قوات الاحتلال تجبر فلسطينيين غزة على اقتلاع ارضيات منازلهم خوفا من «الانفاق المفخخة»

TT

كان العرق يتصبب منه، وهو يقتلع البلاط في غرفة نومه. وكلما حاول الاستراحة قليلاً نهره الضابط موبخاً ومطالباً بمواصلة المهمة القاسية على نفسه. وبعد اربع ساعات من العمل المتواصل فرغ محمد،37 عاماً، من اقتلاع آخر بلاطة في ارضية شقته التي لم يمر على انتهائه من تشييدها سوى شهر واحد.

وكما هو الحال دائماً، لم يطلع جنود الاحتلال من عناصر لواء المشاة «جفعاتي»، محمد على السبب الذي حدا بهم إلى اقتحام بيته في الساعة الواحدة والنصف فجراً، وحبس افراد عائلته السبعة في احدى الغرف الصغيرة من الشقة، ومن ثم اجباره على اقتلاع بلاط ارضيتها على هذا النحو. لكن بالنسبة لمحمد الذي لا يبعد منزله سوى اقل من نصف كيلومتر عن مستوطنة كفار داروم الواقعة شرق مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، فقد كان السبب معروفا. فمحمد يعرف أن جيش الاحتلال شرع منذ اقل من شهر في عمليات مماثلة شملت مئات المنازل المتاخمة للمستوطنات ومواقع الجيش خشية أن يقوم عناصر المقاومة في استغلال هذه المنازل في حفر «انفاق اسفل المستوطنات ومواقع الجيش وتفخيخها بالمتفجرات، على غرار العملية التي وقعت قبل شهر ونصف الشهر، واستهدفت مقر قيادة لواء «جفعاتي» في منطقة مقبولة شمال خان يونس جنوب القطاع وشكلت في حينه صدمة قوية للجيش الاسرائيلي. فزع قوات الاحتلال من إمكانية تنفيذ حفر انفاق مماثلة وتنفيذ عمليات بنفس الطريقة، جعلها لا تخاطر، فجميع المنازل التي تقع على بعد كيلومتر من أي مستوطنة، أو أي موقع عسكري داهمها جنود الاحتلال واجبروا اصحابها على اقتلاع ارضياتها خشية ان تستخدم للتغطية على عمليات حفر انفاق مفخخة جديدة. وبادر الكثير من اصحاب المنازل في تلك المناطق الى اقتلاع ارضيات منازلهم من تلقاء انفسهم، أملاً في تقليص فترة وجود قوات الاحتلال اثناء مداهمة منازلهم. واما الاحياء السكنية التي تبعد ثلاثة كيلومترات عن المستوطنات والمواقع العسكرية، فيجري مداهمتها واحتجاز سكانها في الساحات العامة بين الحين والآخر، ويجري تحذيرهم من إمكانية التعاون مع نشطاء المقاومة في تنفيذ عمليات «الأنفاق المفخخة».

وبالنسبة للدفيئات الزراعية والأكشاك التي عادة ما يشيدها المزارعون الفلسطينيون حول آبار المياه في المنطقة، فقد دمرت بشكل مطلق، وتمت تسويتها بالارض.

ويطالب الجنود الذين يتولون مداهمة هذه الاحياء، الاهالي بعدم بيع منازل أو تأجيرها لـ «الغرباء» عن المنطقة، خشية أن يكون الهدف من عملية الشراء او الاستئجار التغطية على حفر النفق. والتهديدات الاسرائيلية صارمة «فكل من يبيع منزله او يؤجره لغريب عن المنطقة، يهدم بيته ويعتقل».

الى جانب كل ذلك يقوم جهاز المخابرات الداخلية بتفعيل العملاء الفلسطينيين الذين يحاولون رصد كل تحرك على مدار الساعة في محيط المستوطنات او المواقع العسكرية. فضلاً عن قيام طائرات «سيرتشير»، من دون طيار بنفس المهمة. وأعلنت قيادة المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال أكثر من مرة أنها تنطلق من افتراض مفاده ان المقاومين الفلسطينيين بامكانهم تفجير كل موقع عسكري بواسطة «الانفاق المفخخة». والذي اعطى نوعا من الصدقية لهذه المخاوف، هو حقيقة نجاح جيش الاحتلال، قبل اسبوعين في اكتشاف نفق كبير حفره الفلسطينيون باتجاه مستوطنة نيتساريم جنوب مدينة غزة. ولم يساور قوات الاحتلال أي شك في ان المقاومين الفلسطينيين كانوا ينوون المس بالموقع العسكري الكبير الذي يقع غرب المستوطنة، ويتمركز فيه عناصر كتيبة «شمشون»، المستعربة.