فرنسا: معركة سياسية طاحنة على رئاسة حزب الأكثرية والرئيس شيراك يسعى لقطع الطريق على وزير اقتصاده

TT

انتهت عطلة الصيف السياسية في فرنسا وعاد مجلس الوزراء للاجتماع وانصرف الوزراء والمسؤولون لمعالجة الملفات الساخنة التي تنتظرهم على الجبهتين الاجتماعية والاقتصادية. وهذا على الأقل ما يطفو على سطح الأحداث.

لكن هموم السياسيين والحزبيين والمسترئسين والطامحين في مكان آخر ويختصرها سؤالان: الأول يتناول مصير حكومة جان بيير رافاران، والثاني مصير معركة رئاسة حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، أي الحزب الرئاسي اليميني الذي أوصل شيراك مرة ثانية الى سدة الرئاسة وأعطى اليمين كل مفاصل السلطة التنفيذية والتشريعية في البلاد.

حتى الآن، يحاول رئيس الوزراء الإيحاء بأنه يتمتع بثقة الرئيس شيراك رغم هزيمتين انتخابيتين ماحقتين في الأشهر القليلية الماضية، هما هزيمة الانتخابات الإقليمية وهزيمة الانتخابات الأوروبية. وقد حقق الحزب الاشتراكي المعارض وحلفاؤه اليساريون نصرا باهرا في تلك الانتخابات دفع بالبعض الى التساؤل عن شرعية استمرار اليمين في السلطة بعد أن فقد الدعم الشعبي. وتقول أوساط رافاران ان الرأي العام نسي الانتخابات وان رئيس الحكومة منهمك في إعداد الميزانية الجديدة والتحضير للاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، وبالتالي فإنه يراهن على البقاء في الحكم أقله حتى الاستفتاء الشعبي المنتظر العام القادم للتصديق على الدستور الأوروبي.

بالمقابل، فإن أنصار «تسريح» رافاران وتكليف شخصية جديدة تشكيل حكومة جديدة لا يعدمون الحجج لإقناع شيراك بهذا الحل. وحجتهم الأولى أن رافاران استنفد وان شعبيته تراجعت كثيرا، وبالتالي فإن بقاءه في رئاسة الحكومة يضر بالرئيس شيراك. وعلى هذا الاساس فإنهم يقولون ان لرئيس يحتاج الى «رجل جديد» وإلى «دم جديد» خصوصا أنه وصل الى منتصف ولايته الثانية وأنه بحاجة الى «نفس جديد» يتيح له إكمال ولايته من غير مشاكل كبرى وتحضير «خليفته» في قصر الإليزيه لعام 2007 . ولذا فإن الطامحين إلى رئاسة الحكومة، وهم كثر، يترقبون عن كثب الإشارات الواردة من القصر الرئاسي في هذا الاتجاه أو ذاك. وتتداول في بورصة الأسهم الحكومية عدة أسماء منها فيليب دوست بلازي، وزير الصحة، وجان لوي بورلو، وزير شؤون المدينة والانسجام الاجتماعي. كما ان هناك اسم وزير الداخلية الحالي والخارجية السابق دومينيك دوفيلبان الذي يمكن أن يكون «فلتة الشوط».

وتتداخل خيوط هذه المعركة مع خيوط معركة رئاسة حزب الأكثرية، اذ يبدو أن هم شيراك ينصب بالدرجة الأولى على قطع الطريق على وزير الاقتصاد نيكولا سركوزي الذي لا يخفي مطلقا طموحه الرئاسي والذي يشكل العقبة الأولى أمام ترشح شيراك لولاية رئاسية ثالثة.

ويرى المراقبون السياسيون أن السيطرة على حزب الأكثرية من شأنه أن يوفر لسركوزي، وهو أكثر الوزراء والسياسيين في فرنسا شعبية، منصة له للوصول الى الرئاسة. فلا رئاسة من غير حزب قوي ومتجذر في كل المناطق والطبقات الشعبية. وهذا ما تؤكده تجربة شيراك الشخصية مع الحزب الديغولي وتجربة فرنسوا ميتران، الرئيس السابق، مع الحزب الاشتراكي ولذا، فقد عمد شيراك في الرابع عشر من يوليو (تموز) الماضي الى نصب فخ لوزير الاقتصاد عندما اعلن، في مقابلة تلفزيونية، أنه لا يجوز الجمع بين الوزارة وبين رئاسة حزب الأكثرية. وذهب أبعد من ذلك الى تهديد سركوزي بإقالته فورا من الحكومة إذا فاز برئاسة الحزب.

وقد انطلق شيراك من مبدأ أن سركوزي لن يجرؤ على تحدي إرادته. وإذا فضل رئاسة الحزب على الوزارة، فسيكون من الصعب عليه لاحقا أن يحيد بحزب الأكثرية عن خط دعم الحكومة ومساندة مواقفها والتصويت على مشاريع القوانين في المجلس النيابي. وباختصار، سيكون من الصعب على حزب الأكثرية أن يتحول الى حزب معارض لأن ذلك يخالف أصول اللعبة السياسية.

ولذا يعتبر المراقبون السياسيون أن سركوزي سيجد نفسه سريعا مكبل اليدين. وإذا فشلت الحكومة سيكون ذلك فشلا له وإذا نجحت سيكون ذلك نجاحا لشيراك ولرئيسها. وحتى الأن، امتنع سركوزي عن إعلان ترشيحه لرئاسة الحزب. لكنه وعد بإعلان موقف واضح مع بداية الشهر القادم. غير أن تصريحاته في الأيام الأخيرة توحي بأنه سيخوض معركة رئاسة الحزب وأنه لن يتردد في مواجهة شيراك. وهو يعتمد في ذلك على شعبيته القوية داخل الحزب ولدى الرأي العام. كما أنه يعتمد على النجاحات التي حققها عندما كان وزيرا للداخلية ولصورة رجل الدولة المسؤول التي بناها.

وفضلا عن ذلك، يراهن سركوزي على غياب منافس حقيقي له داخل اليمين الفرنسي التقليدي ولرغبة الرأي العام في التغيير، ووصول وجه جديد الى رئاسة الجمهورية. وهذه كلها أوراق رابحة بيديه. ورغم ذلك، فمن المبكر القول ان سركوزي سيربح معركة المواجهة مع شيراك وإنه سيضع يده على حزب الأكثرية. فشيراك داهية سياسية و«لن يقبل بأن يفترس حيا». وهو بالطبع يملك أوراقا سيخرجها من قبعته لقطع الطريق على رجل كان هو شخصيا «عرابه» السياسي لكنه «خانه» في السابق، وهو يستعد لإخراجه من قصر الإليزيه ليحتل المقعد الذي ظل شيراك يتربع عليه منذ عشرة أعوام.