الجزائر: عائلات المفقودين ترفض «محاولة شراء صمتها بالتعويضات» والسلطات المعنية تؤكد عدم نيتها طي الملف أو إهماله

TT

رفضت أمس عائلات المفقودين في الجزائر التعويضات المالية التي عرضتها السلطات عليها. ووصفت العرض بأنه «محاولة لـشراء صمتنا حول حقنا في معرفة مصير ذوينا المختطفين». وأعرب فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لحماية حقوق الإنسان، التابعة لرئاسة الجمهورية، عن استغرابه موقف العائلات. وقال: «نريد المساعدة فقط، وليست لدينا نية طي ملف المفقودين». وكانت اللجنة قد شرعت الأسبوع الماضي في استقبال ذوي المفقودين بمقرها بالعاصمة وعرضت عليهم استمارة عليها عبارة: «هل توافق على مساعدة مالية كتعويض على فقدان الزوج أو الأخ أو الولد؟». وحدد قسنطيني المبلغ المالي وفقا لمستوى معيشة عائلات المفقودين. فالمرأة التي فقدت زوجها وأطفالها تستفيد بقيمة مالية أكبر من الأم التي فقدت ولدا كان عاطلا عن العمل. واقترحت اللجنة مبالغ تتراوح بين 10 آلاف و18 ألف دولار. ووعدت بعض العائلات المعوزة بمنحة تقدم لها شهريا تقدر بحوالي 80 دولارا. ويقود قسنطيني «آلية خاصة بالبحث عن المفقودين»، أنشأها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في شهر سبتمبر (أيلول) 2003، على أن ترفع تقريرا له عن عملها خلال 18 شهرا. وقالت مصادر رسمية لـ«الشرق الأوسط» إن الآلية الخاصة انتهت إلى حقيقة، مفادها أن العثور على المفقودين أمر مستحيل، وبالتالي ليس أمامها سوى «تقديم تعويضات للعائلات». وذكر قسنطيني أنه لا يعرف «لماذا ترفض أسر المفقودين التعويضات، وتصر على أن ذلك يعكس رغبة مني في طي ملف المفقودين أو أنني أريد إنهاء أعمال البحث عنهم أو أرفض أي إجراء يقود إلى محاكمة المتسببين في الاختفاءات القسرية». ويرى أن هناك «أطرافا تستغل العائلات فتدفعها إلى القول إنني أسعى لتقديم رشوة نظير نسيان المفقودين، وهذا غير صحيح طبعا».

وكان قسنطيني قد تعرض لانتقادات شديدة من جانب علي يحيى عبد النور رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، حيث اتهمه بـ«بيع قضية المفقودين في المزاد العلني». ووصفه بأنه «يلوث حقوق الإنسان في الجزائر».

ورد قسنطيني على اتهام عبد النور بالضلوع في اختطاف أكثر من سبعة آلاف شخص، قائلا: «هات ما عندك من أدلة تثبت اتهاماتك». وقد نشبت بين الرجلين اللذين يمثلان مقاربتين متناقضتين لأوضاع حقوق الإنسان في الجزائر، حرب إعلامية. من ناحيتها، أوضحت ليلى إيغيل رئيسة جمعية عائلات المفقودين لـ«الشرق الأوسط» أنها لن تسكت عما اعتبرته «محاولة السلطات طي الملف» وأعلنت عزمها نشر قائمة المفقودين مع أدق التفاصيل حول أسباب الاختفاءات القسرية، ومتى تمت ومن يقف وراءها؟

وأشارت إلى أنه «لا يخامر ذوي المفقودين شك في أن قوات الأمن اختطفت أبناءهم في فترة بلغت فيها سياسة مكافحة الإرهاب ذروتها (منتصف التسعينات)». ويتوقع المراقبون تصاعد حدة تداول ملف المفقودين في الأيام القادمة في سياق تتابع أخبار العثور على مقابر جماعية . وقالت مصادر رسمية إن «في هذه المقابر رفات مفقودين اختطفتهم الجماعات الأصولية المسلحة».

وكانت السلطات الجزائرية قد اعترفت صيف عام 1998 بوجود مفقودين كانوا ضحايا العنف الذي تعاني منه الجزائر منذ مطلع 1992. ونسبت عمليات الاختطاف إلى الإسلاميين المسلحين.