«خبطة كبرى» و«حائط برلين جديد» و«ضفة غربية أميركية» و«سقوط النسر الأسود» 4 سيناريوهات يتوقعها مسؤول كبير سابق في البنتاغون لمستقبل العراق والمنطقة

TT

وضع الدكتور توماس بارنيت الذي كان حتى وقت قريب مسؤولا عن سيناريوهات المستقبل الاستراتيجية في مكتب وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيل، أربعة سيناريوهات عن مستقبل العراق والدول المجاورة اعتبر فيها انه في أحسن الأحوال سيكون العراق «الخبطة الكبرى» التي تبدأ معها «الحياة الحقيقية» في المنطقة وفي اسوأ الاحوال، سيتحول الى «ضفة غربية اميركية» تواجه فيه الولايات المتحدة وضعا يشبه ما تواجهه اسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبعد ذلك يأتي سيناريو «سقوط النسر الاسود»، اشارة الى هزيمة القوات الاميركية في الصومال وانسحابها.

* الخبطة الكبرى بدأ بارنيت في كتاب له بعنوان «خريطة البنتاغون الجديد» بنظرية «الخبطة الكبرى» (بيغ بانغ) التي يقال انها كانت بداية الحياة في الكون حيث تشتت التشكيل الكوني الاصلي الى مجرات ونجوم وكواكب، ومنها المجموعة الشمسية وكوكب الارض الذي ظهرت فيه الحياة في اكار هذه المجموعة. والسيناريو الاول لبارنيت يتصور ان العراق يمكن أن يكون منارة للحرية والتقدم في المنطقة.

وأشار بارنيت الى سورية وايران ودول الخليج، وقال ان الانفتاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي سوف يتحقق في العراق (بعد توقف العنف وانتهاء الفوضى والتوتر) لا بد ان ينتقل الى هذه الدول. وقال «هذا السيناريو المتفائل معناه ان القوات الاميركية في العراق وفي المنطقة سوف تكون امرا واقعا وسوف يتعود عليها العرب، مثلما تعود الالمان على وجود القوات الاميركية في بلدهم لأكثر من ستين سنة».

وتوقع هذا السيناريو ان يستمر رفض كثير من العرب للقوات والقواعد الاميركية، مثلما لا يزال بعض الالمان يرفضون القوات الاميركية في بلدهم. لكن الرفض، حسب السيناريو «سوف يكون في شكل مظاهرات وحلقات نقاش وليس عمليات انتحارية». وقال ان العرب سوف يعترفون بالجانب الايجابي لوجود هذه القوات لأنها: اولا، سوف تؤمن الاستقرار وتمنع العرب من قتل العرب (مثلما منعت الالمان من قتل الالمان). وثانيا، سوف تفتح المنطقة على الديمقراطية والتقدم (مثلما حولت الالمان من نازيين الى ديمقراطيين، ثم الى قوة دولية فعالة تنافس حتى اميركا نفسها). وثالثا، سوف توفر على العرب صرف عشرات المليارات من الدولارات التي ينفقونها على شراء اسلحة لا يحتاجون لها (مثلما تطورت المانيا من دون جيش كبير).

ووعد هذا السيناريو بالقضاء على ظاهرة «جيوش الشباب العرب الذين يتجمعون تحت ظلال الاشجار والجدران، لا يعرفون ماذا يفعلون»، في اشارة الى ان العطالة والفاقة والحيرة هي ما يدفع الشباب للانضمام الى منظمات إرهابية. وبدلا من ذلك سوف يصبح الشباب العرب مثل الشباب الهنود الذين يتخرجون بعشرات الآلاف من كليات الكومبيوتر والكليات العلمية الاخرى ويهاجرون الى المانيا واميركا وغيرهما حيث فرص العمل المناسبة.

ويقترح هذا السيناريو المتفائل لضمان تحقيقه ثلاثة اجراءات في العراق للخروج من المأزق الحالي: اولا، إضافة قوات مسلحة من دول كبرى (مثل المانيا وفرنسا وروسيا) الى القوات الاميركية. لكن السيناريو لا يشترط ان يكون ذلك تحت علم الأمم المتحدة، مما يعني ان العراق سوف يقسم الى مناطق عسكرية (مثلما قسمت المانيا، بعد هزيمتها، الى مناطق اميركية وبريطانية وفرنسية وروسية).

ثانيا، وضع دستور ينص على ان يحكم العراقيون أنفسهم حكما ديمقراطيا، وعلى عدم تدخل القوات الأجنبية في الشؤون الداخلية للعراق، وتجميعها في قواعد عسكرية في مناطق معينة (مرة أخرى، مثلما حدث في المانيا).

