علاوي زعيم عراقي صارم يمزج البراغماتية بالتهديد ويعد بتحقيق الديمقراطية لكنه يعمل على تشكيل شبكة مخابرات داخلية

TT

خلال ثلاثة أسابيع فقط من وجوده في السلطة، هدد رئيس الحكومة المؤقتة اياد علاوي بسحق المتمردين في البلد وأعلن، في الوقت نفسه، عن عفو عن المقاتلين الذين يتراجعون. وأثنى على الضربات الجوية الأميركية على الفلوجة التي لا تحظى بدعم واسع، وأصدر قرارا بإعادة نشر صحيفة رجل الدين الشاب المتمرد مقتدى الصدر التي كان الأميركيون قد أغلقوها.

وبينما يعد بتحقيق الديمقراطية في العراق، فان خطواته الرئيسية تمثلت في اعادة تشكيل شبكة المخابرات الداخلية في العراق واقرار قانون يمنحه سلطات الطوارئ اذا ما اعتبر ذلك ضروريا.

ومن المحتمل أن يكون علاوي، الذي قضى 28 عاما في المنفى، زعيم العراق الصارم الجديد. وكان قد قضى كثيرا من وقته خارج البلد في التآمر مع وكالة الاستخبارات البريطانية ووكالة المخابرات المركزية الأميركية ضد نظام صدام حسين. وسعى علاوي، الذي يتمتع بصلات وثيقة مع كثيرين من مسؤولي حزب البعث ممن خدموا النظام السابق ولكنهم اعتمدوا أيضا الى حد كبير على الولايات المتحدة، الى مزج البراغماتية بالتهديد ليحصل على كوكتيل يحيد بعض المتمردين ويترك المتشددين معزولين ليسهل القضاء عليهم. وكانت طريقته هذه قد أتقنت من جانب واحد من حلفائه السياسيين السابقين هو صدام حسين. ولكن على خلاف المشارك في التآمر معه قبل زمن بعيد يعد علاوي بأنه لا يسعى الا الى ارساء الأسس الملائمة لاجراء انتخابات بحلول نهاية يناير(كانون الثاني) المقبل. ومع ذلك فان سيرته السياسية السابقة لم تكن على وجه التحديد نموذجا للالتزام الديمقراطي.

فقد ساهم علاوي في انقلابات وقضى وقتا في السجن بسبب نشاطاته. وفي وقت لاحق نجا من محاولة اغتياله بالفأس من جانب رجال أرسلهم صدام حسين، مما أدى الى تعزيز مصداقيته كمعارض قوي. وكان أيضا مصدر بعض المعلومات المثيرة للجدل في فترة ما قبل الحرب والتي ثبت انها كاذبة.

ويمكن أن تؤدي صلات علاوي السابقة بصدام حسين وصلات عمله الوثيقة لاحقا مع وكالات استخبارات أجنبية الى منحه الصلات وبراعة المكر الضرورية من أجل تحقيق الهدوء والسلام في بلد منقسم وغير مستقر تماما، أو تجعل منه غير ملائم تماما لهذه المهمة، ويعتمد ذلك على رأي من توجه له الحديث. ويقول مهدي أحمد الصميدعي، رجل الدين السني الذي يفضل قيام حكم الشريعة الاسلامية ويدعم التمرد ضد الوجود الأميركي والحكومة المؤقتة «يراد منا أن نصدق أن عميل وكالة المخابرات المركزية هذا شخص مستقل ويعمل لمصلحة الشعب العراقي ؟».

ويقول مساعدوه وأصدقاؤه المقربون، ان مثل هذا النقد في غير موضعه تماما. ويقول العقيد عماد شبيب، الرئيس الحالي للمكتب السياسي للوفاق الوطني العراقي، وهو حزب علاوي، ان «هذا الرجل وطني كبير». وقبل ذلك كان العقيد شبيب يعمل مديرا عاما لقوات الدفاع المدني في العراق لمدة 15 عاما في ظل حكم صدام حسين. وأضاف الشبيب ان «علاوي رجل مبدئي وواضح الذهن وصبور. وهو يعرف كيفية سير الأمور في العراق. ولن يتجه الى توسيع دائرة أعدائه على نحو غير مبرر».

