خبراء ومسؤولون أميركيون : الإدارة فشلت في التحرك بحزم في حرب الأفكار ضد « القاعدة» .. وكسب عقول وقلوب المسلمين

اتهامات للحكومة الأميركية بالتركيز على الأمن الداخلي على حساب احتواء الكراهية لأميركا بين 1.2 مليار مسلم

TT

تواجه ادارة الرئيس الأميركي جورج بوش انتقادات متزايدة سواء من داخل صفوفها او من خارجها لانها فشلت في التحرك بحزم في حرب الافكار ضد منظمة «القاعدة» وغيرها من الجماعات المتطرفة، منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 . وكانت لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر قد دعت في تقريرها، الذي نشر في الشهر الماضي، الى استراتيجية ناشطة لترويج القيم الديمقراطية للولايات المتحدة حول العالم، وذكرت مستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس ان الادارة تبذل جهدا كبيرا في هذا المجال.

غير ان خبراء الشرق الاوسط ـ وعددا من المسؤولين الاميركيين الذين يشعرون بالاحباط ـ يشتكون من ان الادارة قدمت توجهات جديدة محدودة في التعامل مع الغضب المعادي لاميركا بين 1.2 مليار مسلم وكسب عقول وقلوب المسلمين، وتنفق القليل على تلك الجهود ولاسيما بالمقارنة بالمليارات التي تنفقها على الاحتياجات الملحة الاخرى مثل الامن الداخلي والاستخبارات.

وقال شبلي تلحمي، عضو المجموعة الاستشارية التي شكلها البيت الابيض لشؤون دبلوماسية العلاقات العامة، والباحث في معهد بروكينغز «انه اسوأ من الفشل. الفشل يعني انك حاولت ولم تنجح. ولكن في هذه النقطة وبعد ثلاث سنوات من هجمات 11 سبتمبر يمكنك القول إنه لم تجر حتى محاولات، واليوم فإن التوجهات العربية والاسلامية تجاه الولايات المتحدة ودرجة الثقة بها اسوأ مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات. واسامة بن لادن يفوز بسبب اهمال الطرف الاخر».

ويمتد الشعور بعدم الرضا الى البعض في وزارة الخارجية الذين يشاركون في دبلوماسية عامة. وقال مسؤول في وزارة الخارجية على معرفة بالجهود الدبلوماسية، شريطة عدم الكشف عن هويته، «هذا وضع في غاية التشوش. ولاسيما فيما يتعلق بالاشخاص المحتجزين في خليج غوانتنامو، ومن غير الواضح كيف سيجعلنا ذلك اكثر امنا. اذا كان ذلك في هذه الاهمية، فأين الاموال؟».

وذكر كبار المسؤولين في الادارة امس ان الولايات المتحدة خصصت اموالا واعدت العديد من البرامج السياسية والاقتصادية والتعليمية لتحسين الحياة والضغط من اجل الاصلاحات وتحسين صورة اميركا كحليف للعالم الاسلامي في اكثر من 50 دولة. واوضحت باتريشيا هاريسون مساعدة وزير الخارجية للتعليم والشؤون الثقافية، في شهادتها امس امام لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب ان «اسس استراتيجية دبلوماسية العلاقات العامة هي المشاركة والابلاغ والتأثير على الرأي العام الاجنبي من اجل زيادة فهم القيم والسياسات والمبادرات الاميركية».

وفي الوقت ذاته اعترفت رايس في كلمة امام معهد السلام الاميركي بأن دبلوماسية العلاقات العامة هي مجال تود الادارة ان تركز عليه ، قبل ان تضيف «من الواضح اننا غير منظمين فيما يتعلق بدبلوماسية العلاقات العامة». الا انها قالت ان الادارة جعلت التواصل العالمي اولوية وتحقق تقدما مهما، واشارت ضمن اشياء اخرى الى زيادة البث الاذاعي في الشرق الاوسط والبرامج لتشجيع محو الامية والاصلاحات الديمقراطية والتعليم.

