قادة إسرائيليون يعترفون بعدم جدوى الاحتلال ويعلون يؤكد القدرة على الدفاع عن إسرائيل بعد التنازل عن الجولان

TT

في الوقت الذي يدير فيه اليمين الاسرائيلي الحاكم معركة سياسية وشعبية واسعة لإجهاض مسيرة السلام مع الفلسطينيين وسائر العرب، ويتمسك باحتلال الاراضي الفلسطينية والعربية بدعوى انها مصيرية بالنسبة للوجود الاسرائيلي، خرجت شخصيتان بارزتان في قمة الهرم السياسي والعسكري بتصريحات مفادها ان الاحتلال غير ذي جدوى وان بالإمكان الدفاع عن اسرائيل من دونه.

وكان التصريح الاول للقائم بأعمال رئيس الحكومة وزير التجارة والصناعة واحد ابرز قادة الليكود، ايهود اولمرت، فأعلن خلال جولة له في بعض المستوطنات في الضفة الغربية، ان اسرائيل ستضطر الى اخلاء عدد كبير من المستوطنات ليس في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية وحسب، بل في سائر انحاء المناطق الفلسطينية والسورية المحتلة. وقال اولمرت، ان العالم بمن في ذلك اقرب اصدقاء اسرائيل، يقرأ الخريطة جيدا. ويعرف ان بامكان اسرائيل ان تعيش من دون هذا الاحتلال. ويرفض فكرة التمسك بالاحتلال بدعوى الدفاع. وان قوى عديدة في العالم، تفكر في معاقبة اسرائيل على احتلالها، بالاجراءات الاقتصادية والعزلة السياسية، ومن يمنع ذلك الآن هي الولايات المتحدة.

وقال اولمرت انه حتى في الولايات المتحدة، لن يستطيعوا الوقوف الى جانب اسرائيل بالدعم الكامل الى الابد. وقبل ان تضطر الى تغيير سياستها تجاه اسرائيل، ينبغي ان تساعدها اسرائيل وتقدم على التغيير المطلوب.

واوضح اولمرت ان بامكان اسرائيل ان تزيل عشرات المستوطنات من الضفة الغربية، من دون ان يمس ذلك بشبكتها الدفاعية، خصوصا اذا تم هذا الامر في اطار مفاوضات سلام مع الفلسطينيين وسط ضمانات اميركية وخطة سلام شاملة في الشرق الاوسط.

واما التصريحات الثانية فكانت لرئيس اركان الجيش الجنرال موشيه يعلون، وتتعلق بالاحتلال الاسرائيلي لهضبة الجولان السورية، فقال ان الجيش قادر على الدفاع عن اسرائيل، ايضا بعد تنازله عن المناطق السورية المحتلة وهذه هي اول مرة يطلق فيها تصريح كهذا منذ الاحتلال سنة 1967، حيث ان القادة الاسرائيليين يجمعون على انهم بحاجة الى هضبة الجولان للدفاع عن امن اسرائيل. ومع ان عددا من قادة اسرائيل، مثل رئيس الحكومة الاسبق، اسحق رابين، ورئيس الحكومة السابق، ايهود باراك، ابديا استعدادا للانسحاب من الجولان مقابل السلام مع سورية ولبنان، الا ان رئيس الحكومة الحالي، ارييل شارون، ليس مستعدا حتى للتفكير في الموضوع السوري. وهو يقول ان الموضوع السوري غير ملح وقابل للتأجيل.

وكان يعلون قد تحدث ايضا عن ضرورة الاستمرار في تقوية الجيش الاسرائيلي وزيادة ميزانياته وتطوير وتحديث اسلحته التكنولوجية العصرية. وقال ان الحرب مع الفلسطينيين طويلة جدا، لانهم «لم يقتنعوا بعد بحق اسرائيل في الوجود كدولة يهودية» وان على اسرائيل ان تواصل حربها الرادعة ضد الفلسطينيين وسورية وحزب الله وايران.

