محمد العماري.. مسيرة جنرال جزائري كسر شوكة المتشددين المسلحين وانهزم في معركة سياسية أمام رئيس البلاد

TT

يمثل الجنرال محمد العماري المستقيل من رئاسة أركان الجيش الجزائري، بالنسبة للمتتبعين فترتين متناقضتين إلى حد ما، في سيرة المؤسسة العسكرية وعلاقتها بالسياسة. فهو يجسد من ناحية عودة قوية للعسكر في صناعة الحدث السياسي وسطوهم على صلاحيات يخولها الدستور لرئيس الدولة ورئيس الوزراء. ويعكس من ناحية أخرى، رغبة ملحة من القيادة العسكرية العليا في تخلص الجيش من صفة «صانع رؤساء الجزائر» والتي ظلت لصيقة به حتى قبل أن تسترجع الجزائر استقلالها عام 1962، حيث كان الصراع محتدما بين قادة الثورة، حول ما عرف آنذاك بـ«أولوية الرجل العسكري (الثوري) على الرجل السياسي». وكان محمد العماري إلى غاية الإعلان عن استقالته، واحدا من ثلاثة ينعتهم الجميع في الجزائر، بصانعي القرار السياسي. والاثنان الآخران، هما الجنرال محمد مدين المدعو توفيق قائد جهاز الاستخبارات العسكرية، واسماعيل العماري مسؤول الاستخبارات. والجنرالات الثلاثة كانوا في قلب الأحداث التي عاشتها الجزائر، منذ توقيف الانتخابات مطلع 1992، حيث تدخل الجيش لوقف زحف الإسلاميين إلى السلطة بزعامة الجبهة الإسلامية للإنقاذ. ولم يكن محمد العماري، قبل تلك الفترة معروفا كثيرا على الصعيد الإعلامي، والشائع عنه، أنه يمثل النخبة العسكرية الفرونكفونية التي تلقت تكوينا عالي المستوى في المدارس الحربية السوفياتية سابقا، والفرنسية لاحقا.

وترأس العماري في نهاية الثمانينات، المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة، وأشرف على وحدات قتالية، وكان عضوا في مكتب العمليات برئاسة الأركان إلى غاية 1988، وبعدها ترأس القيادة العسكرية الخامسة، ثم اصبح قائد القوات البرية، وهي الوظيفة التي فتحت لمن شغلها قبله باب قيادة وزارة الدفاع، مثل الجنرال خالد نزار والجنرال اليمين زروال الذي أصبح رئيسا للجمهورية سنة 1995. وأكثر ما يعرف عن محمد العماري، أنه كان ضمن مجموعة من كبار الضباط، اجتمعوا غداة فوز الجبهة الإسلامية في 26 ديسمبر (كانون الأول) 1991بالدور الأول للانتخابات البرلمانية، في ثكنة بعين النعجة بالضاحية الجنوبية للعاصمة، واتخذوا بقيادة وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، قرارا بإجبار الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة حتى يتوفر مبرر إلغاء نتائج الانتخابات، لأن الجبهة الإسلامية كانت متجهة إلى دور ثان ستحقق فيه لا محالة فوزا كاسحا. وقدم الرئيس الشاذلي استقالته في 11 يناير (كانون الثاني) 1992 على الهواء مباشرة عبر التلفاز، وسمي هذا الحدث بـ«حركة 11يناير». وقد كان الضباط مدعومين في خطوتهم، بقطاع واسع من المجتمع المدني المشكل من العلمانيين والذي عبر عن رفضه «قيام دولة على الطريقة الأفغانية أو الإيرانية». ونتج عن تدخل الجيش لإيقاف المسار الانتخابي، ضغوط دولية كبيرة، حيث أعادت أكبر العواصم الغربية مراجعة موقفها من «الديمقراطية الناشئة في الجزائر»، وعاشت البلاد عزلة دولية كبيرة وصفها وزير الخارجية عبد العزيز بلخادم يوما بقوله: «لقد كنا كالبعير الأجرب، لا يأتي إلينا أحد ولا يدعونا أحد!». وبعد ظهور أول جماعات اصولية مسلحة، كرد فعل على ما سمته «انقلابا عسكريا على إرادة الشعب»، تميز العماري بقيادة كتيبة قوامها 15 ألف جندي، مهمتها القضاء على الجماعات المسلحة في مهدها، وفتحت له هذه المهمة الباب واسعا لرئاسة الأركان في يوليو (تموز) 1993. وظل العماري يقود رفقة أبرز الضباط، ما سمي «السياسة الأمنية المتشددة ضد الجماعات الأصولية»، وكان أحد صانعي القرار الذين وقع اختيارهم على عبد العزيز بوتفليقة ليصبح رئيسا للبلاد في أبريل (نيسان) 1999. ومن المفارقات أن العماري تحول إلى أشد المعارضين لبقاء بوتفليقة في الحكم، وعبر عن ذلك بتصريحات من دون أن يظهر اسمه، لصحف معادية لبوتفليقة. وفي عام 2003، قال لمجلة سياسية فرنسية: «سيقبل الجيش بأي رئيس حتى لو كان عبد الله جاب الله»، والأخير كان مرشحا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لكن رغبة العماري لم تتحقق، إذ فاز بوتفليقة بولاية ثانية، لذلك فإن رحيله من قيادة الأركان وربما من الجيش نهائيا، يعد في نظر الملاحظين نتيجة طبيعية لمرحلة ما بعد الانتخابات.