مؤيدو التمديد للرئيس اللبناني يتوقعون غالبية نيابية مريحة والحص يتخوف من «تأبيد» رئاستي البرلمان والحكومة

البطريرك صفير يستهول «ما دبر في الليل ونفذ في النهار بسرعة خاطفة»

TT

قوبلت موافقة مجلس الوزراء اللبناني على تعديل المادة 49 من الدستور لتمديد ولاية رئيس الجمهورية اميل لحود ثلاث سنوات بعد انتهاء ولايته الحالية في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بردود فعل واسعة في الاوساط الدينية والسياسية اللبنانية، راوحت بين مرحب وآمل «باصلاحات» يحققها الرئيس الممدد له، كما قال الرئيس السابق للحكومة سليم الحص، وبين مستهول لما «دبر في ليل ونفذ في النهار بسرعة خاطفة»، كما لاحظ البطريرك الماروني نصر الله صفير الذي اعتبر ان تعديل الدستور لتمديد ولاية الرئيس لحود «يخرج عن المألوف، وكأن لبنان اصبح كرة قدم تتقاذفه المصالح الاقليمية والدولية، وكأن المعنيين مباشرة قد صودروا ليدلوا برأي مفروض عليهم فأطاعوا صاغرين». وفيما توقع مؤيدون للتمديد ان يقر التعديل الدستوري بغالبية نيابية مريحة، دعا النائب المعارض بيار الجميل الى تحرك شعبي شامل في كل المناطق اللبنانية رفضاً لتعديل الدستور.

وفي ما بدا انه تحوط لتداعيات محتملة، دعا البطريرك صفير في عظة الاحد التي القاها امس في كنيسة مقره الصيفي في الديمان (شمال لبنان)، الى «اليقظة ومحاذرة الانسياق وراء الغرائز والنزوات». وقال: «ان ما حدث بالامس، على صعيد الدستور اللبناني، والرئاسة الاولى، يخرج عن المألوف، فدبر في ليل ونفذ في النهار بسرعة خاطفة، كأن هناك سباقاً بين هذا الحدث وسواه من احداث مجهولة، وكأن لبنان اصبح كرة قدم تتقاذفه المصالح الاقليمية والدولية، وكأن ابناءه باتوا غرباء عنه لا رأي لهم فيه، ولا شأن في امورهم الوطنية، وكأن المعنيين بهذا الحدث مباشرة قد صودروا ليدلوا برأي مفروض عليهم، فأطاعوا صاغرين. وهذا يستدعي شديد الاسف، وبالاخص انه حدث يتطلب متسعاً من الوقت للتفكير ولتقليب وجوه الرأي والتبصر في ما ينتج عنه من عواقب يتعلق عليها مصير بلد وشعب. وانا ادعو الجميع الى اليقظة ومحاذرة الانسياق وراء الغرائز والنزوات. ونسأل الله ان يكون في عون لبنان واللبنانيين».

وقد عرض البطريرك صفير التطورات الرئاسية مع زواره امس وفي مقدمهم رئيس الرابطة المارونية الوزير السابق ميشال اده والحاكم السابق لمصرف لبنان ميشال خوري ورئيس حزب «الوطنيين الاحرار» المعارض دوري شيمعون الذي قال: «ان ما جرى في مجلس الوزراء هو انقلاب عسكري مغلف بديمقراطية مزيفة. وهو مرفوض كلياً، مبدئياً وقانونياً، لانه لا يجوز المس بالدستور ولا يجوز الاستهتار بالرأي العام اللبناني وبالرأي العام الدولي. وبالرغم من نجاحهم في دفع رئيس الحكومة الى دعوة مجلس الوزراء واتخاذ القرار الذي اتخذ، الا ان هذا الامر لا يليق بلبنان. وبالرغم من التدخل السوري المرفوض كلياً نتوقع حصول ردة فعل محلية ودولية قريباً تسهم في اعادة تصحيح الامور».

في المقابل، دعا نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان الشيخ عبد الامير قبلان الى «تجاوز محطة الاستحقاق الرئاسي، بعدما حط رحاله على خيار التمديد لرئيس الجمهورية العماد اميل لحود مجدداً». وطالب بـ«طي صفحة الطروحات والمشاورات والخيارات التي سبقت هذا الاستحقاق لان لا حاجة لها».

