لجنة 11 سبتمبر تصور خالد شيخ كإرهابي محترف مستقل رفض عرض بن لادن للانضمام إلى «القاعدة» وكان يريد التمويل والكوادر فقط

أبو زبيدة قال في التحقيقات إن الخطة الأصلية لشيخ كانت متواضعة وبن لادن قال له: لماذا تستخدم فأسا إذا كان يمكنك استخدام بلدوزر

TT

يقول خالد شيخ محمد، العقل المدبر المفترض لهجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، ان الخطة الاصلية للهجمات التي تقدم بها لزعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن عام 1998 أو1999 تضمنت خطف عشر طائرات ركاب على ساحلي الولايات المتحدة وتفجير تسعة منها على ان يقود هو بنفسه الطائرة العاشرة، وبعد قتل كل الرجال على متنها يقوم خالد شيخ بمخاطبة وسائل الإعلام ويشجب بشدة حكومة الولايات المتحدة على تأييدها لاسرائيل والانظمة العربية القمعية. وطبقا للتقرير الذي اصدرته لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر، فإن رؤية خالد شيخ الاصلية للهجمات تلقي «لمحة على طموحاته الاصلية». جدير بالذكر ان خالد شيخ محمد لا يزال رهن الحبس في مكان غير معروف بواسطة القوات الاميركية منذ اعتقاله في مارس (آذار) 2003 في باكستان. ويكشف التقرير، الذي نشر الاسبوع الماضي، معلومات حصل عليها المحققون من استجواب خالد شيخ للمرة الاولى، ويعتمد التقرير بصورة اساسية على المعلومات التي ادلى بها خلال التحقيق معه بشأن كيفية تنفيذ الهجمات. ويصور التقرير خالد شيخ محمد، 39 سنة، كعنصر بارز ومتحمس وصاحب خطط طموحة لهجمات ارهابية. لكن التقرير يؤكد الشكوك في مصداقية خالد شيخ ويكشف ان خالد شيخ ينظر الى نفسه كشخص ومخطط مستقبل لا يتبع لأحد، بمن في ذلك بن لادن نفسه. وورد في تقرير اللجنة انه «ليس هناك من يجسد نموذج الارهابي المحترف مثل خالد شيخ محمد»، كما اشار التقرير ايضا في سياق الحديث عن شخصية خالد شيخ الى انه وظف خياله ومعارفه ومهاراته الفنية والادارية في «تخطيط عدد من المشاريع الارهابية غير العادية» مثل السيارات المفخخة والاغتيالات السياسية وتفجير وخطف الطائرات وتسميم مصادر المياه واستخدام طائرات الركاب كصواريخ موجهة بواسطة انتحاريين. بدأ تطرف خالد شيخ محمد في وقت مبكر عندما انتمى الى جماعة «الاخوان المسلمين» وعمره 16عاما، شأنه شأن ابن اخته رمزي يوسف، الذي شارك في مخطط تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993 .

نشأ خالد شيخ في الكويت، غير انه يتحدر من اصول بلوشية، وهي منطقة تجاور الحدود الايرانية ـ الباكستانية. وكمراهق اصبح «مهتما بالجهاد عبر التدريب في معسكرات للشباب في الصحراء»، طبقا لتقرير الهيئة.

وكانت اول مواجهة له مع البلد الذي سيهاجمه في المستقبل بضراوة في عام 1983، عندما انضم الى كلية تشووان وهي مدرسة معمدانية صغيرة في بلدة مورفريسبورو بولاية نورث كارولينا الاميركية، قبل ان ينتقل الى جامعة الزراعة والتقنية بولاية نورث كارولينا. وفيما يمكن اعتباره اول مؤامرة ارهابية، قال خالد الشيخ انه فكر في اغتيال الحاخام مائير كاهانا عندما كان يحاضر في غريسبورو بالولاية في منتصف الثمانينات. وقالت الهيئة في تقريرها ان هذا الزعم يمكن ان يكون «مجرد تفاخر» وانه لم تظهر على خالد الشيخ الا اشارات بسيطة على الراديكالية خلال وجوده في اميركا الشمالية.

