نازحون من دارفور: الحكومة تستهدف المدرسين والطلاب والمتعلمين لاعتقادها أنهم يشجعون على التمرد

TT

رفعت جوربها القديم، إلى أعلى ساقيها الرقيقين وحدقت مليا في الأرض، محاولة أن تخفي الملابس القذرة الممزقة التي كانت تشعرها بحرج شديد وهي ترتديها. فقبل أن تطردها الميليشيا مع قبيلتها الأفريقية من غرب السودان، وقبل أن تضطر للوقوف في الصفوف الطويلة من أجل المؤن في هذا المعسكر الكبير بقلب الصحراء داخل تشاد، كانت عرماني التجاني مدرسة لمادة الزراعة بمدرسة ثانوية عليا، وهي الآن ليست سوى امرأة تفقد كرامتها وطاقتها، بالتدريج.

قبل ستة أسابيع وعندما وطأت أقدامها ارض تشاد لأول مرة، ومعها شقيقتها ومجموعة من صديقاتها، جلست وكتبت عريضة احتجاج للمسؤولين الأميركيين والبريطانيين والكنديين. وقد طالبن في تلك العريضة بمساعدة دارفور التي شرد مليون ونصف المليون من سكانها وقتل حوالي 50 ألفا حسب تقارير منظمات الإغاثة الدولية.

وفي مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» في فبراير (شباط) الماضي قالت تيجاني انها واثقة من أنها ستعود إلى السودان، وإلى منزلها الواسع المبني بالحجر، وإلى مزارعها التي تجود باللحم والفواكه الطازجة، وإلى مهنتها كمدرسة متفوقة.

أما اليوم فقد فارقها الأمل، لم تعد تكتب العرائض أو ترسل الرسائل. كما أنها فقدت كثيرا من وزنها وصارت عظام كتفها الناتئة تطل من تحت الثياب الرهيفة. قالت وهي تتأمل كلماتها:

«أنا الآن لاجئة، هل سيتركوننا هكذا إلى الأبد؟ حياتي، كما أعرفها، انتهت». وعندما كانت تقف في الصف لتسلم مواد الإغاثة، انفجرت بالبكاء. بدأ العنف في دارفور قبل 18 شهرا، عندما تمردت مجموعات أفريقية ضد الحكومة وهاجمت منشآت عسكرية. وردت الحكومة بقصف كثير من القرى بدارفور وبتسليح مجموعات عربية مارقة اسمها الجنجويد. ومنذ تلك اللحظة فإن المجموعات الأفريقية من سكان دارفور قد اقتلعت من جذورها وضربت واغتصبت وطردت. ولكن المتعلمين من بين هؤلاء يقولون إنهم مستهدفون بصورة خاصة، ومنهم المدرسون والطلاب وقادة المجتمع المحلي. وقالوا ان الحكومة رمتهم بالخيانة وبتأييد التمرد ومنعتهم من الحديث عن الأزمة التي اجتاحت الإقليم. يقول اسحق شريف، أستاذ الجغرفيا السابق الذي يشرف حاليا على توزيع الطعام في المعسكر: «إذا كنت مزارعا فإنهم سيأخذون محصولك، ويقتلونك. وإذا كنت امرأة سيغتصبونك. أما إذا كنت مدرسا فعليك أن تطلق ساقيك للريح. فهم يعتقدون أن كل متعلم يمكن أن ينظم الناس ويلهمهم وربما يقنعهم بالالتحاق بالمتمردين».

قالت منظمات حقوق الإنسان ان الهجوم على المتعلمين يعد محاولة لإسكات أصوات أهل دارفور، وطريقة لمحو الذاكرة الجماعية للمجتمع وتدمير مصادر القوة السياسية. أحرقت المدارس، ومزقت الكتب وحطمت الأدراج. ولن يستطيع الأطفال الرجوع إلى مدارسهم لمدة عامين على الأقل. وقال أوليفيير بيركو، عضو فريق هيومان رايتس ووتش، الذي قضى ثلاثة أسابيع في جولة بدارفور، ان استهداف المدرسين والمدارس «لمنع الثقافة وحرمان الناس من العملية التعليمية».

وفي اوري كاسوني وهو معسكر في تشاد عبر الحدود من السودان يعيش 135 مدرسا بين 17 الف لاجئ. ذكر العديد منهم ان اصدقاءهم العرب وزملاءهم قد دفعوهم لمغادرة دارفور قبل شهور. واوضح عبد الجابر وهو من قادة المعسكر «هناك العديد من المدرسين هنا لان الحكومة دمرت المدارس، وكانت الحكومة السودانية تطارد كل المدرسين والمتعلمين».

وقد تحدثت عرماني وغيرها من المدرسات اللائي وصلن في فبراير (شباط) مع صحيفة واشنطن بوست في حقل بالقرب من بلدة بهاي. وقد تحولت تلك المجموعة من النساء وكلهن جامعيات، فجأة الى التسول للحصول على تمر وذرة وقطع ملابس ووعاء للماء من سكان تشاد الذين يعانون من الفقر.

وقالت عرماني انها عثرت في النهاية على عمل حيث تتولى غسل الملابس وتستخدم المال الذي تحصل عليه لفتح مدرسة لتعليم مائة تلميذ سوداني. ولكن في نهاية يوليو (تموز)، نقلت مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين سكان المعسكر الى منطقة تبعد 17 ميلا شمال شرق الموقع السابق خوفا من الفيضانات.

وجلست حبابة صلاح، وهي في الثانية والثلاثين من عمرها في خيمة عرماني مع باقي المدرسات، تعبث بقطعة قش، وحبابة ام لاربعة اطفال، ولكنها اضطرت لترك ابنتها البالغة من العمر 6 سنوات مع عمة لها عندما اضطرت للهرب بسبب الهجمات.