أحمد ماهر ينتقد في أصيلة الدعوات التي تبالغ في تحميل أوروبا أخطاء العالم العربي

TT

فيما كانت ندوة «اوروبا الموسعة والتعاون المتوسطي» في أصيلة تشرف على نهايتها بعد جلسة استمرت حوالي 5 ساعات، دخل قاعة الندوات بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، احمد ماهر، وزير الخارجية المصري السابق، واخذ مكانه بين الجمهور.

استمع الوزير ماهر بانتباه الى من تبقى من المتدخلين، واستطاع في ظرف نصف ساعة ان يمسك بالخيوط الاساسية التي تمحورت حولها المداخلات، فحركت فيه الرغبة في تناول الكلمة، لا سيما أنه لاحظ ان بعض المتدخلين يلومون اوروبا اكثر من اللازم على اسلوب تعاطيها وتعاملها مع الدول العربية عموما بما فيها تلك المعنية مباشرة بمسلسل برشلونة.

تحدث ماهر، بصوت هادئ، وكأنه يناشد المتدخلين المنتقدين لاوروبا ان يراجعوا آراءهم ويلطفوا من حدة شكواهم قائلا «ان العالم العربي يواجه حاليا وضعية صعبة سواء في العراق او في فلسطين، وتتصدى لنا قوة لا نفهمها، وبالتالي يتحتم علينا البحث عن حليف، واوروبا هي الاقرب الينا في الوضع الراهن، وهذه ليست نظرة مثالية».

وانتقد ماهر، بلباقة، الدعوات التي تبالغ في تحميل اوروبا اخطاء العالم العربي قائلا: «اننا مسؤولون عن الجهل بنا، ومن هنا، فان الحوار كيفما كان اسمه وشكله، مطلوب وضروري لنعمل على زيادة الفهم»، مضيفا ان العلاقات مع اوروبا أساسية ويمكن ان نستعين بها في المواقف الصعبة، ومؤكدا بنبرة حازمة: «اقول وأدعي ان نواياها (اوروبا) افضل من غيرها كما انها الاقدر على فهمنا»، مستنتجا ان الاوروبيين ليسوا شياطين ولا ملائكة، ولا أعتقد ان اوروبا تريد ان تفرقنا.

وبنفس الروح المتفائلة والمطمئنة تدخل محمد بن عيسى، امين عام مؤسسة منتدى اصيلة، الذي ارتجل بعد ماهر كلمة مقتضبة اوضح في مستهلها ان العلاقات الانسانية بمفهومها الشامل لا تنتهي ابدا، وما استمعنا اليه في هذه الندوة يوجد ما يماثله في اوروبا، يتداولون نفس القضايا التي لا يمكن الحسم فيها في ندوة، اعتبر بن عيسى انها ساهمت في رفع الستار عن المشكلة، وهو نصف الحل. وكانت الجلسة الاخيرة التي أدارها الصحافي غسان عبد الخالق، قد وضعت سؤالا: هل يمكن لاوروبا ان تمتد جنوبا مثلما توسعت شرقا؟ اجاب عنه المتدخلون كل من وجهة نظره وتجربته ومعايشته للموضوع، وانشغاله به ودرجة متابعته. وهكذا سارت المداخلات في 3 اتجاهات متقاطعة احيانا ومتباعدة في احيان قليلة. اتجاه، منتقد لاوروبا التي فرطت في جيرانها، وآخر مبرر للسياسات الاوروبية، حاول ان يضعها في سياقها التاريخي، ويحللها على ضوء الاكراهات التي واجهتها دول القارة وهي تضع لبنات الوحدة قبل اكثر من نصف قرن، او هي تمضي قدما في البناء والتوسع. اما التيار الثالث اذا صح التعبير، فيمثله متدخلون حرصوا على تخطي مشاكل الحاضر واستشراف المستقبل. كان اول المتدخلين الباحث المغربي فؤاد عمور، الذي لاحظ ان «الفضاء المتوسطي» عرف تحولات مهمة في السنوات الاخيرة، وانضافت مشاكل جديدة الى القديمة وتغيرت معايير الحكم على الدول والمجتمعات واصبحت المؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى مثل البنك العالمي هي المرجعية الفكرية للحكم، فانتقلت مفاهيم من قبل الشفافية، والمردودية وحسن التدبير واشراك المواطنين في القرار.. من الحقل الدلالي الاقتصادي الى المجال السياسي، وتبدلت قواعد الحكم على دول وانظمة، مما كان له الاثر في تعثر مسلسل برشلونة، الذي أرجعه الباحث ايضا الى تباين وجهات النظر في اوروبا نفسها وعدم تجانسها.

