اليوم أولى جلسات محاكمات غير مسبوقة ضد وزارة الدفاع البريطانية بتهم قتل وتعذيب عراقيين

TT

قال أحد محامي العراقيين الذين يقاضون وزارة الدفاع البريطانية بتهمة تعذيب بعضهم وقتل ذوي بعضهم الآخر، إذا قبلت هذه «المزاعم» فإن الجنود الذين ارتكبوها سيصبحون عرضة للاتهام بـ«جرائم حرب» قد يصعب دحضها. وشدد المحامي فيل شاينر على ان موكليه لم يرفعوا القضايا الست «غير المسبوقة» التي ستتواصل المرافعات بشأنها بين اليوم والجمعة القادم، بغرض تقاضي تعويضات مالية كما ذكرت تقارير «أريد أن افندها». وذكر أن الهدف الاساسي من رفع الدعاوى هو ضمان فتح تحقيقات مستقلة بملابسات تعذيب او قتل مدنين عراقيين ابرياء، مؤكداً شعوره بـ«العار» لأن جنود بلاده فعلوا ذلك. ولفت إلى وجود 31 قضية اخرى مماثلة لعراقيين يتهمون جنوداً بريطانيين بـ«القتل غير المشروع والتعذيب والحاق الاذى».

يشار الى ان رابندر سينغ، وهو محام معروف برتبة مستشار الملكة وشريك لعقيلة رئيس الوزراء توني بلير بمكتبها القانوني، هو من أعضاء فريق الادعاء. وكان المحامي يتحدث امس في مؤتمر صحافي في لندن عقده مع كفاح طه المطيري، وهو احد المدعين الذي قال إنه تعرض لـ«تعذيب مبرح» في المعتقل البريطاني. وذكر شاينر ان كفاح كان الى جانب الراحل بهاء موسى لحظة اعتقالهما مع سبعة آخرين في البصرة، وسيدلي بإفادته كشاهد عيان على ان زميله توفي تحت التعذيب. وتساءل كفاح الذي كان يتصبب عرقاً لدى استرجاع تفاصيل محنته في الحبس البريطاني والفشل الكلوي الذي اصيب به نتيجة للتعذيب، «لماذا هذا التعامل (معنا) بوحشية وبلاانسانية؟». وقال «كنا نقاسي من النظام (صدام حسين)، والآن نحن نقاسي» مع أنهم «كنا نأمل أن تتغير المعاملة». وأشار المطيري الى انه احتجز مع بهاء وسبعة من زملائهم اثناء مزاولتهم العمل في «فندق ابن الهيثم في شارع الاستقلال بالبصرة»، في ليلة 14/15 سبتمبر (ايلول) 2003، «وأخذنا إلى ما يسمى بدار الضيافة». وأضاف المدعي الذي تحدث بالعربية من بيان اعد سلفاً ولم يسمح للصحافيين بتوجيه اية اسئلة له «تم تعذيبنا بشكل فظيع لا يتصوره عقل، منذ اللحظة الاولى بدون رحمة أو شفقة وبدون اي تحقيق معنا». وتابع إنه لم يجدوا بانتظارهم «سوى التعذيب المبرح، مما أدى الى وفاة المرحوم بهاء موسى». وزاد أنه نقل بعد ايام الى المستشفى حيث بقي على سرير المرض 62 يوماً بسبب القصور الكلوي الذي اصيب به جراء التعذيب.

