تل أبيب تقدم موعد انسحابها من غزة واجتماعات سرية فلسطينية ـ إسرائيلية تبحث الترتيبات

TT

في الوقت الذي تواصل فيه قوات الاحتلال الاسرائيلي تصعيد عملياتها الحربية في المناطق الفلسطينية المحتلة، عموماً، وفي قطاع غزة بشكل خاص، اعلن في كل من القدس ورام الله ، امس، ان طواقم اسرائيلية وفلسطينية تجتمع منذ عدة اسابيع في لقاءات سرية لتنسيق النشاط بينهما تمهيداً للانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية. وفاجأ رئيس الطاقم الاسرائيلي لتطبيق خطة الفصل، الجنرال غيورا ايلاند، بالاعلان، امس، عن تقديم موعد الانسحاب من نهاية العام 2005 الى نهاية شهر سبتمبر (ايلول) 2005. واللافت ان الاعلان عن اجتماعات التنسيق الامني تم بمبادرة فلسطينية. وقال امين سر رئاسة الوزراء، د. حسن ابو لبدة، ان هذا التنسيق يستهدف اولا وقف العمليات الحربية الشرسة ضد الفلسطينيين ووقفا كاملا لاطلاق النار، حتى يتسنى لقوات الامن الفلسطينية ان تزاول نشاطها الطبيعي في مناطق سيطرتها وتكون مستعدة لتسلم هذه المناطق بعد انسحاب قوات الاحتلال.

وتبين ان هذه اللقاءات تتم منذ عدة اسابيع ويقودها من الجانب الاسرائيلي، منسق شؤون الحكومة في الضفة الغربية وقطاع غزة، يوسف مشلب (وهو اول ضابط عربي برتبة جنرال في الجيش الاسرائيلي)، ووزير الحكم المحلي في الحكومة الفلسطينية، جميل الطريفي، المسؤول عن ملف الترتيبات المدنية مع الاسرائيليين. وقد عقد الطريفي ومشلب حوالي خمسة لقاءات خلال هذه الفترة. وبالمقابل اجتمع ضباط أمن محليون من الطرفين في عدة مناطق. وقال مشلب ان اسرائيل مستعدة لمساعدة اجهزة الامن الفلسطينية على ضبط الامن والسيطرة على الاوضاع ووقف الفوضى. وتفكر باتجاه ايجابي، في التجاوب مع طلب الفلسطينيين استخدام الاسلحة الخفيفة في عملها. لكن اسرائيل لم تعط ردا نهائيا في الموضوع حتى الآن.

وعلى عكس الموقف الاسرائيلي الرسمي القائل بان الفصل سيكون من جانب واحد وبلا مفاوضات مع الفلسطينيين، اعترف الجنرال مشلب بان التنسيق ضرورة ملحة لا غنى عنها.

ورفض مشلب اعطاء تفسير منطقي لاستمرار التصعيد الحربي الاسرائيلي ضد المناطق الفلسطينية، وكيف يستوي هذا مع تطبيق خطة الفصل والحديث عن بداية انفراج سياسي وتنسيق بين الطرفين. وترك هذا للناطقين بلسان الجيش الذين يعتبرون هذه العمليات جزءا من خطة الفصل: «فالخطة جاءت لكبح جماح الارهاب الفلسطيني. والعمليات الحالية تهدف ايضا لكبح جماح الارهاب وقطع دابره».

ولمح الناطق الى ان هذه العمليات ستستمر، من اجل تصفية اكبر عدد من قادة المقاومة الفلسطينية الميدانية الذين يسمونهم في اسرائيل: «رؤساء اجنحة الارهاب». وكان يعلق بذلك على الاعتقالات التي نفذت امس في نابلس، واعمال الهدم والتدمير التي نفذت في رفح واستمرار الاجتياح في شمال قطاع غزة.