وبعد ان استعرض عمور، مبادرات التوحيد الثلاثة: مبادرة الجامعة العربية، التي اعتبرها شكلية ومجرد مشاريع، ومبادرة الشراكة الاورومتوسطية، التي تنقصها في نظره الشجاعة والجرأة، معتبرا الاقتصاد نقطة ضعفها، بمعنى ان المبادرة روجت لمنطقة التبادل الحر في افق التكتل وأهملت العناية بالاوضاع الاقتصادية في دول جنوب المتوسط. اما المبادرة الثالثة فهي تلك التي تبنتها الولايات المتحدة (الشرق الاوسط الكبير)، وهي مرفوضة من قبل الديموقراطيين الحداثيين، بسبب تداخلها مع الصراع العربي ـ الاسرائيلي.

وعن تساؤل: «هل يوجد تناقض او تكامل بين المبادرات الثلاثة؟»، اجاب الباحث المغربي انه يمكن الوصول الى اتفاق عربي حول الموضوع، آخذا بعين الاعتبار العراقيل والاوضاع الاستراتيجية الجديدة.

وتشككت فلورنس كونتنز النائبة الفرنسية بالبرلمان الاوروبي، في قدرة اوروبا الموسعة على التواصل والتعاون بسهولة مع الطرف العربي، لأن الاختيارات والاولويات السياسية في الاطار الجديد تغيرت وانتقل مركز الثقل في اوروبا نحو الشرق، بعد ان ظل مدة بين فرنسا والمانيا، مشيرة الى ان دول من بينها اسبانيا تفضل العودة الى الاطار التقليدي (اي الحوار العربي الاوروبي) في التعامل مع العالم العربي، بدل تجزيئه الى مجموعات وكيانات. واستنتجت النائبة الاوروبية انه لدفع مسار برشلونة، على الطرف العربي ان يبحث عن تحالفات جديدة، مبرزة ان سياسة الجوار، لم تكن سهلة لا في الماضي ولا في الحاضر.

ولاحظ الباحث الفلسطيني بشارة خضر تباين الحساسيات والمواقف عند الجانبين الاوروبي والعربي، كما ان الشراكة لا تثير كثيرا من الحماس عند الاوروبيين، لكنهم لا يطعنون فيها، وفي فوائدها، مضيفا ان استمرار الشراكة ليست مفتاح النجاح، طالبا من اوروبا ان تعمل على تشجيع التكامل العربي بدل سياسة التجزيء بطريقة عشوائية (شرق، غرب، المتوسط، البلدان العربية، تركيا...).

واعرب بشارة عن اقتناعه ان في صالح الاوروبيين مساعدة العرب على اكمال وحدتهم، فالعرب في مجملهم رغم كل شيء متعطشون الى الوحدة، كما ان صراعات الوطن العربي لم تسفر عن سفك الدماء كما حدث في اوروبا.

وبحث احمد أونيس، سفير تونسي سابق عن امكانات التقارب بين الجانبين في اطار علاقة مستقبلية مستدامة، تتجاوز الفترة الانتقالية المضطربة. وحدد المتدخل اربعة مجالات مساعدة على التقارب: اولها النظرة الموحدة الى العنف والتمييز بين المقاومة والارهاب، فيما ينحصر المجال الثاني في ما سماه احترام الحقيقة، اما الامر الثالث فهو الاتفاق على بناء حيز مهيكل في اطار دولي متناسق، والشرط الرابع هو تأهيل المجتمع العربي.

