شاهد عيان ينقل مشاهد من الموت والجحيم عند بحر النجف

TT

«الخارج منها مولود والداخل إليها مفقود». هكذا بدأ حسن المشهداني حكايته معنا وهو يروي تفاصيل ما يحدث في مدينة النجف الأشرف التي أصبحت بين فكي الرصاص، رصاص أجنبي يحمل هوية أميركية ورصاص «جماعة الستريلا» كما يحلوا لأبناء النجف ان يطلقوا على الجماعات التي يحمل عناصرها صواريخ «الستريلا» على أكتافهم وهم يوجهونها نحو الطائرات والدبابات والآليات الأميركية.

سنستعين بعين حسن المشهداني لننقل ما يجري في النجف.

المدينة شبه خاوية، تبدو وكأنها مدينة أشباح على الرغم من أصوات الرصاص المتفرق والمزدحم في بحر النجف حيث تتمركز القوات الأميركية بكامل عدتها وعددها وكأنها ستخوض معركة على نطاق واسع.

عند بداية منطقة أبو صخير باتجاه خان النص بين كربلاء والنجف ترتفع أصوات الرصاص، وعلى جانبي الطريق تراق الدماء، ولكن دماء من؟ لا احد يعرف الهوية كما يقول أبناء المدينة.. الجثث تسكن على الأرض حتى يهدأ القتال ساعات قليلة لتخلى ويتجدد امتلاء الشارع بجثث اخرى! الطائرات تقصف و «جماعة الستريلا» توجه قاذفاتها نحو الجو، والمدينة تصفر حيث لا مارة في شوارعها.

«جيش المهدي» يسيطر على الشوارع التي تطوقها القوات الأميركية من الخارج ولكن لا احد يتنازل من اجل طفل او امرأة او شيخ كسيح.. المستشفيات تطالب بالمساعدة وأسعار المواد الغذائية في ارتفاع مهول بعد أن أغلقت جميع المحال التجارية وصار مصدر التموين الأوحد للمدينة المناطق الريفية القريبة التي لا يصل اليها احد إلا بشق الأنفس.

بالقرب من ضريح الإمام علي ابن أبي طالب يقف حسن ليشاهد «بحر النجف» وقد تحولت القوات الأميركية عند منحدر ذلك البحر (وهو ليس بالبحر) الى قطع صغيرة لبعد المسافة المنحدرة عن مرقد الإمام.. وعلى الجانب الأيمن ينام الموتى الذين لم يسلموا من الرصاص لتتحول مقابرهم الى ارض خواء فيما عناصر «جيش المهدي» يطلقون من داخل المقابر صواريخهم باتجاه الطائرات او الدبابات. يبدو ان المشهد اكبر من حرب وخوف من الآتي.. هكذا تقول نبرات صوت حسن، فالمدينة المشرفة يدخلها الزائرون من ثلاثة خانات: «خان الربع» الذي يبعد عن مدينة كربلاء 18 كيلومترا.. وبعد خمسين مترا منه يأتي «خان النص» الذي كان موقعا للخيل والتجارة والجيش وهو من بقايا الدولة العثمانية، وطريق الديوانية باتجاه النجف حتما لا يشبه طريق الحلة اليها ولكن كل الطرق تؤدي هذه الأيام إلى قتال وموت محتم.

المهم تحولت المدينة بفعل فاعل معلوم مجهول إلى مدينة أشباح وموت ورصاص بعد أن كانت مدينة لكل الزائرين من أنحاء العالم الإسلامي يطلبون فيها رؤية مرقد ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وها هم المقبلون إليها بعضهم يحاصرها بالموت والآخر يدخلها بالموت ايضا.

الجميع يتوقع من القوات الأميركية اجتياح مدينة الإمام علي. والضحية دائما مواطن عراقي قد يحمل اسم حسن او جعفر أو كاظم.. انه عراقي مثل حسن المشهداني صاحب هذه الرواية.