وفي هذه الاثناء، شهدت لجنة الخارجية والامن البرلمانية (في الكنيست الاسرائيلي)، خلافا حادا آخر في الرأي بين رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان)، والجنرال اهرون زئيفي ـ فركش، وبين رئيس المخابرات العامة (الشاباك)، آفي ديختر، حول ما يسمى «تصفية الارهاب». ففي حين قال ديختر للجنة ان العمليات الحربية قادرة على انهاء هذه المهمة، قال فركش ان هذا مجرد وهم ـ «فالعمليات الحربية مفيدة لتقليص العمليات او الحد من انتشارها او تضييق الخناق عليها ومحاصرتها. ولكن الارهاب بئر بلا قاع. لا يمكن القضاء عليه تماما بالوسائل العسكرية وحدها. ويجب عمل ذلك بالوسائل السياسية ايضاً».

واضاف فركش: «نحن نعمل ليل نهار لتدمير براميل البارود هذه. ولكن علينا ان نعترف، بانه كلما دمرنا برميلا، يفتح امامنا برميل آخر. وكلما احتللنا منطقة يطلق منها باتجاهنا صواريخ القسام، ندفع المخربين الى تحسين انتاج الصواريخ لتصبح ذات مدى أبعد».

ويربط المراقبون بين هذه الصورة التي يطرحها رئيس الاستخبارات العسكرية وبين القرار الاسرائيلي الداخلي بتقديم موعد الانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية ثلاثة اشهر. وكما قال رئيس الطاقم، غيورا آيلاند، امس في الكنيست، فان الاستعدادات للانسحاب ستنتهي في مطلع شهر مارس (آذار) المقبل. وحسب تقديرات الحكومة، وعلى الرغم من المقاومة اليمينية المتطرفة، فان اخلاء المستعمرات اليهودية والمواقع العسكرية لا يستغرق اكثر من 6 اشهر. ولهذا، فان تطبيق خطة الفصل سيتم في نهاية سبتمبر (ايلول) 2005 .

لكن هذه الحسابات تتعلق فقط بالجانب العملي للانسحاب والاخلاء، وهو الجانب الذي يقوم بتنفيذه موظفون مدنيون وجنرالات وفرق جيش. ويظل الامر الاساس، هنا بالقرار السياسي الاسرائيلي. والمعروف ان خطة الفصل لم تقر بعد في الحكومة بشكلها النهائي، ولا في الكنيست. وبسبب المعارضة الواسعة في اليمين الاسرائيلي لهذه الخطة بمجملها، يحاول رئيس الوزراء، ارييل شارون، توسيع حكومته ليضم حزب العمل (المؤيد بلا تحفظ للخطة) واحزابا دينية (على امل ان يقنعها خلال مفاوضات الائتلاف بتأييد خطة الفصل او على الاقل الامتناع عن التصويت لدى طرحها على الكنيست بهدف تخفيف المعارضة اليمينية للخطة).

وقد قطعت مفاوضات حزب الليكود شوطا طويلا مع احزاب المعارضة، لكنها ما زالت تواجه عقبات كأداء في طريقها. وحسب رئيس كتلة الليكود في الكنيست، جدعون ساعر، فان الاحزاب الدينية تبدو بعيدة جدا عن الائتلاف لانها ما زالت تطرح مطالب قاسية في القضايا المدنية. وحزب العمل يضع شروطا قاسية في القضايا الاقتصادية ـ الاجتماعية، وهذا بدوره يصعب انجاز اتفاق.

ويذكر ان توسيع الحكومة بات مطلباً جماهيرياً واسعاً في اسرائيل. ففي استطلاع رأي نشرته امس صحيفة «يديعوت احرونوت» قال 84% من المستطلعة آراؤهم انهم يريدون ان يروا الحكومة بتركيبة مختلفة، معظمهم (47%) قال انه يريدها حكومة علمانية (الليكود والعمل وشنوي)، و15% ارادوها حكومة ليكود وعمل وشنوي وحزب اليهود المتدينين الاشكناز يهدوت هتوراه و22% ارادوها حكومة شاملة للعلمانيين والمتدينين (أي اضافة حزب شاس لليهود الشرقيين المتدينين).

واوضح الاستطلاع مرة اخرى ان الجمهور لا يريد انتخابات جديدة. وانه في حالة اجراء هذه الانتخابات فان النتيجة لن تتغير بشكل جوهري عن نتائج الانتخابات الاخيرة.