وتعرض الباحث الفرنسي، ايمريك شوبراد، للعراقيل التي يجب على اوروبا، في نظره، تذليلها لتفعيل الشراكة، وللانتقال من مجرد منطقة التبادل الحر الى فرض القوة المبنية على قيم، ومن بين تلك العراقيل العلاقة القائمة بين اسرائيل واميركا، والتناقض الموجود بينها وبين الصين، وبروز ظواهر العنف والارهاب والاجرام المنظم، ومشاكل البيئة وهيمنة الشركات المتعددة الجنسيات، مما يستوجب في رأيه التعاون وفرض الذات. واستحضر الباحث لوحة الوضع الاوروبي الذي يناقش بدوره قضايا مثل الهوية او الذات الاوروبية هل لها حيز مكاني وحدود جغرافية، ام انها فكرة فلسفية ممتدة عبر التاريخ، ملاحظا ان الاتحاد الاوروبي مكون من امم لها تاريخها وثقافتها وتقاليدها المميزة لها. وانطلاقا من هذا المعطى يجب النظر الى الجاليات العربية والاسلامية كمواطنين مندمجين، بدل تحويلهم الى قوة معادية لأوروبا، مشيرا الى الخطر الديموغرافي الذي يتهدد هذه الاخيرة على المدى المتوسط.

وختم الباحث مداخلته بدعوة اوروبا الى الانفتاح على جميع الدول المتوسطية، باستثناء اسرائيل، ما لم توجد دولة فلسطينية مستقلة، وعلى الولايات المتحدة ان تدرك اين توجد مصالحها الحقيقية على المدى الطويل. وتخوف السفير محمد جمال بيومي (مصر) من ان يؤدي التوسع الاوروبي الى صعوبات في اتخاذ القرار، مما سيعطل الدينامية. كما ان المفوضية الاوروبية تحولت في نظره الى «ديناصور» بيروقراطي، يخالف في التنفيذ، قرارات الدول، الامر الذي ينعكس سلبا على الاطراف المتعاملة مع الاتحاد الاوروبي. وتوقف الباحث عند اختلاف مفاهيم حقوق الانسان والديمقراطية عند الطرفين، واعتبر ذلك صعوبة او عرقلة اخرى.

وناقش، الفارو فاسونسيلوس، رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية بلشبونة، العلاقة القائمة او المفترضة بين الاصلاحات السياسية والقضية الفلسطينية على اعتبار انها في طليعة الاهتمامات.

وبعد ان اكد ان الامر يتعلق بالمشروعية الدولية والقومية، عبر عن اعتقاده ان الفصل بين المسألتين ممكن نظريا، مقرا بوجود تأثير سلبي للقضية الفلسطينية على مسار المسلسل الاورو متوسطي.

ومن جانبه، انتقد جورج قرم الوزير اللبناني السابق، اهمال الجانب الاقتصادي في موضوع الندوة وعدم إثارته بعمق، ملاحظا ان اوروبا ساكتة عن الاموال المودعة في الولايات المتحدة، والتي تحرك اقتصادها وتغطي عجزها، وذكر المتدخل بالنداء الذي اطلقه الجنرال ديغول في وقت حينما طالب بالعودة الى الذهب كعملة للتسديد، مشيرا كذلك الى تحويلات الاموال من دول آسيوية مودعة في شكل سندات الخزينة الاميركية.

وفي مقابل ذلك، يرى السفير بيومي ان الشح الاوروبي لا نظير له في تعامله مع العلم العربي.

وكان باحثون ومفكرون ودبلوماسيون، قد تناوبوا اول من امس على اكمال الصورة السياسية التي طبعت عرضي بن عيسى وميغل انخل موراتينوس وزير خارجية اسبانيا، في مقدمتهم السفير محمد جمال بيومي مستشار الامين العام لجامعة الدول العربية، الذي لاحظ ان توسع اوروبا يتم في ظروف استثنائية مقلقة للعالم العربي، وقال ان المشكلة ان الاوروبيين يتحاورون مع العرب كجماعات متفرقة وليس ككيان موحد.