وقد ابرز المحامي فقرات من شهادة طبية قدمها طبيب استشاري في أمراض الكلى، تؤكد أن المطيري قد تعرض إلى «الأذى المتعمد». وذكر الطبيب البريطاني الذي اجرى فحوصاً دقيقة على الشاب العراقي، أنه من غير العادي انه نجا من موت شبه محقق في «غضون ايام قليلة» لعدم توفر جهاز لغسل الدم في المستشفى. وأكد المحامي ان الحكومة العراقية لم تُستشر من قريب او بعيد بشأن هذه المحاكمات. وفي رد على سؤال عما إذا اتصل المحامون ببغداد لا سيما ان المدعين عراقيون، قال شاينر: «لاعلاقة لها البتة بالأمر ولم نتحدث اليها». وإذ أعرب عن أمله بكسب القضايا في مرحلة مبكرة، فقد اشار الى أن عدم الفوز سيدفعهم الى الاستئناف أمام مجلس اللوردات وهو أرفع محكمة بريطانية. ولم يستبعد نهائياً تقديم الدعاوى امام المحكمة الاوروبية في ستراسبورغ إذا لزم الامر. وقال إن «كيفية التحقيق المستقل الذي نطالب بفتحه، وسيجرى اذا قبلت المحكمة أن الحالات خاضعة لقوانين حقوق الانسان، لا يمكن التنبؤ بها حاليا». وزاد إن هذا التحقيق «قد يتم هنا أو في العراق، وقد يكون مشابها لتحقيق هاتون (بملابسات وفاة خبير الاسلحة ديفيد كيلي). وشدد شاينر على ان القضايا على درجة كبيرة من الأهمية لأن بوسعها أن تؤسس لتعامل أشد انصافاً مع المدنيين في اطار صراعات او اعمال حفظ سلام مقبلة. وقال إن نتائج هذه المحاكمات «قد تتخطى الحالات المباشرة (المتعلقة بهؤلاء الضحايا بالذات)». واعتبر أن من الممكن للاحكام التي ستصدر بنهاية المرافعات ان تمهد لاجراءات بالغة الاهمية تتصل بضمان تطبيق قانون حقوق الانسان «على صراعات او احتلالات او عمليات حفظ سلام في المستقبل». ولفت الى ان هذا من شأنه أن «يحدث تغييراً كبيراً نحو الافضل»، ينصف المدنيين الذين يجدون انفسهم في اوضاع كهذه. يُذكر ان شاينر كان سباقاً الى تبني قضايا العراقيين «بلا اجر» قبل ان تقرر السلطات المعنية البريطانية منحهم «عوناً قانونياً بدءاً من 26 مايو ( آيار) الماضي». وأوضح «هناك 37 عائلة عراقية» اتصلوا به لرفع دعاوى على وزارة الدفاع البريطانية. وأكد أنه وفريق محامي الادعاء لا يعتزمون مقاضاة الحكومة البريطانية بسبب ما شهده العراق خلال الحرب. وأضاف أن «27 من هذه القضايا تتعلق بالقتل غير المشروع، و8 تتصل بالتعذيب واثنتين بإلحاق الاذى». وزاد أن المطيري هو احد اصحاب قضايا التعذيب الثمانية، لا سيما انه احتجز مع سبعة آخرين بينهم الراحل موسى، و «قد قتل عملياً» على يد الجنود الذين اعتقلوه. وأشار الى أن «انزيمات دمه تجاوزت 100 ألف، وهو مستوى مرتفع للغاية يزيد اضعافاً مضاعفة عن الحد الطبيعي». واستشهد برأي الطبيب الاستشاري الذي رجح ان يكون سبب هذا الارتفاع الهائل تعرض الضحية للتعذيب. وتحدث المحامي عن أساليب التعذيب التي اخضع لها المطيري وموسى وزملاؤهما. وقال إن الجنود «كانوا يطلبون منهم حفظ أسماء بعض نجوم كرة القدم الانجليز او الهولنديين، ومن يفشل في تذكرها بصورة صحيحة يتعرض لتعذيب شديدش. وأضاف «كما كان الجنود ينتخبون احدهم لرفس المحتجزين الواقفين وظهورهم الى الجدار، بأقوى ما يمكن». وتساءل هل يمكن ان يتم هذا التعذيب الذي قام به افراد من دون علم اصحاب السلطة ( في قوات الاحتلال البريطانية)؟ وأعرب عن استيائه الشديد لما قام به مواطنوه، قائلاً «اشعر بالعار لما فعلوه لكفاح، خصوصاً ان بلادنا ذهبت إلى الحرب بهدف اعلاء شأن الديمقراطية وحقوق الانسان (كما قالت الحكومة البريطانية)».