الفريق الأولمبي لكرة القدم يثير حماسة العراقيين ودموع المهاجرين

TT

لم يكف رنين الهاتف الجوال الذي يعود لأحمد السامرائي رئيس الهيئة الأولمبية العراقية، حيث ظل الكثير من الوجوه القيادية من مختلف الطوائف والقوميات يتصلون به من العراق وكلهم يريدون التعبير عن ارتياحهم الكبير الذي تحقق على يد فريق كرة القدم الأولمبي.

وسيلتقي الفريق العراقي اليوم فريق أستراليا في الربع النهائي بجزيرة كريت، ولم يكن هناك الكثير ممن توقعوا حتى نجاح هذا الفريق في التأهل للدورة الأولمبية لعام 2004. وهذا هو أول ظهور للفريق العراقي في دورة أولمبية منذ أكثر من ربع قرن.

والآن يبدون كأن الكل يريدون الحصول على قدر من أنباء الدورة الأولمبية. وقد اضطر السامرائي لأن يقيم مكانا للاستقبال في فندق راق هو ديفني كارافيل بعد أن غصت غرفته الصغيرة بالعدد المتزايد بالمشجعين.

وقال تيراس أوديشو منسق الفريق الأولمبي إن تقدم الفريق غير المتوقع في التصفيات الأولية بعد فوزيه الكبيرين ضد البرتغال وكوستاريكا، جعل هاتفه الجوال يدق أيضا باستمرار. فعلى الخط وطيلة وخلال كل ساعات النهار ظل القياديون العراقيون يقدمون نصائح حول استراتيجية للفريق وحول تشكيلته حتى مع معاناة البلد من موجات العنف في بغداد والنجف.

وعلى الرغم من تعثر الفريق مساء الأربعاء الماضي أمام الفريق المغربي، حيث خسر بهدفين مقابل هدف، لكن ذلك لم يؤثر على موقعه في البطولة. والعراق سيخوض مباراته اليوم محتلا الموقع الأربعين حسب تسلسل اتحاد كرة القدم الدولي بينما تحتل استراليا الموقع السابع والخمسين. وإذا اتسع تيار التمنيات الطيبة والترحيب الصاخب في أثينا كي يشمل عشرات الآلاف من العراقيين المغتربين فإن النجاح الأولمبي المبكر يحقق فرصة نادرة من الشعور بالكبرياء لشعب يخوض في بحث دموي عن هويته.

فمنذ وصول فريق كرة القدم العراقي و26 عضوا في البعثة الأولمبية العراقية إلى أثينا قبل أقبل من أسبوع قتل أكثر من 100 عراقي في الداخل. وقدم كل هؤلاء اللاعبين الذين كانوا مهمشين من قبل لبقية العراقيين نافذة لحياة خالية من النزاعات. وقال السامرائي «هناك الكثير من الأغبياء في العراق مثل مقتدى الصدر. إنهم لا يفكرون حول المستقبل. أنا أطلب من الشعب العراقي أن ينظر إلى التجربة الأولمبية. إنها الحياة، إنها كيف يجب عيشها». والإشارة إلى مقتدى الصدر هي ليست نقطة عابرة، إذ من بين أعضاء فريق كرة القدم هناك 50% منهم مقبلون من مدينة الصدر الفقيرة والتي سميت تيمنا باسم والد مقتدى آية الله محمد الصدر الذي اغتيل قبل خمس سنوات على يد قتلة صدام حسين.

وقال المدافع عباس باسم «نحن بعيدون عن العراق لكننا الآن نفكر وكأننا نلعب داخل العراق ولأجل العراق». وبدأ الاستقبال الخاص للبعثة الأولمبية العراقية قبل أسبوع عند دخولها إلى الملعب الأولمبي خلال حفل الافتتاح. كان الاستقبال العاصف للوفد العراقي الصغير متقدما على جميع الفرق باستثناء الوفد اليوناني الذي كان الآخر في الترتيب. وكان الاستقبال عارما حينما لعب المنتخب العراقي ضد كوستاريكا مما أجبر رجال الشرطة أن يفرضوا النظام بالقوة. وحتى الآن مثلت غزارة الحضور التهديد الأمني الوحيد للفريق الذي ظل لعدة عقود لا يعرف سوى الخوف. فتحت قبضة صدام حسين كان لاعبو كرة القدم والرياضيون الآخرون غير محميين من المعاملة الحكومية القاسية ضدهم. ويقول السامرائي إن كل أعضاء الفريق الحالي هم أصغر من أن يكونوا موضوعا لقسوة رئيس اللجنة الأولمبية السابق عدي ابن صدام حسين ووحشيته لكنهم جميعا على علم بالإرث البشع الذي تركه وراءه حتى بالنسبة لمشجعي الفريق في اليونان.

كانت الدموع تنهمر غزيرة من عيني لواء توما يوم الأربعاء الماضي لكن رد الفعل لا صلة له بالإرهاق الذي عاناه ليقطع خلال ثمانية أيام أوروبا للوصول إلى اليونان ومشاهدة فريق بلده الذي تركه قبل 13 عاما. ويعيش توما الآن في استوكهولم بالسويد ويعمل في محل بيتزا. ويريد توما أن تكون لابنه لينارت البالغ من العمر 13 عاما صلة بالرياضة والفخر الوطني الذي كان يشعر به حينما كان صبيا في بغداد.

وإذا كان لينارت جالسا مع أمه بهدوء في مقعدين بملعب بامبلوبونيسياكو كان توما يحدق في الفريق العراقي غير مصدق أثناء عمليات الإحماء مرتديا ثيابا باللونين الوطنيين الأبيض والأخضر وكأنما كان يشاهد أشباحا أمامه. قال توما «أن يرى ابني ذلك، لا أستطيع أن أقول لك ما يعني ذلك بالنسبة لي. ما رأيك بكلمة ساحر».

أما في العراق فإنه على الرغم من العنف المتفشي هناك، فإن مشاعر العاطفة أكثر قوة للفريق. ويقول محمود قيس الرياضي من جامعة بغداد «بالنسبة للمجتمع العراقي فإن كرة القدم هي المتنفس الوحيد. ولعل النجاح الأولمبي سيكون السعادة الوحيدة في حياتنا الآن».

وفي نادي الكرخ الرياضي ببغداد حيث تزين النوافذ صور لاعبي كرة القدم الأوروبيين قال نزار أشرف، 50 عاما، الذي لعب في البطولة الأولمبية عام 1980«إنه واحد من أفضل الفرق العراقية». وكان أشرف مدرب الفريق العراقي حتى فترة أخيرة والذي منه تم اختيار الفريق الأولمبي. وأضاف «سأقول لأعضاء الفريق تهانينا على ما قدمتم للعراق. نحن نأمل أن يفوز فريق كرة القدم بميدالية. مع ذلك وحتى لو لم نفز فقد قمنا بشيء عظيم... نحن وصلنا إلى هذا المستوى بعد قطع طريق طويل».

*خدمة «يو إس إيه توداي» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»