحظاتهم الساخرة، وصرخ احد السجناء «ارجوك خذنا بعيدا من هنا، الم ينته الاحتلال؟»، واضاف السجين الذي كان عاري الصدر ويرتدي سروالا قصيرا ويضع على رأسه منشفة، «هل نحن اسرى حرب ام سجناء مدنيون؟»، وعندها قاطعه سجين شاب مستهزأ «لا تخدع نفسك يا اخي، لا توجد هناك عدالة مع هؤلاء الناس، كان يتحتم علينا ان نتمسك بصدام حسين». ويبلغ عدد المحتجزين في معسكر الاعتقال نحو الفين و600 عراقي، ونحو 42 من الاجانب، بعضهم محتجز منذ 14 شهرا من دون محاكمة. وتم تقسيم المعتقلين على اربعة من مباني المعسكر الستة، التي يحيط بها جسران من الرمال يفصلهما خندق.

وناشد رجل غطى الشيب شعر رأسه الوزير العراقي قائلا «ارجوك خذ رقم هاتف عائلتي وابلغهم بانني بخير»، وذلك قبل ان يطالب السجناء الاخرين التوقف عن مقاطعة حديث امين.

من جانبه، اوضح الوزير العراقي انه وفق قرار الامم المتحدة رقم 1546 فان قضية المعتقلين هي مسؤولية مشتركة للحكومة المؤقتة وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

ووعد امين بان تدرس محكمة عراقية جميع قضايا السجناء قريبا، وان تقوم وزارته بانشاء مكتب لها في المعسكر لمساعدتهم.

وبحلول نهاية الشهر الحالي، ستقوم هيئة مكلفة باطلاق سراح المحتجزين او احالتهم الى المحكمة الجنائية العراقية. وستضم تلك الهيئة التي انشأتها قوات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة في اوائل العام الحالي، ستة ممثلين عن الحكومة العراقية المؤقتة اضافة الى ثلاثة مسؤولين عسكريين اميركيين، طبقا لميلر.

وفي الآونة الاخيرة تم توجيه التهم لجميع المعتقلين في معسكر بوكا والى نحو الفين و400 اخرين في سجن ابوغريب، تحت ضغط من اللجنة الدولية للصليب الاحمر.

واوضح ميلر ان معظم المحتجزين والمعتقلين اتهموا بشن هجمات ضد قوات التحالف او حيازة اسلحة.

وقال ميلر «انها مهمة صعبة، لا نريد ان يبقى هنا اي شخص يوما واحدا اطول من المطلوب لجعل المجتمع امنا»، مضيفا «تريد الحكومة الانتقالية بلدا امنا ومزدهرا ونريد ان نكون شركاء في ذلك».

وعلى الرغم من الحماسة العسكرية لاتباع التعليمات في اعقاب فضيحة الانتهاكات التي ارتكبت في سجن ابوغريب وتحسين ظروف معيشة المعتقلين، فانه لا تلوح في المدى المتوسط بوادر على ايجاد حل للقضية.

وتقول القوات الاميركية انها تخطط حاليا لتوسيع معسكر بوكا، الذي يحمل اسم احد رجال الاطفاء الذين قتلوا في هجمات 11 سبتمبر (ايلول)2001 على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وتسعى القوات الاميركية الى تحويل المعسكر ليصبح على المدى الطويل سجنا للمجرمين المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة ومن بينهم المعتقلون في سجن ابوغريب.

وكان الجيش الاميركي ينوي ازالة المعسكر كليا بعد انتهاء العمليات العسكرية في العراق في نهاية مايو (ايار) من العام الماضي، لكنه اعاد النظر في خططه بسبب كثافة الهجمات ضد قوات التحالف التي ازدادت خلال فترة الاحتلال.