وقالت رايس ان الهدف الاساسي لحرب الافكار هو القضاء على الخرافات المدمرة فيما يتعلق بالثقافة والسياسة الاميركية وتشجيع الاصوات التي تدافع عن التحديث والتسامح والتعددية في العالم الاسلامي. وتابعت «لقد انتصرت الحرية في الحرب الباردة عندما تذكر الغرب انه لا يمكن فصل القيم والامن. ان قيمة الحرية والديمقراطية مماثلة، ان لم تكن اكثر، من القوة الاقتصادية او العسكرية في تحقيق النصر في الحرب الباردة».

ويتماشى هذا التفكير مع توصيات لجنة 11 سبتمبر التي طالبت ، بالاضافة الى اعادة تنظيم قطاع الاستخبارات الاميركية ومكافحة الارهاب، بحملة دبلوماسية. وبالرغم من ذلك حذرت الهيئة الاستشارية الاميركية في مجال العلاقات العامة في تقرير للكونغرس في اكتوبر(تشرين الأول ) الماضي ، من ان التبادل الثقافي والجهود المشابهة للفوز بقلوب وعقول العالم الاسلامي « لم تخصص له ميزانية كافية بطريقة خطرة وسخيفة».

وتجدر الاشارة الى ان ميزانية وزارة الخارجية لدبلوماسية العلاقات العام للعام الحالي هي 685 مليون دولار لكن معظم هذا المبلغ لا يذهب للعالم الاسلامي، بالرغم من التغيير الاساسي في التوجهات بعد هجمات 11 سبتمبر الارهابية. ويخصص 79 مليون دولار فقط من هذا المبلغ للتعليم والتبادل الثقافي ـ قلب دبلوماسية العلاقات العامة واكبر انفاق في الميزانية ـ مع دول الشرق الاوسط وجنوب اسيا. كما ان الزيادة منذ عام 2001 صغيرة للغاية، مع انخفاض في اول ميزانية بعد 11 سبتمبر. أما ميزانية وزارة الأمن الداخلي فقد كانت 30 مليار دولار.

ويعترف المسؤولون الاميركيين بان اعداد الناس الذين استفادوا من البرامج الاميركية صغيرة للغاية. وقد ادى برنامج جديد للتبادل بالنسبة لطلبة العالم العربي والاسلامي الى حضور 170 طالبا للدراسة في الولايات المتحدة في العام الماضي، و 480 في العام الحالي والف في العام القادم. وبالمقارنة، تم تنظيم تبادل ثقافي شمل أكثر من 5 الاف شخص من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق في السنة الاولى بعد انتهاء الحرب الباردة، طبقا لوزارة الخارجية. كما ان الكونغرس لم يكن حليفا جيدا، ففي بعض الحالات خفض زيادات محدودة في ميزانية التبادل التعليمي والثقافي.

وفي الوقت نفسه قالت مارغريت تاتويلر، وكيل وزارة الخارجية لشؤون دبلوماسية العلاقات العامة والشؤون العامة السابقة، التي تعمل الان في بورصة نيويورك للاوراق المالية «نحن في حاجة، كحكومة ـ بل وجميعا ـ الى اعتبار وسائل دبلوماسية العلاقات العامة اسلحة رقيقة. ان النشاطات المرتبطة بدبلوماسية العلاقات العامة يجب ان تحظى بالاولوية بنفس مستوى الاوليات التي تحظى بها حاملات الطائرات».

وكان معظم التركيز الاميركي في السنوات الثلاث الماضية يدور حول خفض البرامج او وقفها بعد انتهاء الحرب الباردة، عندما كانت الولايات المتحدة، على حد تعبير مسؤول اميركي كبير «اعلنت النصر ونهاية التاريخ وعادت الى اراضيها». والان فإن واشنطن تناضل من اجل العودة الى مستوى برامج التبادل الثقافي والتعليمي التي كانت قائمة في الثمانينات.

