مقترحات لجنة 11 سبتمبر 2001 بشأن إعادة هيكلة الاستخبارات تستهدف منح البيت الأبيض المزيد من السيطرة وتوسيع صلاحيات «البنتاغون»

توجه لتقليص دور وكالة الاستخبارات المركزية وإعادة النظر في عمليات جميع وكالات جمع المعلومات

TT

طبقا لتقديرات عدد من الخبراء، بمن في ذلك اعضاء في لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 والكونغرس، فضلا عن مشرعين ومسؤولي استخبارات، فإن مقترحات إعادة تنظيم الاستخبارات التي تقدمت بها لجنة التحقيق تتضمن تقليص نفوذ وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي أيه) وزيادة اهمية وزارة الدفاع (البنتاغون) مع منح البيت الابيض المزيد من السيطرة المباشرة على العمليات السرية. ومعظم اهتمام الرأي العام قد تركز حول توصية اللجنة بتعيين مدير للاستخبارات الوطنية داخل المكتب التنفيذي للرئيس على ان توفر له سلطات التعيين والإقالة والإشراف على الميزانية على 15 وكالة امن واستخبارات اميركية. إلا ان اكثر مقترحات اللجنة إثارة للجدل، بشهادة مؤيدين ومتشككين في الفكرة، هو إعادة النظر في عملية جمع المعلومات الاستخبارية التي لعبتها وكالات في مختلف اجهزة الحكومة، وهو تحول يتجاوز دور مكافحة الارهاب الذي ركزت عليه اللجنة بصورة رئيسية. ومن المقرر ان تكون عملية إعادة الهيكلة المقترحة موضوعا رئيسيا لجلسة استماع للكونغرس حول توصيات اللجنة، كما سينظر مسؤولو البيت الابيض في عملية إعادة الهيكلة المقترحة في محاولة للتوصل الى المقترحات التي سيؤيدونها. ولا تتضمن التوصيات مجرد المناشدة بإنشاء مركز وطني لمكافحة الارهاب، بل تحث على تأسيس عدد غير محدد من مراكز الاستخبارات، على ان تكون هذه المراكز خاضعة لإدارة وإشراف مدير وطني للاستخبارات وتعني بالقضايا الاساسية مثل تطوير الاسلحة المحظورة والجريمة الدولية ومناطق الاضطراب في الشرق الاوسط وآسيا واورآسيا. وأشار المسؤولون الى ان تشكيل هذه المراكز سيؤدي الى انكماش نفوذ وكالة الاستخبارات المركزية بعدة طرق. وذكرت لجنة التحقيق انها تأمل ان يصبح كل من هذه المراكز الاستخبارية المصدر الاساسي للرئيس للتحليل في مجال خبرتها ـ وهو ما يدعم دور مدير وكالة الاستخبارات المركزية.

والاكثر من ذلك، فإن هذه المراكز التي سيجري تجميع العاملين فيها من كل من وكالة الاستخبارات المركزية ومركز المباحث الفيدرالي ووزارتي الدفاع والخارجية، لن يكون مقرها في وكالة الاستخبارات المركزية، حيث توجد هذه الادوار الآن، ولكن «في أي وزارة او وكالة مناسبة لها، طبقا لتوصيات اللجنة».

وقال فيليب زيلكو المدير التنفيذي للجنة 11 سبتمبر ان تشكيل هذه المراكز يعتمد على اصلاحات المؤسسة العسكرية الاميركية طبقا لقانون غولدووتر ـ نيكولس لعام 1986. وطبقا لهذا النظام، فإن افرع القوات المسلحة تعمل تحت قيادة واحدة موحدة لضمان التعاون.

وقال زليكو ان مدير الاستخبارات القومية الجديد، سيصبح المستشار الاستخباري الاساسي للرئيس وسيدير عمليات سرية وعملية جمع وتحليل المعلومات عبر مراكز استخبارية، مثلما يوجه وزير الدفاع العمليات العسكرية عبر القيادة الموحدة حول العالم. ويهدف ذلك الى مواجهة الانتقادات بأن وكالات الاستخبارات الاميركية لا تتواصل مع بعضها البعض بدرجة كافية لاكتشاف انماط كان من الممكن ان تؤدي الى احباط هجمات 11 سبتمبر.

