العراقيون يبدأون بمساعدة الشرطة وقيادتها إلى مواقع المتمردين وعناصر الجريمة

TT

كانت الدعامة الخلفية لسيارة من نوع «أولدزموبيل» هابطا إلى الحد الذي كان يمس أرضية الشارع. أوقفها سائقها على عجل بالقرب من مسجد من دون أن يغلق الباب وراءه.

اتصل أحد السكان القاطنين بالقرب من المسجد هاتفيا بالرقم 104 الخاص بالطوارئ في بغداد. فوصل بعد دقائق قليلة فريق مدرب حديثا للتعامل مع القنابل. جانبا الشارع الواقع في منطقة الكرادة يكتظان بمبان تضم شققا سكنية ومحلات تجارية وبيوت متواضعة، وقد افرغت كل هذه المساكن والمحال من سكانها بعد أن أغلق مداخل الشارع أمام المارة.

قال الرائد منير سعيد رئيس قسم إبطال مفعول القنابل «كان في السيارة 750 كيلوغراما من المتفجرات. كان الامر سيتسبب في كارثة لو أننا لم نبطل مفعولها».

منذ أن نقلت الولايات المتحدة السيادة الى الحكومة العراقية المؤقتة في 28 يونيو (حزيران) الماضي راحت الهواتف على رقم الطوارئ 104 ترن أكثر فأكثر في مراكز شرطة بغداد مع إخباريات راح السكان يوصلونها حول اشخاص غرباء متسللين إلى الأحياء السكنية، وعن سيارات فارغة من ركاب وعن أدوات غريبة ملقاة على جوانب الطرق وعند مداخل محطات توليد الكهرباء.

قال الرائد باسل عبد عزيز الذي تسلم مركز الشرطة الذي يعمل فيه هذه الإخبارية، إن معظم التقارير الاستخباراتية هي تنبيهات ليست دقيقة، ففي ظل الهلع من التفجيرات المميتة التي وقعت خلال أشهر الاحتلال الخمسة عشر أصبح العراقيون يخشون عواقب سيئة عند مشاهدتهم لأي شيء غير طبيعي، حسبما قال نائب رئيس مركز شرطة الكرادة.

وعلى الرغم من أن تفجيرات قد هزت بغداد في الأيام الأخيرة مخلفة وراءها ما لا يقل عن 20 قتيلا، فإن الاستعداد الجديد لدى العراقيين في التعاون قد مكن رجال الشرطة من كسب بعض المواقع في حربهم ضد الارهابيين. فعلى الأقل تم العثور على ست سيارات مفخخة وأبطل مفعول قنابلها خلال هذا الشهر بفضل وصول التقارير في والوقت المناسب قبل وقوع الانفجارات، حسبما قال نائب مدير إبطال مفعول القنابل مصطفى أحمد.

ولا يمتلك المسؤولون أي احصائيات تمكنهم من إجراء مقارنة مع الوضع الذي كان عليه في فترة الاحتلال الأميركي، لكنهم قالوا إن العراقيين أكثر ميلا للتعاون مع أبناء وطنهم. وقال موفق الربيعي مستشار الأمن الوطني للعراق «أصبحوا أكثر استعدادا ونتيجة لذلك أصبحنا أكثر فعالية».

ويعزو المسؤولون تزايد تدفق المعلومات إلى ارتفاع درجة ثقة الجمهور بمؤسسة الشرطة العراقية واحترامه لها، فهذا الجهاز الفارض للنظام الذي بدأ يظهر إلى السطح لا يضم فقط أولئك الذين كانوا ضمن جهاز الشرطة السابق بل يضم عناصر جديدة. ومع تصاعد عدد المدربين على تفكيك المتفجرات والأسلحة أصبح العراقيون يرون افراد الشرطة العراقية اكثر قدرة على معالجة التهديدات التي يواجهها السلم الاجتماعي، وهذا ما عزز ثقتهم بقدرات أفراد الشرطة في حمايتهم، حسبما قال الرائد عزيز.

واضاف عزيز «نحن بالتأكيد بدأنا نحصل على معلومات استخباراتية أكثر، فوجود أفراد الشرطة في الشوارع يعزز الثقة السيكولوجية لدى الناس بجهازهم الخاص بفرض القانون. فهم يرون أن أفراد الشرطة يعرضون حياتهم للخطر لحمايتهم وهذا يتطلب المضي في طريق طويل كي يتم كسب ثقة الناس».

وسيصل عدد أفراد الشرطة الجدد الذين مروا بدورات تدريب متخصصة في الأردن أو في كلية الشرطة في بغداد في نهاية هذا العام، إلى 20 ألف شخص، وسيكلف ذلك 3.2 مليار دولار مدفوعة من أموال أميركية لتحسين مستوى أداء أجهزة الأمن العراقية.

وقال الرائد عزيز إن اتفاقا جرى بين أصحاب المحال في المناطق ودوريات الشرطة لتشخيص العناصر الغريبة في المناطق السكنية، وقال إن أصحاب محال توزيع الحصص التموينية هم أول من يلمح التصرفات الغريبة، كذلك فإن مخازن مواد التموين هي أماكن لتبادل الأخبار وهذا ما يجعل الموزعين في موقع تلقي الكثير من المعلومات.

وتحت وطأة زخم المعلومات التي أغرقها الناس اتخذت الشرطة إجراءات صارمة ضد اللصوص والخاطفين والمجرمين العاديين في العاصمة العراقية الأسبوع الماضي واعتقل اكثر من 500 شخص وصودرت أربعة أطنان من المتفجرات. وأثارت الإجراءات ردود فعل سلبية لدى بعض السكان الذين اعتبروا الأساليب المتبعة كانت فظة أو أنها وجهت ضد أشخاص ثانويين، لكن المسؤولين في الشرطة يقولون إن إجراءاتهم الحازمة قد عززت من صورتهم بين الناس. وقال الرائد عبد الحكيم الذي شارك في تلك الغارات «كانت تلك عملية فعالة جدا للبرهنة على أن الشرطة قوية وهي تسيطر على الأمن خصوصا منذ ان فقدت الشرطة مصداقيتها خلال السنة الماضية من الاحتلال... الناس بدأوا ينظرون إلينا بطريقة مختلفة».

ورفض الرائد مصطفى سعيد اعتراضات بعض سكان شارع الكفاح المشهور بعصابات الجريمة المنظمة حينما قالوا إن المداهمات التي قام بها رجال شرطة ملثمون زرعت الخوف لدى الجمهور، حيث أنه قال «دعهم يتكلمون عنا. فبعض الناس رحبوا بنا ونحن نقبض على المشتبه فيهم».

وقال نقيب شارك في المداهمات ورفض ذكر اسمه إن تلك الحملة هي الخطوة الأولى في مخطط الحكومة المؤقتة لسحق موجة الجريمة التي أرهبت سكان بغداد وسحق المتمردين الذين ظلوا يستهدفون القوات متعددة الجنسيات. وقال ذلك الضابط «بدأنا نحصل على معلومات استخباراتية أفضل منذ عودة السيادة للعراقيين. وإن شاء الله سيكون هناك الكثير من الخطوات في هذا الطريق».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»