ولكن بعد حصوله على درجة في الهندسة الميكانيكية في عام 1986 انتقل فورا الى افغانستان للقتال ضد القوات السوفياتية هناك. وفي السنوات السبع التالية، تنقل من موقع لآخر، وفي عام 1992 قاتل مع المجاهدين في البوسنة. ثم نقل اسرته الى قطر للعمل كمدير مشروع مع وزارة المرافق هناك. وخلال تلك الفترة، كان خالد الشيخ قريبا من شبكة المسلمين الراديكاليين الذين قاتلوا القوات السوفياتية، ولكنه كان لاعبا صغيرا، طبقا لتقرير اللجنة، غير ان ذلك تغير بعد فترة.

وفي 26 فبراير( شباط) 1993 وقع انفجار ضخم في مرآب تحت مركز التجارة العالم، مما ادى الى مقتل 6 اشخاص ولكنه لم يؤد الى اسقاط البرجين كما كانت تأمل المجموعة التي نفذت العملية. وقاد التحقيق في العملية لاول مرة الى خالد الشيخ، الذي ارسل 660 دولارا الى واحد من المشاركين في المؤامرة ذلك العام. كما كشف التحقيق ايضا عن ان معد المؤامرة شخص يدعى يوسف وهو ابن اخت محمد، وهو اصغر بثلاث سنوات من عمه.

وخلال عام ذهب هو ويوسف الى الفلبين للعمل في مؤامرة ستخدم كمقدمة لهجمات 11 سبتمبر. «فمشروع برينكا» يدعو الى نسف 12 طائرة ركاب اميركية فوق المحيط الهادئ خلال يومين. وبدأ محمد وابن اخته في تجميع مواد كيميائية وموقتات وغيرها من المواد في الوقت الذي وجدا فيه وقتا كافيا للتفكير في اغتيال الرئيس بيل كلينتون.

وقد القي القبض على يوسف في عام 1995. واستقر عمه، الهارب من السلطات الاميركية، في افغانستان وركز اهتمامه على خطط اكبر.

وتم اول لقاء بين محمد وبن لادن في عام 1996 في تورا بورا، وهو الملجأ الواقع في سلسلة جبلية حيث امكن لأسامة بن لادن فيما بعد الهرب من القوات الاميركية عقب احداث 11 سبتمبر. وكان الاثنان يعرفان بعضهما البعض منذ قاتلا معا في افغانستان، ولكن تقرير الهيئة اشار الى انهما «لم يتمتعا بعلاقة عمل خاصة مقربة». وأوضح التقرير ان خالد محمد «اعترف ان بن لادن وافق على مقابلته بسبب شهرة ابن اخته يوسف».

وقدم خالد الشيخ الى بن لادن وواحد من كبار مساعديه، وهو محمد عاطف (المسؤول العسكري للقاعدة وقتها) قائمة افتراضية للمؤامرات الارهابية، بما في ذلك مشروع خطف الطائرات في الفلبين وخطة لنسف سفن شحن متوجهة للولايات المتحدة واقتراح «لعملية تشتمل على تدريب طيارين على الارتطام بطائرات في مبان في الولايات المتحدة». وكانت هذه الفكرة هي جذور احداث 11 سبتمبر.

ولم يلتزم بن لادن بأي شيء ولكنه طلب من محمد الانضمام لتنظيم «القاعدة»، إلا انه رفض.

وقال محمد كذلك إنه كان من الممكن أن يعمل مع أية مجموعة إرهابية، وليس فقط «القاعدة»، وإنه كان يمكن أن ينفذ هجمات 11 سبتمبر حتى لو قام بن لادن بإلغائها. ويقول تقرير اللجنة: «يصور خالد شيخ نفسه كصاحب مشروع، يبحث عن التمويل والكوادر. وكان ببساطة يريد من «القاعدة» أن توفر التمويل والكوادر المنفذة للهجمات مع محافظته هو على استقلاله».