واعرب مايكل هانلون وهو باحث متخصص في الشؤون العسكرية في معهد بروكينغز، عن شكه في ما اذا كانت بنية هذه المراكز ستعمل بطريقة فاعلة. وقال ان قيادة البنتاغون الموحدة تعمل جزئيا لان القادة في مراكز قيادة اقليمية بعيدا عن واشنطن. واوضح بـ«المقارنة، فإن مجموعات العمل الاستخبارية ستكون اما في البيت الابيض او في الوكالات الموجودة حاليا، وبالتالي تخضع لتأثيرات كبيرة من الأماكن التي يعملون فيها».

ولاحظ اوهانلون وغيره من المحللين ان البنتاغون، بالمقارنة بوكالة الاستخبارات المركزية، لن يحتفظ فقط بكل ادواره طبقا لمقترحات اللجنة ولكنه سيتصل على مزيد من النفوذ.

وتوصي اللجنة بالسماح لوزارة الدفاع بتولي «مسؤولية رئيسية» عن العمليات السرية شبه العسكرية، التي كانت تتولاها، في الماضي القريب وخصوصا في أفغانستان والعراق، وكالة الاستخبارات المركزية بشكل أساسي. وقال تقرير اللجنة انه كانت للوكالة نتائج «غير مقنعة» في مثل هذه العمليات قبل الحادي عشر من سبتمبر، وهي اشارة الى المحاولات الفاشلة لقتل أو اعتقال أسامة بن لادن في سنوات التسعينات.

وطرح خبراء آخرون أسئلة حول وضع المدير الوطني للاستخبارات ضمن المكتب التنفيذي للرئيس، كما أوصت اللجنة خصوصا عندما يقوم المسؤول بالإشراف على العمليات الاستخباراتية داخل وخارج الولايات المتحدة. وقال المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية روبرت غيتس ان تلك التوصية تقلقه أكثر من غيرها. وأشار في مقابلة معه الى ان «الحد الفاصل بين العمليات السرية الخارجية والداخلية غير واضح»، مضيفا ان ذلك يعكس «الافتقار الى المنظور التاريخي».

وتحدث عن المشاكل التي نشأت عندما أمر البيت الأبيض مباشرة بالقيام بنشاطات سرية، مستشهدا بإرسال أوليفر نورث شحنات أسلحة الى ايران عامي 1985 و1986 لاطلاق سراح الرهائن، وحتى فضيحة ووترغيت عندما ساعدت وكالة المخابرات المركزية أولئك الذين اقتحموا مكتب دانيل ايلزبيرغ.

وقال غيتس، الذي يعمل الآن رئيسا لجامعة تكساس «أي أند أم» ان «هناك حاجة ماسة لإجراء تغييرات بنيوية جدية داخل الوكالة ومن أجل اعادة هيكلة الوسط الاستخباراتي. ولكن بعض هذه الأفكار لم تجر دراستها بصورة متأنية، ويمكن أن تكون النتائج كارثية».

وقال جون هامر، المساعد السابق لوزير الدفاع في ادارة بيل كلينتون ويعمل الآن رئيسا لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، أول من أمس انه يعتقد ان اللجنة تحاول أن تخلق في مراكز الاستخبارات القومية «مجموعة من العاملين الساعين الى نوعية افضل من المعلومات». ولكنه قال ان هناك أسئلة جدية «حول ماهيتها وكيف يمكن أن تكون في النظام».

وقال زليكوف في مقابلة معه «ما لدينا ليس الدواء الشافي. وقد لا تتوفر لدينا الاجابات السليمة، ولكننا ننظر في خيارات أخرى. واذا ما جاء شخص ما بطريقة أفضل، فلابد أن يكون ذلك نافعا». وقال ان اقتراحات اللجنة تهدف الى «إجراء تغيير في العالم الحقيقي من أجل مواجهة مشاكل حقيقية وليست مجرد أفكار أكاديمية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»