موظفو شركات نقل يروون تجربتهم مع الاختطاف في العراق

إداري عراقي: اللصوص و«المقاتلون من أجل الحرية» شيء واحد وهم يعرفون بعضهم البعض

TT

قبل حلول فجر السادس والعشرين من يوليو انطلق طابور من شاحنات نقل البضائع من عمان في رحلة تمتد 700 ميل إلى بغداد، وكان ستة سواق أردنيين قدامى على كل شاحنة وفي كل من العربات كانت هناك كميات كبيرة من البيض الموضوع في مقطورات مبردة.

وعند غسق الأربعاء الماضي توقف باص صغير أسود في مرآب مترب بالعاصمة العراقية وفي داخله كان هناك عدد من موظفي السفارة الأردنية يرافقون أربعة من أولئك السواق. وبدا هؤلاء في حالة انفعال لكنهم في صحة جيدة بعد مضي أسبوع على اختطافهم من قبل مجموعة من الرجال في مدينة الفلوجة المضطربة التي تقع إلى غربي بغداد بمسافة تبلغ حوالي 35 ميلا.

في الفترة الواقعة بين الحادثين جرت قصة غامضة لكنها تكشف عن الاتفاقات الوحشية التي تضرب اليوم في عراق ما بعد الحرب، حيث الخط الرابط بين عصابات الإجرام والمتمردين غالبا ما يكون عسيرا على التمييز، وغالبا ما يكون الخصوم يعرف بعضهم البعض وفي هذا الوضع يمكن أن تلعب النقود والأيديولوجيا والقوة والدبلوماسية دورا في اختطاف وإطلاق الرهائن.

حينما تعرضت القافلة الأردنية إلى الكمين لم تكن هناك أي وسيلة أمام السائقين تجعلهم يعرفون من هو وراء الهجوم وليس هناك أي سبب يجعلهم يظنون أن الخاطفين على استعداد لإظهار أي قدر من الرحمة يزيد عما يمكن أن يظهره المتطرفون الاصوليون على شاشة التلفزيون.

قال فائز أحمد مسعود، 46 سنة، أحد السواق الذين تعرضوا للكمين «كانت هناك 4 سيارات مملوءة بمسلحين حيث راحوا يطاردوننا. أطلقوا النار على عجلات سيارتي ونوافذها سعيا منهم لإيقافي». أشار إلى ثقبين في مقصورة شاحنته نتيجة لإطلاق الرصاص، حيث وقعا فوق قلب مرسوم على سطح المقصورة بمسافة قصيرة. «حينما قللت من سرعة سيارتي قاموا بتحطيم زجاج المقصورة ببنادقهم وحاولوا سحبي إلى الخارج. لكنني أسرعت في الحركة ونجحت في الهروب».

لم يكن السواق الآخرون مثل مسعود في جرأته إذ تمت مصادرة شاحناتهم وأخِذوا رهائن. لكن واحدا منهم يدعى وائل حلمي، 54 سنة، قال إنه أُطلق بعد ثلاثة أيام لأن الخاطفين احترموا سنّه ولأنه تمكن من إقناعهم بأنه لا يقوم بأي عمل له علاقة بتجهيز الأميركيين بالسلع داخل العراق. وقال حليم «لقد عاملوني كأني أبوهم. وقالوا إنهم يعتبرونني ضيفا عندهم».

وخلال تلك الأيام أعلنت جماعة تسمي نفسها بفرقة الموت أنها تحتجز أردنيين للضغط على شركتهم كي توقف التعاون مع القوات الأميركية في العراق لكن العديد من الأردنيين الذين كانوا طرفا بما جرى قالوا إن الخاطفين يعرفون أن السواق لا يحملون في سياراتهم سوى سلع موجهة للعراقيين فقط.

وقال إداري عراقي يعمل لصالح شركة نقل أردنية تشغّل عددا من السواق الذين تعرضوا للكمين إن الأخيرين عبروا عن شكوك قوية بدوافع الخاطفين ولم يرهم سوى رهط من البلطجية المجرمين. وقال إنهم طلبوا مبلغ 10 آلاف دولار لإعادة الشاحنات التي تبلغ قيمة كل منها حوالي 60 ألف دولار. وقال هذا المسؤول «بالنسبة لي اللصوص و«المقاتلون من أجل الحرية» هم شيء واحد. إنهم يعرفون بعضهم البعض».

في ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء الماضي بدأ الشيخ إبراهيم محمد جاسم، أحد الوجوه العشائرية المتقدمة في السن بالفلوجة، بالتفاوض لإطلاق سراح سواق الشاحنات. وقال لوكالات الأنباء لاحقا إن فريقا من «مقاتلي المقاومة» قد تم إرسالهم إلى بيت الخاطفين لتحرير الرهائن. لكن الغارة تم تنفيذها بدون إطلاق أي رصاصة ولم يتم اعتقال الخاطفين. وقضى سواق الشاحنات الأردنيون الليل في بيت جاسم ثم تم اصطحابهم إلى السفارة الأردنية في بغداد يوم الأربعاء الماضي على يد مسؤولين أردنيين.

وعن ظروف إطلاق الرهائن قال محمد تحسين، شقيق سائق محتجز، ظل يتنقل بين بغداد والفلوجة لضمان إنقاذ أخيه، إنه التقى مع رؤساء العشائر وتم شد عينيه كي لا يتمكن من مشاهدة الرهائن الذين أخبروه أنهم لاقوا معاملة حسنة. وقال إنه التقى برئيس العصابة الخاطفة الذي ظل يعد كل يوم بإطلاق الرهائن لكنه ظل يقدم طلبات جديدة. وأضاف واصفا رئيس العصابة «كان يرتدي ملابس عادية ولم يكن معه أي سلاح ولم أر أي عتاد في البيت.. ووعدني شيوخ العشائر أنه لن يلحق أي أذى بالرهائن وأن الخاطف أخبرني بألا أقلق، فهم محتجزون فقط لأسباب سياسية».

وقال أحد السواق الذين تعرضوا للاختطاف بعد وصولهم إلى السفارة الأردنية «في زمن صدام كانت هناك 1500 شاحنة تقوم بالرحلة يوميا. الآن هناك أقل من 10 شاحنات، تقريبا ليست هناك أي تجارة الآن... نحن لا نمتلك أي سبب كي نكون خائفين لأننا أردنيون ونحن نعمل فقط لمساعدة الشعب العراقي لا الأميركيين. رغم كل ذلك فإنه من الأفضل لنا أن نوقف رحلاتنا لفترة».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»