وكذلك تحدث اولمرت عن ضرورة «الاستمرار في الحرب على الارهاب بكل صنوفه وقومياته» وقصد التنظيمات الفلسطينية وحزب الله اللبناني.

الا ان هذا لم يسعفهما لدى اوساط اليمين الحاكم. فهاجموهما، امس، بشراسة على تصريحاتهما. فقال ناطق بلسان شارون ان على العالم «ألا يأخذ بجدية كل تصريح يقال» وان «رئيس الحكومة لا يشغل باله في الموضوع السوري او في اخلاء مستوطنات في الضفة الغربية».

وهاجم المستوطنون اولمرت بشدة. وقالوا انه ينطق باسمه وباسم شارون لذلك يجب الاطاحة بكليهما، وتخليص اسرائيل من سياسة الخنوع التي يمارسانها من خلال موقعهما الاول والثاني في قمة الهرم الاسرائيلي. وطالبوا الجنرال يعلون، بالامتناع عن اطلاق تصريحات سياسية يمهد فيها لمستقبله السياسي في حزب العمل «فأنت في موقع عسكري حساس. ومن غير المسموح لك ان تستخدم هذا الموقع لتطلق تصريحات حزبية باسم الجيش كله. فالجيش ملك للوطن، وليس ملكا شخصيا لك»، كما قال له بنحاس فاليرشكاين، رئيس مجلس مستوطنات منطقة رام الله المحتلة.

الجدير ذكره ان شارون يصب جل جهوده حاليا لإنجاح خطة الفصل. ولهذا الغرض يريد توسيع نطاق ائتلافه الحكومي. وحسب اوساط مقربة منه فان الاتفاق بهذا الشأن مع حزب العمل أصبح ناجزاً تقريباً، وان هناك احتمالاً قويا لتشكيل الحكومة خلال اسبوعين.

وعندها يصبح تغييب خطة الفصل همه الاول. ولكنه، من اجل ذلك، ينبغي عبور العقبة الكأداء الواقفة في طريقه وهي مؤتمر حزب الليكود الذي سيلتئم يوم الاربعاء المقبل. فهو يخشى من المعارضة القوية ضده في المؤتمر. ويسعى لتخفيفها، بواسطة حملة اقناع واسعة ويحاول ان يكتفي المؤتمر بسماع بيان منه وألا يجري تصويتا حول دخول حزب العمل الى الحكومة.

وكان حزب شنوي، حليف شارون في الحكومة، حتى الآن، قد تجاوز مشكلة اخرى داخل صفوفه، عندما وافق المجلس المركزي للحزب على الاستمرار في الحكومة رغم احتمال مشاركة حزب ديني.

يذكر ان هذا الحزب علماني متعصب كان يرفض الجلوس في حكومة واحدة مع أي من الاحزاب الدينية المتزمتة بدعوى انها احزاب ابتزاز مالي وتمارس الاكراه الديني، وتسير بذلك اسرائيل الى الوراء نحو العالم المتخلف، لكن رئيس الحزب، يوسف لبيد، والرجل الثاني فيه، ابرهام بوراز، وهما وزيران بارزان في حكومة شارون، قررا تغيير هذا الموقف بناء على ضغوط الليكود. وأعلنا استعدادهما للبقاء في حكومة واحدة مع «يهدوت هتوراه» (المتدينين الاشكناز). فثارت موجة معارضة داخل حزبهما. واستدعى المعارضون مجلس الحزب ليبت في الخلاف. وتمكن لبيد وبوراز من اقناع المجلس، وبذلك أفسحا المجال لشارون ان يوسع حكومته بطريقة لا تثير معارضة واسعة في الليكود.

ويخطط شارون الان ان يتوجه في نهاية الاسبوع المقبل للتفاوض حول المقاعد الوزارية لكل حزب من احزاب ائتلافه الجديد. ولكن بعد ان ينتهي مؤتمر الليكود بسلام.