والحقيقة ان علاوي يمد صلاته الى بعض من الخصوم المحتملين. ففي يوم الأحد الماضي أعلن مكتبه ان صحيفة «الحوزة» التي يصدرها رجل الدين الشيعي المتطرف مقتدى الصدر سيسمح لها باعادة الصدور. وكانت الولايات المتحدة قد أغلقت الصحيفة في ابريل (نيسان ) الماضي، مما أثار كثيرا من الاحتجاجات. كما التقى علاوي مع ممثلين من بعض المقاتلين في الفلوجة.

وقد تجلي حجم التحدي الذي يواجه علاوي على نحو بارز في الأسابيع التي تلت توليه السلطة يوم 28 يونيو (حزيران ) الماضي. فقد اظهرت موجة من تفجير السيارات المفخخة وعمليات الاغتيال، ان قرار الولايات المتحدة تعيين حكومة مؤقتة لم يقوض ارادة المتمردين. وقد اختار علاوي أخيرا «سحق» خصومه. وفي يوم الأحد الماضي عرضت مجموعة أبو مصعب الزرقاوي ذات الصلة بـ«القاعدة» جائزة بقيمة 282 الف دولار لمن يقتل علاوي، وفقا لما ورد في موقع على الإنترنت، وهو جزء من حرب كلامية مستمرة بين الطرفين. وبالنسبة لأصدقائه يعتبر علاوي الرجل الذي يدعم كلامه الصارم. ولكن أسابيعه القليلة الأولى في السلطة قد شهدت أيضا البعثي السابق وهو يثير الجدل المراوغ. فقد جعلته صلاته بالاستخبارات الأجنبية هدفا سهلا للخصوم الداخليين.

كما أنه متهم بالقتل. ففي عطلة نهاية الأسبوع نقلت صحيفة «ذي أيج» الأسترالية عن مصدرين لم تشر الى اسميهما قولهما انهما شهدا علاوي وهو يقتل بمسدسه ستة من المتمردين في مجمع لوزارة الداخلية في فترة النصف الثاني من شهر يونيو (حزيران) الماضي. وقد اثار التقرير نفيا قاطعا من جانب علاوي ومساعديه.

ولكن القصة كانت موضع تصديق واسع بسبب ماضي علاوي. وليس ذلك بالضرورة تراجعا. فالأشياء الأكثر شيوعا التي قام بها حتى الآن هي اعادة العمل بعقوبة الاعدام واصدار اوامر باعتقالات جماعية لأفراد العصابات الاجرامية، الذين تعرض كثير منهم الى الضرب على ايدي رجال الشرطة.

بدأ نشاط علاوي السياسي أوائل الستينات، عندما انضم الى حزب البعث وهو ما يزال بعد طالبا في كلية الطب بجامعة بغداد. ويذكر العقيد شبيب الذي انضم إلى حزب البعث في نفس الفترة تقريبا، أنه عمل مع علاوي في تلك السنوات المبكرة لخلق قاعدة طلابية للانقلاب البعثي عام 1963. وبعد نجاح الانقلاب اعدم حوالي 3000 من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي وغيرهم من المعارضين للانقلاب. ويقول شبيب «لم نكن وقتها نعرف ما يعنيه مفهوم البعث، كنا نعرف فقط أن الحكومة كانت قريبة جدا من الشيوعيين وكنا جميعا معادين للشيوعية عداء قويا».

كما يذكر شبيب كذلك أن الانقلاب المضاد الذي أطاح البعث في نفس العام، وضعه هو وعلاوي وصدام حسين في زنزانة واحدة. وفي عام 1968 نفذ البعث الانقلاب الثاني الذي نجح في عودتهم إلى السلطة التي احتفظوا بها حتى الغزو الأميركي بداية العام الماضي. وقد أشرف صدام حسين بنفسه على عملية التطهير هذه المرة، مستخدما الإعدامات في الميادين العامة والمحاكمات العلنية لإرهاب الأمة. وخلال كل هذه الفترة ظل علاوي عضوا مخلصا في حزب البعث.

