محاكمات غوانتانامو في أسبوعها الأول: غموض وقلة خبرة ومطالب متهمين نقلت إلى واشنطن للبت فيها

TT

على عكس محاكمات النازيين التي قام بها قضاة وقانونيون ذوو خبرات واسعة، يعلمون أن العالم كله كان يراقبهم عن قرب، فإن بداية المحاكمات التي بدأت الاسبوع الماضي في قاعدة غوانتانامو الاميركية في كوبا، شابتها الفوضى وعدم الخبرة وانعدام اليقين. فمع نهاية احدى الجلسات بدا الضابط الذي يرأس المحكمة في حيرة مطلقة من أمره أمام احدى مناورات الدفاع، بحيث وضع يديه على وجهه قبل أن يتمكن من إصدار أي قرار. وفي مرات عديدة انهار نظام الترجمة. وفي لحظة أخرى، رفض متهم يمني، ان يمثله محام عينته المحكمة وبدأ يعترف بانتمائه الى تنظيم «القاعدة» قبل أن يتمكن الضباط من السيطرة على الوضع من جديد. كذلك، فإن العالم الخارجي لم ير سوى لمحات عابرة من المحاكمات التي جرت تحت قيود صارمة من السرية تمنع نشر أية صور أو تسجيلات لما يدور داخل المحاكم.

وبعد أربعة أيام، أعلن المراقبون الدوليون القلائل الذين سمح لهم بحضور الجلسات، أن هذا النظام «ينطوي على نقائص قاتلة». وقالت جمانة موسى من منظمة العفو الدولية: «هناك لحظات كنت أقول فيها لنفسي: إنهم قرروا مسبقا إدانة هؤلاء الناس في هذه المحاكم. كان الأمر كله محيرا ومزعجا».

وقال الكولونيل بالجيش الأميركي ديفيد ماكوليامز، المتحدث باسم اللجنة العسكرية المشرفة على المحاكمات ان احداث الاسبوع الماضي أثبتت أن الإجراءات كانت «متوازنة، لكنها تحتاج إلى بعض الإحكام».

واتبعت الاجراءات التي اتخذت ضد المتهمين نظاما لم يستخدم منذ أكثر من خمسين سنة. وكان نظام اللجان العسكرية استخدم أثناء الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد ضد مجموعة تخريب نازية ألقي القبض عليها في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، ثم أهمل ذلك النظام حتى لحظة إحيائه من قبل الرئيس جورج بوش لمحاكمة المتهمين بأعمال الإرهاب بعد حرب أفغانستان. ولذلك فإن اللجنة العسكرية المكونة من خمسة ضباط والتي بدأت الاسبوع الماضي النظر في القضايا الأولى، لم تكن أمامها أية سوابق لتتبعها، وبدت في كثير من الأحيان في حيرة من أمرها حول الإجراءات الملائمة.

فيوم الثلاثاء رفض المتهم اليمني علي حمزة أحمد سليمان البهلول، المحامي العسكري الذي عين للدفاع عنه، وشرع في إلقاء خطبة طويلة اتضح أنها نوع من الاعتراف، وذلك قبل أن يوقفه الضابط الذي يرأس اللجنة. ويبدو أن رئيس اللجنة الكولونيل بيتر براونباك فوجئ تماما بما قام به المتهم فطلب من زملائه في اللجنة تجاهل ما أدلى به المتهم. وقال بهلول: «أيها الناس في كل أنحاء العالم، ليكن في علمكم أن الحكومة الأميركية لم تعرضني إلى أي نوع من الضغط. إنني أنتمي إلى منظمة القاعدة والعلاقة بيني وبين 11 سبتمبر...»، وهنا أوقفه الضابط المسؤول.

وقد كشف استجواب العضو المناوب في اللجنة محدودية المعارف القانونية لأعضائها. فقد سأل محامي الدفاع، تشارلز سويفت، ضابط سلاح البحرية، عضو المحكمة المناوب، ما إذا كان يعرف المصدر الأساسي للقانون الدولي، قائلاً: «هل تعرف ما هي اتفاقيات جنيف، سيدي؟» فأجاب اللفتنانت كورت كوبر: «ليس على وجه التحديد. لا أعرفها، سيدي. هذا إذا شئت الأمانة».

مثل هذه الحادثة وغيرها، دفعت ممثلي المنظمات غير الحكومية إلى الدعوة لتكوين محاكم يشرف عليها قانونيون حقيقيون. وقالت ديبورا بيرلستاين، مندوبة المنظمة الحقوقية «هيومان رايتس فيرست»: «لقد طلبنا من خمسة أعضاء مقتدرين من اللجنة، والذين يفتقرون كليا إلى أي تدريب قانوني، أن يقرروا في مسائل دستورية، وقضايا تتعلق بالقانون الدولي، كلها بالغة التعقيد، مع أن هؤلاء الأعضاء يجدون صعوبات في فهم مصطلحات مثل «الصلاحية القانونية» و«العملية القانونية المتكاملة»، وهي مصطلحات أساسية، يطعن الجهل بها في أهلية هؤلاء الأشخاص، ويضع المسألة كلها موضع الشك، لأنها تفتقر إلى أية قاعدة يمكن أن تقوم عليها».

واعترف ماكوليامز، المتحدث باسم اللجنة، ببعض هذه المشاكل، وقال: «لا يتوقف الأمر على أننا نستخدم إجراءات لم تستخدم منذ الحرب العالمية الثانية، بل نحن نفعل ذلك في منطقة معزولة كليا. اننا نحتاج إلى التأكد من سلامة الترجمة، ولكنني أعتقد أن العملية القانونية أنجزت مثلما هو مطلوب منها، فقد سمحت بتقديم دفاع قوي على مرأى ومسمع من العالم».

لكن رؤية العالم وسمعه كانت تحدهما حدود لا حصر لها. فلم يشهد الجلسات سوى أقل من مائة شخص، وذلك تنفيذا لأوامر الجنرال جون التنبورغ، الذي يشرف على كل المحاكم. يضاف إلى ذلك أنه لم يسمح لأي شخص خارج القاعة أو القاعات المجاورة بسماع ما يدور فيها. كما أن المحاكمات لم تكن منقولة من خلال التلفزيون. ولم تظهر صور المتهمين بارتكاب جرائم الحرب كما حدث في محاكمات النازيين.

وقد وصل إلى هذه الشريحة من الأرض الكوبية التي تحتلها الولايات المتحدة 54 صحافيا من 37 منظمة اخبارية، و5 من مندوبي المنظمات الحقوقية لحضور المحاكمات، لكن كان عليهم أن يدونوا ما يسمعون بمنتهى السرعة، إذ لم يسمح للصحافيين بأكثر من أوراق وأقلام. وقال المسؤولون انه ليس مسموحا بالتسجيل، رغم أن آلات التصوير كانت تنقل صور المحكمة إلى غرفة المشاهدة. وعليه، سمح للصحافيين أن يحتفظوا فقط بما كتبوه بأيديهم، ولن يسمح بنشر تسجيل صوتي اكتشف بعد نشوب نزاع حول دقة الترجمة.

وبينما تحاول اللجنة إرساء السوابق الخاصة بها، فإن كثيرا من القضايا تحال إلى واشنطن. وعلى سبيل المثال فإن التنبيرغ سيحدد الآن ما إذا كان بإمكان اليمني البهلول أن يترافع بنفسه في قضيته، كما سيقرر في طلب بتعيين محام يمني للدفاع عنه. ويقول الخبراء القانونيون ان المحاكمات ستتأخر كثيرا اثناء النظر في هذه المسائل وحسمها.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»