ونادى السفير بيومي بالعودة الى أسس الحوار العربي ـ الاوروبي (1974 ـ1979) وتجديدها، معترفا ان ذلك يتطلب وفاقا قوميا بين العرب فيما يخص قضاياتهم.

وعرض الباحث جورج قرم، الوزير اللبناني الاسبق، 3 اسئلة مرتبطة بعلاقات الدول المتوسطية والعربية بالاتحاد الاوروبي، اولها: كيف نتصرف حيال النفوذ المتصاعد للولايات المتحدة واسرائيل في المنطقة العربية والذي يقارنه المتدخل بالسلطة العثمانية الجديدة، فتلك القوة تعتقد انها المؤهلة لتنميط المنطقة.

ويدور السؤال الثاني حول النظرة الاقتصادية الاوروبية لمستقبل اوروبا نفسها ودول الجوار، وهل تستمر أوروبا في تبني سياسة اقتصادية ليبرالية اكثر من اميركا نفسها، مشيرا الى ان معدلات النمو في دول جنوب المتوسط ضعيفة في حدود اقل من 3%، وهل يتوخى اتفاق التبادل، رؤية اقتصادية شاملة؟

واعتبر قرم هجرة الادمغة من الجنوب نحو اوروبا تدهورا مستمرا للانتاج العام، متسائلا عن نجاعة الوسائل والآليات المعتمدة من لدن الاتحاد الاوروبي في المجال الاقتصادي، وهل تقبل اوروبا التحديد الاميركي للارهاب الذي يشمل في نظرها اشكال المقاومة.

واثار حسن نافعة، مدير العلوم السياسية بجامعة القاهرة مسألة الهوية الثقافية لأوروبا التي يعتبرها بعض الاوروبيين تكتلا مسيحيا خالصا، ملاحظا وجود مفارقة، فأوروبا التي ترفع شعارات الليبرالية وتقبل التنوع في اطار الوحدة، هي في نفس الوقت منغلقة ثقافيا.

واستدل الباحث بالخلاصات التي انتهى اليها وهو يدرس موضوع الوحدة الاوروبية في كتاب صدر له اخيرا، حيث لاحظ وجود جوانب كثيرة التعقيد، «إذ أننا أمام شكل سياسي يتغير باستمرار، ومفتوح على احتمالات كثيرة مثل الفدرالية او الكونفدرالية، مثلما انها (اوروبا) تسير بسرعات متفاوتة». وأنهى نافعة مداخلته بالدعوة لكي ينظر العرب في ذاتهم حتى يحددوا من هم، بينما يعمل الاتحاد الاوروبي كقوة عالمية في مواجهة دول عربية منقسمة على ذاتها.

واعتبر أوجين روكت، مدير مركز الشرق الاوسط بجامعة اوكسفورد، الظروف الحالية مواتية للإصلاحات في دول حوض المتوسط، معتقدا ان مشكلة «اوروبا» يكمن في ان اتحادها سيكون مختلفا عما كان عليه من قبل، داعيا الى استفادة متبادلة بين دول جنوب المتوسط واوروبا ودفع مسار برشلونة الى الامام.

وتساءل الفارو فاسونسيلوس، رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية في لشبونة، عما اذا كان يوجد بديل لاتفاق برشلونة، معربا عن القلق من استمرار المشاكل التي كانت قائمة في الثمانينيات، مسجلا ان هدف اوروبا من مسلسل برشلونة فلسفي، ويتمثل في نقل الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان الى دول جنوب المتوسط من دون انضمام اعضائه الى الكيان الاوروبي، مضيفا «اننا نوجد امام طريق مسدود لأن نقل تلك القيم اصطدم بمشكلة الشرق الاوسط».

ويعتقد الباحث البرتغالي ان الاستمرار على الحالة الراهنة تهديد لأوروبا نفسها، وبالتالي فلا بد من تقديم امتيازات لدول جنوب المتوسط، لأن الفضاء المشترك يعني حرية في كل شيء، كما يجب على اوروبا رسم سياسة لدعم الاصلاحات في دول الجنوب، التي يمكن ان تتم من دون فرض أو وصاية.