اما الرئيس الحص فتمنى «لو اتخذت مقاربة الاستحقاق الرئاسي منحى آخر غير التمديد». وقال: «من حقنا ان نعترض على مبدأ التمديد مع احترامنا الكلي لشخص الرئيس لحود». وابدى مخاوفه من «ان نكون قد وقعنا في محظور التأبيد في رئاستي مجلس النواب ومجلس الوزراء حيث يبقى رئيساهما الى ما شاء الله». وقال: «من حقي ان لا اكون من المعجبين بأي منهما، فالرئيس نبيه بري (البرلمان) كتب سيرة حياته وكان حريصاً فيها على اظهار مدى التعارض الذي كان بيني وبينه. ولم يتورع عن اطلاق مزاعم واخاريص لا اساس لها من الصحة في معرض التنديد بي. اما الرئيس رفيق الحريري فلم يتورع عن توظيف امكاناته المادية والاعلامية الهائلة في حملة تشهير جائرة ومضللة ضدي لمجرد انني حللت محله في رئاسة الوزراء لفترة من الزمن».

واضاف الحص: «اقول كل هذا لاستخلص: اذا كان التمديد لرئيس الجمهورية سيكون سبباً للتمديد للطاقم الحاكم الذي تختصره فعلياً الرئاسات الثلاث، فالخطب جلل. مع انني لا اعترض على الرئيس لحود شخصياً واجلّ مزاياه. فالناس تحلم بالتغيير ولم تفقد بعد املها في مستقبل افضل لاولادها واحفادها داخل وطنهم وليس في المهجر».

واعتبر نائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في تصريح له امس ان «ليس هناك خطر على الدستور اذا عُدّل لمصلحة انتخاب الرئيس مجدداً. كما انه ليس هناك خطر اذا لم يعدل الدستور لمصلحة اختيار رئيس جديد»، موضحاً ان ذلك «امر مشروع وهو عمل من ضمن الدستور اللبناني. وان اي اختيار لرئيس الجمهورية هو اختيار سياسي بامتياز. وهو اختيار للشخص وليس للقانون، فالقانون هو الذي يأتي بالشخص الذي يراه مناسباً».

ولفت الى «ان الآراء الخارجية التي نواجهها ليست لها قيمة لان القيمة في النهاية لصناديق الاقتراع في المجلس النيابي. وان التمنيات الخارجية لم تعد فاعلة في لبنان بالقدر الكافي».

المرشح لرئاسة الجمهورية قبل التعديل الدستوري النائب بطرس حرب اعتبر ما جرى في مجلس الوزراء «تزويراً لارادة الذين انتخبوا الرئيس لحود عام 1998 (لست سنوات) فجاء التعديل يمدد ولايته لتسع سنوات». وقال، في كلمة القاها امس امام وفود شعبية زارته في بلدته تنورين (شمال لبنان) تضامناً معه: «يبدو ان هناك قراراً اتخذ. وما من احد يعرف من اتخذه لحرمان الشعب من التعبير عن رأيه. وحرمونا في بلدنا من حق تداور السلطة».

واضاف: «ان ما جرى اعتداء على الدستور لمصلحة شخص... والمطلوب الآن من ممثلي الشعب (النواب) ان يصادقوا، ولا اريد ان اقول ان يبصموا، على القرار الذي اتخذه غيرهم. وانا لن اكون شريكاً في البصم على هذا القرار». وابدى تخوفه من «ان يؤدي الكباش بين اميركا وسورية على ظهر لبنان الى كسر ظهره».

