المسؤولون الأفغان والأميركيون يشكون من ازدواج المعيار الباكستاني تجاه طالبان والقاعدة

TT

ظل المسؤولون الافغان والاميركيون يجأرون بالشكوى خلال الاشهر القليلة الماضية من تناقض الموقف الباكستاني: فمع ان باكستان تشارك في الحرب ضد القاعدة، فإن الجماعات الاسلامية تدرب كثيرا من العناصر داخل معسكرات باكستانية وترسلها الى داخل افغانستان لتشارك في القتال ضد القوات الاميركية والافغانية، على حد قول اولئك المسؤولين.

وقد رفض المسؤولون الباكستانيون هذه الاتهامات وقالوا انهم لا يعرفون شيئا عن هذه المعسكرات. لكن الحكومة الافغانية قدمت شابا باكستانيا اعتقلته قبل ثلاثة اشهر وهو يقاتل في صفوف حركة طالبان بجنوب افغانستان، ادلى باعترافات تدعم الاتهامات التي وجهها الافغان الى باكستان.

وقال هذا السجين، 17 سنة، ويدعى محمد سهيل، انه من مدينة كراتشي الساحلية الباكستانية. وهو محتجز حاليا لدى السلطات الافغانية بكابل. وقد قال في مقابلة معه اواخر يوليو (تموز) الماضي في حضور عدد من حراس السجن، ان باكستان تسمح لكثير من المجموعات بتدريب اعضائها ثم ترسلهم للقتال في افغانستان.

وقال سهيل انه يأمل ان يؤدي ما صرح به الى اطلاق سراحه. وقال انه جند من المسجد من قبل مجموعة مصنفة كمجموعة ارهابية لدى الولايات المتحدة، مضيفا ان تلك المجموعة دربته في موقع بالقرب من العاصمة اسلام اباد، وارسلته مع مجموعة من المقاتلين الى افغانستان.

ومع ان سهيل لم يكشف عن كل المعلومات التي ادلى بها للسلطات اثناء التحقيق معه، فقد تحدث بيسر عن المجموعة التي ينتمي اليها وقادتها. وقال ان هؤلاء لديهم علاقات على اعلى المستويات داخل السلطة الباكستانية. وقال ان «جماعة الانصار» هي التي دربته خلال الاشهر الثمانية الماضية و«جماعة الانصار» هو الاسم الجديد لـ«حركة المجاهدين» التي تصنفها وزارة الخارجية الاميركية كحركة ارهابية والتي حظرها الرئيس الباكستاني برويز مشرف عام 2002. وهي تعمل تحت الاسم الجديد، بحذر اكثر، وبما يشبه السرية ولكن زعيمها، فضل الرحمن خليل، يتحرك بحرية كاملة.

وقد ظل خليل يعمل في تجنيد المقاتلين منذ الثمانينات. وعام 1998 قصفت الطائرات الاميركية المعسكر الذي كانت تقيم فيه قواته بافغانستان اثناء حملة القصف التي وجههتها ضد اسامة بن لادن، بعد تفجير السفارتين الاميركيتين في شرق افريقيا. وقد ادت تلك الغارات الى قتل عدد من الباكستانيين وتعهد خليل بالثأر لهم.

ومن «الاسرار المكشوفة» في باكستان ان الجماعات التي تقاتل من اجل انفصال كشمير عن الهند لم توقف نشاطاتها رغم التصريحات الرسمية التي توحي بالعكس. فقد ظلت تلك التنظيمات تدرب عناصرها وترسلهم الى كشمير للقتال ضد القوات الهندية هناك. وقال مساعد وزير الخارجية الاميركي رتشارد ارميتاج، خلال زيارة قام بها الى المنطقة الشهر الماضي، ان باكستان «لم تفكك كل المعسكرات التي تدرب المقاتلين من اجل انفصال كشمير». ومع انه اثنى على جهود باكستان في محاربة القاعدة، فقد حث زعماء البلاد على بذل مزيد من الجهد حتى لا تنفذ اي هجمات انطلاقا من اراضيها.

ولم يكن سهيل هو الباكستاني الوحيد الذي يلقى القبض عليه وهو يقاتل في صفوف طالبان وغيرها من المنظمات الافغانية خلال العامين الفائتين. ففي مناسبة واحدة على الاقل سلم المقاتلون الباكستانيون الذين يقبض عليهم وهم يقاتلون في صفوف طالبان، الى بلدهم. لكن سهيل هو الاول الذي تسمح له الحكومة الافغانية بإجراء مقابلات صحافية.

وقال مسؤولو الاستخبارات انهم وجدوا معه بطاقة عضوية جماعة الانصار وقائمة بأرقام هواتف تخص كبار قادة الجماعة. وقال مسؤول باكستاني، سئل مؤخرا عن سهيل، انه «حالة منعزلة»، وانكر ان المقاتلين المتطرفين الباكستانيين يشاركون في القتال في افغانستان.

وقال السفير الباكستاني بكابل، رستم شاه محمد، انه يعتقد ان جماعة الانصار قد حلت. واضاف قائلا: « ليس هناك غموض في سياستنا. فالحكومة لا تدعم، ولا تخلق، ولا هي واعية بوجود معسكرات للتدريب. واذا نما الى علمهم اي شيء عن وجود هذه المعسكرات فانهم سيذهبون الى هناك ويزيلونها».

وكان السفير الاميركي الى افغانستان، زلماي خليل زاد، قد صرح علنا بأن باكستان «لم تفعل ما يكفي لمنع طالبان وغيرها من المنظمات الارهابية من استغلال المناطق الحدودية كقواعد للتدريب والانطلاق». وقد حذر في خطاب القاه في واشنطن في ابريل (نيسان) الماضي من ان باكستان «اذا فشلت في القيام بالعمليات الحدودية فإن القوات الاميركية ستنفذها بنفسها» وكانت باكستان قد دعمت طالبان، في محاولة لخلق منطقة خلفية يمكن ان تنسحب اليها القوات الباكستانية في حالة نشوب الحرب مع عدوتها التقليدية الى الشرق، اي الهند. كما ظلت اسلام اباد تحاول لمدة طويلة الحفاظ على نفوذها في اكبر تجمع عرقي افغاني وهو قبيلة البشتون، وذلك تجنبا للمتاعب التي يسببها لها البشتون المحليون في المناطق الحدودية من باكستان.

وربما كان موقف باكستان ناتجا من ان الرئيس مشرف يخشى انه اذا هاجم طالبان فسيواجه، لا محالة، برد فعل عنيف من تحالف الاحزاب الاسلامية الذي يمثل ثالث اكبر قوة سياسية في برلمان البلاد. ويقول الدبلوماسيون الغربيون الذين يقدمون هذا التحليل، ان المسؤولين الباكستانيين يخشون ان القوات الاميركية ستنسحب في حالة القبض على بن لادن، مما يجعلها تقف منفردة امام تلك الجماعات.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»