وفي بداية السبعينات قبل علاوي منحة للدراسة في لندن، ولكنه ظل يعمل مع حزب البعث، رئيسا لاتحاد الطلاب العراقيين في أوروبا. وقال زملاؤه من المعارضين إنه كان في ذلك الوقت يتجسس على زملائه الطلاب لصالح حزب البعث. ولكن صدام حسين بدأت تساوره شكوك حول علاوي. وقال الجنرال عبد الجليل محسن، ضابط الجيش الذي عمل سرا لصالح حركة الوفاق الوطني العراقي «كان النظام قد شرع في مطاردة مؤيديه أنفسهم، من أعضاء حزب البعث ساعيا إما إلى تدميرهم أو إخضاعهم كليا لصدام. وقد رفض علاوي هذه التوجهات وأعلن معارضته لها. ووصل كل ذلك إلى صدام».

ويقول شبيب إن ذلك كان يمثل خطرا كبيرا على كل الذين ارتبطوا بعلاوي. واضاف «كان أخي يدرس كذلك في لندن. وفي أحد أيام عام 1975 جاءني صدام وقال لي «تعرف: شقيقك قريب جدا من علاوي. وقد اضطررنا لفصله من الحزب فهذا الرجل خطير جدا وارتباط شقيقك به سيكون خطيرا جدا على شقيقك. وقد تبين لي أن هذه مشكلة حقيقية. فقد كانت تلك هي مرحلة الإعدامات والتصفيات».

واوضح شبيب أنه أرسل إلى علاوي يبلغه بأن يكون حذرا، وبدأ علاوي منذ تلك اللحظة يستعين بالمخابرات الأجنبية. وفي عام 1978 اقتحم مؤيدون للنظام شقة علاوي وحاولوا قتله بفأس. وقد قضى عاما كاملا بالمستشفى وخرج منها وهو مصمم على قتال صدام.

وعمل علاوي طوال هذه السنين لخلق شبكة من الضباط الذين ما يزالون داخل العراق ولكنهم معارضون لصدام. ومن خطواته الموفقة تجنيده للجنرال محسن الذي فصل من حزب البعث، وطرد من الجيش لبعض الوقت، خلال الحرب العراقية الإيرانية، بعد أن قال لصدام إن الضباط يرسمون له صورة مزيفة حول الأوضاع في الجبهة، وقد قتل ابنه فيما بعد بواسطة النظام. وقال «تلقيت رسالة من علاوي عام 1994 يقول فيها أنشأت شركة بالأردن وأريدك أن تكون أحد ممثلي في العراق، وقد قبلت عرضه».

في عام 1996 شاركت حركة الوفاق الوطني في انقلاب فاشل ومأساوي ضد صدام. وبسبب كون دائرته الداخلية مخترقة فقد أعدم كل المشاركين فيه. وفي منتصف التسعينات، ووفقا لكتاب باتريك وأندرو كوكبيرن «نهوضا من الرماد بعث صدام حسين» شاركت حركة الوفاق الوطني في عدة هجمات إرهابية على دور السينما ومكاتب صحيفة حزب البعث، وأحد المساجد، مما أدى إلى قتل عدد كبير من الناس.

وأصبح محسن المصدر الأساسي لمعلومات حركة الوفاق الوطني، والتي كانت بدورها تنقل تلك المعلومات إلى الوكالات الاستخبارية الأجنبية. وقال محسن إنه سمع عام 2002، من أحد المتصلين به، أن هناك برنامجا سريا في العراق نجح في صناعة سلاح يمكن نشره في ميدان المعركة، في ظرف 45 دقيقة. وقال «لم نكن نعرف ما هو ذلك السلاح، ولكننا خمنا أنه ربما يكون سلاحا كيماويا». وقد ظهرت تلك المعلومة في التقرير الذي اعدته الاستخبارات البريطانية والذي ظهر بطلان الكثير مما ورد فيه.

* خدمة «كريستيان ساينز مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»