شرع خالد شيخ في تجنيد الخاطفين وبقية التحضيرات منذ بداية 1999. وبدأ بجمع مجلات علوم الطيران والمعلومات عن مدارس الطيران الاميركية وادلة الهاتف في ساندييغو ولونغ بيتش في كاليفورنيا وبرنامج الكومبيوتر الخاص بأجهزة المحاكاة وغير ذلك من المواد. وقام كذلك بشراء أفلام هوليوود التي تحدث فيها اختطافات، ولكن كان يجري مونتاجا لهذه الأفلام ليمسح صور النساء قبل عرض الأفلام على متدربي «القاعدة».

وخلال السنتين التاليتين قام خالد شيخ بتنظيم السفريات والتمويل وأشرف على الاتصالات التي كان نتيجتها اكتمال عقد الخاطفين بقيادة محمد عطا في الولايات المتحدة. ومع أن اللجنة توصلت إلى أن بن لادن ومحمد عاطف، الذي قتلته القوات الاميركية في أفغانستان، كانا مشاركين بصورة مباشرة في اختيار الخاطفين وغير ذلك من أوجه اتخاذ القرار، إلا أن خالد شيخ كان مسؤولا عن تنفيذ الهجمات عمليا كما كان يحل النزاعات الناشئة بين الخاطفين أنفسهم. وقال خالد شيخ إنه ومجموعته هم الذين ضغطوا على بن لادن لمهاجمة أميركا بينما لم يكن هو راغبا في ذلك. ولكن اللجنة لم توافق على هذا الحكم، وتعتقد أن خالد شيخ يبالغ في تصوير دوره. ويقول التقرير كذلك إن خالد شيخ يقلل من أهمية محمد عاطف وغيره من قيادات «القاعدة» وغيرها من المنظمات الإرهابية. ويزعم أن الخاطف خالد المحضار (احد الخاطفين الانتحاريين) تخلى عن التدريب بعد اسبوع لأن التدريب كان قاسيا، ولكن الآخرين يقولون إنه أتمه. ويبدو أن خالد شيخ لم يكن على علاقة جيدة بالمحضار وكان يمكن أن يبعده لولا تدخل بن لادن.

ويزعم أبو زبيدة وهو أحد كبار زعماء القاعدة المعتقلين حاليا، أن خطة خالد شيخ الأولية كانت متواضعة جدا، وأن بن لادن هو الذي طالبه بتوسيعها. وقال أبو زبيدة أن بن لادن قال له: «لماذا تستخدم فأسا إذا كان من الممكن أن تستخدم بلدوزراً ؟». ويعتقد كثير من معتقلي «القاعدة» أن خالد شيخ ليس سوى انتهازي رغم كل شعبيته وسط المقاتلين العاديين من أعضاء «القاعدة».

وخلال كل هذه الفترة لم تكن لدى المسؤولين الاميركيين أية فكرة عن أهمية خالد شيخ، كأحد قادة «القاعدة»، كما أنهم لم يعرفوا أنه العقل المدبر للهجمات إلا بعد تنفيذها. ويتهم خالد شيخ كذلك بأنه هو الذي اختطف الصحافي الاميركي دانيال بيرل في يناير (كانون الثاني) 2002. وحتى بعد تنفيذ هجمات 11 سبتمبر التي قتلت حوالي 3000 إنسان، وكانت أكبر هجوم أرضي في تاريخ الولايات المتحدة ، فإن خالد شيخ لم يكن قط راضيا. وقد زعم في مقابلة أجرتها معه قناة «الجزيرة» بعد هجمات 11 سبتمبر أن لجنة استطلاع خاصة بـ «القاعدة» حددت 30 هدفا داخل الولايات المتحدة. ولكن تقرير اللجنة يقول: «اعترف خالد شيخ بأن تصريحاته كانت كاذبة وكان الغرض منها تضخيم المدى الذي كانت عليه هجمات 11 سبتمبر.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»