تاريخ المبادرات السعودية للتعاون مع العراق

TT

يحفل التاريخ الحديث بمبادرات عديدة للمملكة العربية السعودية لمساعدة العراق بالرغم من الخلافات الآيدولوجية بين الحكومة السعودية وحكومة حزب البعث العراقي السابقة. ويذكر أسد علم الدين وزير البلاط الايراني في مذكراته السرية انه استقبل السفير السعودي في طهران للتوسط لنزع فتيل الازمة التي اختلقها حزب البعث في بداية السبعينات حول شط العرب واعتراض البواخر المتجهة للموانئ الايرانية التي ترفع العلم الايراني في شط العرب. ففي عام 1972 قامت القوات العراقية باحتلال مخفر الصامتة الكويتي الحدودي القريب من ميناء أم قصر بعد ان قتلت احد شرطة الحدود الكويتية، وكادت الازمة ان تستفحل لولا توسط الحكومة السعودية لحل النزاع واقناع العراق بسحب قواته من المركز الحدودي. على مدى سنوات الحرب العراقية الايرانية 1980 ـ 1988 كان للحكومة السعودية موقفا داعما للعراقيين من النواحي الاقتصادية والسياسية.

في عام 1988 استقبل العراقيون بحفاوة الملك فهد في بغداد حيث اثمرت زيارته عن توقيع اتفاقية مشتركة لعدم الاعتداء بين الطرفين وترسيم الحدود بين العراق والمملكة العربية السعودية بعد ان بقي هذا الملف معلقا لسنوات طويلة. وقتذاك تساءل العراقيون عن سبب توقيع مثل هذه الاتفاقية بينما كانت اجواء العلاقات بين البلدين تتصف بالمستقرة حتى قامت القوات العراقية بغزو الكويت عام 1990 حيث اعتقد النظام العراقي ان اتفاقية عدم الاعتداء سوف تحيد الموقف السعودي من عملية الغزو.

قبل احداث غزو الكويت كان الملك فهد قد ترأس وفد كبير للمشاركة في أعمال قمة بغداد التي أحبط صدام حسين نتائجها بغزوه للكويت. وكان للحكومة السعودية مبادراتها الجادة لاسعاف الاوضاع الحرجة التي تأججت بين العراق والكويت بعد ان وجهت بغداد انتقادات حادة للكويت متهمة إياها بسرقة نفط حقل الرميلة الشمالي ومحاولاتها لتدمير الاقتصاد القومي. دعت الحكومة السعودية العراق والكويت للتحلي بالصبر والاجتماع في جدة للحوار وجها لوجه وتهدأة الامور، وترأس عزة الدوري نائب الرئيس العراقي وفد العراق بينما ترأس الشيخ سعد الصباح وفد الكويت، وبعد اجتماعات استمرت ليومين اعلن عن نجاح المباحثات التي توصل اليها الطرفين. ومن طرائف الامور ان النشرة الاخبارية لاذاعة بغداد كانت تعلن عن توصل الطرفين الى نتائج طيبة في صبيحة الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس (آب) 1990. وفي مبادرة تاريخية كان لها ان تغير مجرى الاحداث لو استجاب لها الرئيس العراقي السابق، اتصل الملك فهد هاتفيا بصدام حسين صبيحة الغزو لتهدأة الامور قبل استفحال الازمة، لكن الذي حدث ان مساعدي صدام حسين اخبروه بأن «الرئيس»غير موجود في مكتبه. لكن صدام اعترف بعد عام من ذلك بأنه كان موجودا ولم يرد على هاتف الملك فهد الذي كان سيطلب منه الانسحاب من الكويت وهذا «ما لم ارد سماعه» حسب تصريح الرئيس العراقي السابق.

في عام 1995 وبينما كان العراق والعراقيين يعانون من احكام الحصار السياسي والاقتصادي والثقافي حول رقابهم فوجئ العالم باستقبال الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ولي عهد السعودية لثلاث مثقفين عراقيين وهم الشاعرين محمد مهدي الجواهري وعبد الوهاب البياتي والكاتب سعد البزاز وذلك ضمن فعاليات مهرجان الجنادرية. وأصدر الامير عبد الله وقتذاك اوامره بعودة أسماء المثقفين العراقيين لبعض الشوارع التي كانت تحملها في المملكة واعادة المواد الأدبية لشعراء او كتاب عراقيين الى المناهج الدراسية وفتح ابواب الجامعات امام الاساتذة العراقيين للعمل فيها، كما امر بتجهيز باخرتين كوجبة أولى محملتين بالمواد الغذائية والطبية كهدية من أدباء الجنادرية وليس من الحكومة السعودية كي لا يتحسس النظام العراقي. وقال ولي العهد السعودي بهذه المناسبة بأن العراقيين «أهلنا ولا يمكن التخلي عنهم».

لكن المفاجأة المتوقعة جاءت في اليوم التالي عندما هاجم الاعلام العراقي السعودية ووصف الأدباء العراقيين الثلاث بالعملاء.

في مؤتمر قمة بيروت عام 2002 فاجأ الأمير عبد الله الحاضرين عندما استجاب لتحية عزة ابراهيم الدوري ومد يده ليصافحه بعد ان كان الدوري قد مد يده أولا. وكان بامكان النظام العراقي الاستجابة لنداءات العقل التي وجهتها القيادة السعودية من اجل تجنيب العراق والمنطقة ويلات الحرب، لكن هذا ما لم يحدث على الاطلاق مما ادى الى ان تؤول الامور الى ما هي عليه الآن.

القيادة السعودية لم تبتعد عن المشهد العراقي، بل بقيت معايشة له بحكم التقارب القومي والتاريخي والجغرافي، من هذا المنطلق حرصت على ان يبقى العراق قويا وموحدا، فعندما دخلت القوات الأميركية بغداد في أبريل (نيسان) 2003 وصار أمر العراق بأيديهم نصحت الحكومة السعودية بعدم حل الجيش العراقي ليبقى رمزا لقوة العراق، كما حرصت بعدم تقسيم العراق. واليوم ما من قيادي عراقي الا ويقول «كان حل الجيش العراقي اكبر خطأ ارتكبه الأميركيون».