الخوف من جورج بوش يوحد صفوف الديمقراطيين الأميركيين

TT

كانت هذه هي رحلة جيرالدين ايميت، 90 عاما، الاولى بالطائرة من اريزونا الى بوسطن، ماساتشوستس. وقد وصلت الى المدينة وهي تقول انها لم تشعر بهذه الدرجة من الخوف كل حياتها. ولكن هل اخافتها الرحلة التي عبرت فيها ارجاء هذه البلاد الشاسعة؟ اجابت مندوبة ديمقراطيي بريسكوت في فستانها المزركش بالخيوط والورود، قائلة: «لا يا عزيزي، لست خائفة من الطيران. انا خائفة من جورج بوش».

وفي وقت متأخر من ليلة الاثنين، وداخل غرفة مشتركة خفضا للنفقات، دخل مندوبان من ايوا في جدال حار حول الشرق الاوسط. وقد نبعت حيوية الحوار من الخلفية المتناقضة للرجلين، فأحدهما هو نعمان ابوعيسى، المهندس العربي الاميركي الذي ولد في سورية ويعيش حاليا في ايوا سيتي، والان كوسلو، الطبيب اليهودي من ويست ديس مونيس، الناشط في مجموعة ضغط يهودية. ولكن هذين الرجلين عندما ذهبا صباح الثلاثاء الى مؤتمر الحزب الديمقراطي كان يوحدهما نفس الشعور الذي غمر جيرالدين ايميت. وقد كان ذلك الشعور اقوى من كل ما يمكن ان يفرق بينهما.

في الدوائر الديمقراطية كان مصطلح «فوب» المكون من الاحرف الاولى لثلاث كلمات انجليزية يعني «اصدقاء بيل» اي «فريندس اوف بيل»، ولكنه اصبح الان يعني «فيار اوف بوش» اي «الخوف من بوش»! ويقول الشباب والشيوخ، والبيض والسود، والعرب واليهود، والنساء والرجال، والمزارعون وسماسرة العقارات، من جموع الديمقراطيين الذين التقوا هنا انهم يشعرون بأنهم موحدون روحا وغاية، اكثر مما كانوا عليه في اي مؤتمر في التاريخ القريب. ويقولون ان ما يربطهم هو ان وطنهم، بل العالم كله، لم يكن منقسما في كل التاريخ مثلما هو منقسم اليوم، وهم يعتقدون ان السبب في كل ذلك هو جورج بوش.

كتب ليو تولستوي ان الاسر السعيدة تشبه بعضها بعضا، بمعنى انها لا تثير الفضول. وفي الوقت نفسه فإن المؤتمرات الخالية من الخلافات لا تثير فضول احد. ولكن الحقيقة تقول ان الوحدة غير العادية وسط الديمقراطيين المعروفين بالتكتلات، والتي كانت نتيجة لمخاوفهم العميقة من بوش وسياساته، هي احدى الخطوط الاساسية لقصة هذا المؤتمر.

قال دينيس جونسون، 79 سنة، احد مندوبي ولاية اريزونا من سن سيتي: «ساهم جورج بوش في توحيد الحزب الديمقراطي اكثر من اي جمهوري اخر شهدته طوال حياتي، وقد ظللت ناشطا سياسيا لحوالي 60 عاما».

وقد ادلى المندوبون من اريزونا الى وسكنسون بعبارات وافكار مشابهة. فقد قال الاب نيلسون تومسون، الذي حضر ستة مؤتمرات قومية، مندوبا من ولاية اركانسو: «استطاع بوش ان يوحد الديمقراطيين لأنه يمثل قوة انقسام في المجتمع. وقد خلق وحدة حقيقية في صفوف الحزب لم نستطع تحقيقها قبل اربع سنوات عندما كنا قانعين بعض الشيء. اما هذه المرة فليس ثمة فرصة للتلاعب».

وطلب من المندوبين ان يطرحوا اجندة ايجابية وان يركزوا على الصفات الايجابية للمرشح الديمقراطي جون كيري. وقد حاولت الخطب التي القيت في المؤتمر، بدءا بخطبة الرئيس بيل كلينتون وانتهاء بآخر مندوب، التمسك بهذه الاستراتيجية.

وعلى كل، فان كراهية بوش لم تكن تيارا خفيا يسري في كواليس المؤتمر، بل كانت موجة ضخمة من التفكير الجماعي لاعضائه. وبعيدا عن التصريحات والاعلانات المعدة مسبقا والتي تذاع من الشبكات التلفزيونية ليلا، فقد غمرت موجة الخوف من بوش فترات الوجبات منذ الافطار وحتى العشاء والسهرات.

ويحس المرء بوجود بوش هنا في الصور وفي الكلمات. فصورته المتميزة بالرضاء الزائد عن النفس يعلقها اغلب المندوبين وعليها الشعارات التالية: «اوقفوا مرض جنون رعاة البقر» و«لم يقتل شخص عندما كذب بيل» ، «امة وحدتها المراقبة الشخصية» و«اي شخص اخر غير بوش» و«قانون الحمية الجديد: لا تشيني، لا اشكروفت، لا رامسفيلد ولا بوش».

وبالنسبة لحملة كيري وقادتها في الولايات القابلة للتحولات، فإن لتيار الخوف من بوش نتائج مختلطة. فهو قد ساعد على توحيد قاعدة الحزب ولكنه ليس كافيا في حد ذاته لتحقيق النصر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ويقول جيم بيدرسون، رجل الاعمال من فينكس: «كنا نشتهر بمعاركنا الداخلية، وبتمزيق بعضنا بعضنا اربا. لكن شيئا من ذلك لم يحدث العام الحالي. ولكن لو كان الرئيس بوش موحدا للصفوف فاننا لم نكن لنتمكن من امتطاء هذا الحصان. وعلينا ان نساعد السيناتور كيري في تقديم نفسه للمواطنين وطرح رؤيته حول الاتجاه الذي يريد ان يقودنا اليه. ولكن اذا اكتفينا باقامة حملتنا على الخطابية المعادية لبوش فإن ذلك لن يحقق لنا النصر».

* «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»