النائب الكتائبي بيار الجميل، قارن بين موقف حزب «الكتائب» من دور المفوض السامي الفرنسي عام 1943 وبين ما سماه «فخامة المحافظ» في العام 2004. وقال في كلمة القاها امس: «بيار الجميل (جدّه) سنة 1943 اعلن رفضه لفخامة المفوض السامي، ونحن اليوم في العام 2004 نعلن رفضنا لفخامة المحافظ. ولن نقبل الا بفخامة الرئيس الذي يحافظ على الدستور اللبناني، وليكن شعارنا منذ الآن حرية، سيادة، دستور. ولنعلن شرعية معركتنا اولاً. نحن نريد انتخابات الرئاسة محطة لبنانية مبنية على الدستور وليس محطة اضافية لانتهاك الدستور وضرب وحدة البلد». واعتبر «ان التمديد الرئاسي هو تمديد لضرب المؤسسات ولسياسة الفساد والصفقات والقمع والحقد والانتقام، وللجزر الامنية والمحميات والمحسوبيات ولتغييب دور لبنان». ودعا النواب الى «تحمل مسؤولياتهم امام الشعب الغاضب والصابر والمحتاج، والى الوقوف وقفة ضمير وعنفوان».

وخلص الجميل الى دعوة المحازبين الكتائبيين الى «تحرك شعبي شامل في كل المناطق اللبنانية رفضاً لهذا القرار المهين والذي ذكرنا بديكتاتوريات صارت من الماضي. واذا كان البعض يعتقد ان القرار جاء من سورية ولا مجال لمعارضته فنحن نقول لهم اننا نرفض هذا القرار الخاطئ وسنواجهه، والشعب اللبناني لن يركع وهو حصن الدفاع الاول والاخير عن لبنان».

المرشح الآخر للرئاسة النائب بيار غانم دعا امس الى «التحلي بالرصانة والابتعاد عن ردات الفعل». وقال: «بعدما توضحت الرؤية في مسار الاستحقاق الرئاسي علينا ان نساهم، مسؤولين ومواطنين، في لبننة الاستحقاق وجعل الخيار والقرار في مجلس النواب».

ودعا رئيس حزب الكتائب، وزير التنمية الادارية كريم بقرادوني «اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً الى ادراك خطورة الحملات الدولية ضد تعديل الدستور في لبنان، لان غرضها توطين الفلسطينيين عن طريق تدويل القضية اللبنانية»، وقال: «ان هجمة الافتراءات التي تعرض ويتعرض لها الرئيس لحود قبل التعديل وبعده موغلة في شراستها، ويبدو انها مستمرة. وقد كشفت الوقائع الاخيرة ان هذه الهجمة لا تنبع من مصلحة لبنانية، بل هي موجهة من الخارج».

واعتبر وزير السياحة علي حسين عبد الله ان التمديد للرئيس لحود «هو لمصلحة لبنان والدول العربية». وزير الدولة رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان اعتبر «ان الوضع الاقليمي المتفجر والمقولات الاميركية حول الشرق الاوسط الجديد ولغة التوطين حملت مجلس الوزراء على فتح دورة استثنائية لمجلس النواب بغية تعديل المادة 49».

وزير الشؤون الاجتماعية اسعد دياب دعا، في كلمة القاها في بلدة المنارة (البقاع)، الى «تكاتف السلطة والشعب حول الرئيس اميل لحود، والتضامن مع الشقيقة سورية لانقاذ ما تبقى لدينا...». ودعا الوزير السابق النائب محمود ابو حمدان الرئيس لحود والفريق الذي سيكون معه الى الاتجاه نحو معالجة الوضع الاقتصادي المتدهور.

عضو كتلة «قرار بيروت» النائب ناصر قنديل تساءل: «لماذا لا تضم جبهة المعارضين (لتعديل الدستور) الا الذين كانوا ينتسبون الى جبهات الحرب الاهلية او النواب الذين صوتوا الى جانب اتفاق 17 مايو (ايار)؟ لماذا لا نجد مقاوماً واحداً ولا حزباً واحداً ولا زعيماً واحداً من الذين دعوا الى المقاومة وانخرطوا في صفوفها؟».

الى ذلك، توقف قطب سياسي امام الاجواء السلبية التي اثيرت حول اقرار مجلس الوزراء تعديل الدستور لتمديد ولاية الرئيس لحود وقال: «ان مجلس الوزراء الذي تتمثل فيه الكتل النيابية الاساسية وافق على مشروع التعديل الدستوري وتبناه، ما يعني موافقة الكتل النيابية الكبيرة، الامر الذي يعطي صورة عن حجم التأييد النيابي. حتى ان كتلة النائب وليد جنبلاط التي عارضت، كانت معارضتها منطلقة من اعتبارات مبدئية تتصل بتعديل الدستور».