ثالثا، وجود قوات ألمانية وفرنسية وروسية سوف يشجع الاستثمار والتعاون الاقتصادي من جانب هذه الدول، مما يمهد لتأسيس عراق متطور ومتعلم وحر (وتكون هذه خطوة نحو «الخبطة الكبرى» التي سوف تعم المنطقة كلها).

* حائط برلين جديد وقال بارنيت «مهما فعلنا في العراق، وحتى اذا حققنا (الخبطة الكبرى) لن يحدث اي تغيير في المنطقة من دون حل المشكلة بين إسرائيل والفلسطينيين. لهذا اقدم سيناريو (حائط برلين الجديد) لأني مقتنع بحتمية طلاق كامل بين الجانبين، ولهذا لا بد من تطوير الحائط الذي تبنيه إسرائيل الآن ليكون حائطا حقيقيا».

ورأى ان «أساس المشكلة سكاني لأن عدد الإسرائيليين لا يزيد كثيرا وعدد الشباب الفلسطيني يتضاعف، ونحن نقدر على حل هذه المشكلة ليس بحماية إسرائيل، ولكن بحماية الحائط والحدود التي يبنى عليها». ويقترح: أولا، إرسال قوات اميركية «لحماية الحائط على المدى البعيد»، وثانيا، ضخ مليارات الدولارات لتطوير الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة (وتأسيس حكومة ديمقراطية تسير على خطى الخبطة الكبرى في العراق). وقال: «بعد ثلاثين سنة سوف ينقرض جيل المتطرفين الفلسطينيين، ويظهر جيل جديد مسالم».

هذا السيناريو يعتمد على تجربة حائط برلين، الذي كان قائما لأربعين سنة، و«حائط كوريا» حيث تفصل بين الكوريتين أسلاك شائكة منذ خمسين سنة، و«حائط قبرص» حيث توجد أسلاك شائكة أيضا بين القسمين التركي واليوناني منذ ثلاثين سنة. ويعني هذا السيناريو ان «كل حائط لا بد ان ينهار آجلا او عاجلا». فالألمان أزالوا حائطهم بعد ان اقتنعوا بأن الجانبين يمكن ان يعيشا في سلام، والقبارصة الأتراك واليونانيون يتفاوضون للاستفادة من ميزات الاتحاد الأوروبي، والاتصالات الأولية بين الكوريين الجنوبيين والشماليين تشير الى احتمال تحقيق سلام (او ربما اتحاد) بين الجانبين.

* ضفة غربية أميركية ماذا سوف يحدث اذا لم يتحقق هذان السيناريوهان المتفائلان؟

بارنيت وضع سيناريوهين بديلين متشائمين.

الأول، سيناريو «الضفة الغربية الاميركية»، اي ان الاحتلال الاميركي للعراق سوف يكون مثل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة. ومعنى هذا السيناريو ان القوات الأجنبية الأخرى سوف تنسحب من العراق (بما فيها القوات البريطانية ربما) عندما تتأكد من أن اميركا تريد البقاء في العراق لفترة طويلة. وستفعل اميركا ذلك - حسب السيناريو ـ لثلاثة أسباب: اولا، انها تريد استغلال بترول العراق والسيطرة على الدول المجاورة من العراق. وثانيا، انها لا تقدر على الانسحاب بسبب زيادة المقاومة وفشل الحكومة العراقية في تحقيق الامن. وثالثا، خوفا من ان انسحابها سوف يحول العراق الى نقطة تجمع للأصوليين المتشددين وغيرهم من المتطرفين الذين سوف يهددون الدول المجاورة، واميركا نفسها.

الحالة النفسية للاميركيين في العراق، حسب هذا السيناريو، سوف تشبه الحالة النفسية للإسرائيليين في الوقت الحاضر. الإسرائيليون ربما لا يريدون احتلالا أبديا للضفة، لكنهم يخشون شيئين اذا انسحبوا: أولا، ان يقول الفلسطينيون انهم أرغموا الإسرائيليين على ذلك بالقوة. وثانيا، ان تتحول الضفة الى نقطة تجمع للأصوليين والثوريين من كل دول العالم.

ماذا سوف يحدث اذا أصبح العراق مثل الضفة الغربية؟ يقول السيناريو «سوف يشهد العراق ام الانتفاضات التي قد لا تتوقف أبدا، وذلك لأن المقاتلين المتطرفين من كل دول العالم سوف يهاجرون الى العراق لقتل الاميركيين». وأخيرا، يقول بارنيت، ان فشل سيناريو «الضفة الغربية الاميركية» سوف يمهد الطريق لآخر السيناريوهات: «سقوط النسر الأسود» حيث تهزم القوات الاميركية وتنسحب مثلما حدث لها في الصومال.