وتجدر الاشارة الى وجود برامج اميركية اخرى تدعم دبلوماسية العلاقات العامة. فمبادرة الشراكة الشرق اوسطية لوزارة الخارجية لديها ميزانية قيمتها مائة مليون دولار للسنة المالية 2003 للمساهمة في تشكيل منظمات غير حكومية ولاسيما بين النساء والشباب، ودفع الاعمال لدعم الاصلاحات السياسية والاقتصادية. ومنذ عام 2001 زادت الوكالة الاميركية للتنمية الدولية تركيزها علي التعليم وخلق الوظائف في العالم الاسلامي.

وقد دشنت الادارة جهودا جديدة في مجال الاذاعة بتأسيس راديو «سوا» بالعربية وراديو «فاردا» بالفارسية، بالاضافة الي محطة «الحرة» التلفزيونية بالعربية، لمواجهة النفوذ المتزايد للقنوات الفضائية الا ان ردود الفعل كانت متفاوتة. ويقول ادوارد ووكر رئيس معهد الشرق الاوسط والسفير الاميركي السابق في مصر واسرائيل «يبدو ان سوا كان لها بعض التأثير، ولكن رد الفعل بالنسبة للحرة كان سلبيا للغاية. الناس يشاهدونها مرة او مرتين».

ومبادرة الديمقراطية، التي اعلنت رسميا في مؤتمر قمة دول الثماني وحلف شمال الأطلسي (ناتو) ، هي اكثر الجهود الاميركية طموحا لتحويل العالم الاسلامي. وتنوي واشنطن رعاية الاجتماعات الاولى، التي ستعقد الشهر المقبل، بين المسؤولين الاوروبيين والاميركيين والمسلمين لمناقشة الاصلاحات الاقتصادية والسياسية.

غير ان الادارة خفضت اهدافها بسبب رد الفعل المبدئي في المجتمعات الاسلامية والخوف من ان الولايات المتحدة ربما تحاول فرض شكل حكومتها عليهم. غير ان بعض المسؤولين الاميركيين يقولون ان المشروع في حاجة للمزيد من الاموال لكي يمكنه التأثير. وقال تلحمي «يوجد انهيار كامل للثقة بنوايا اميركا وقد ازداد الامر سوءا في السنة الماضية. وعندما يكره الناس اميركا او يقاومونها اكثر مما يكرهون بن لادن، كيف يمكن ان تنجح ؟ هذا هو المحصلة النهائية».

لكن هاريسون دافعت عن مساعي الادارة وقالت ان معظم مجهودات اميركا الخارجية في مجال التعليم والثقافة والدبلوماسية قد تركزت على منطقة الشرق الاوسط والعالمين العربي والاسلامي، خصوصا بعد احداث 11 سبتمبر (ايلول). واضافت ان منطقة الشرق الاوسط وجنوب آسيا تتلقى الان حوالي 25 في المائة من اجمالي التمويل الخارجي الاميركي ضمن برامج التنمية وكسب تعاطف السكان. واضافت «اننا نطور برامج جديدة ونحسن من استراتيجيتنا هناك، واعتقد اننا نحرز بعض التقدم» وان العمل في هذا المجال «ليس عمل اسابيع او شهور لكنه عمل يستغرق سنوات واجيالا».

وقالت هاريسون ان اميركا تستهدف الان مجتمعات غير النخب العربية مثل «الشباب والقادة الدينيين، علاوة على جمهور كبير من الاشخاص ممن هم مسؤولون عن تعليم وتنمية الشباب او من يعرفون باسم المؤثرين في الشباب ابتداء من وزراء التعليم ومدرسي الفصول ورجال الدين والمدربين الرياضيين والآاباء». وتابعت ان الخارجية قد طورت برامج للوصول الى الصحافيين العرب والمجتمع المدني والجماعات النسائية والقادة المحليين ونشطاء المجتمعات المحلية. واوضحت ان نسبة الصحافيين العرب والشرق اوسطيين الذين يزورون اميركا الان ضمن برامج تثقيفية وتدريبية للخارجية الامريكية، حوالي 50 في المائة من اجمالي الصحافيين الذين يأتون من مناطق العالم.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»