بيان للمطارنة الموارنة يحمل بعنف على التدخل السوري ويعتبر أن «لبننة الاستحقاق» صارت «سورنة الاستحقاق»

TT

رسم المطارنة الموارنة في لبنان صورة قاتمة للوضع اللبناني في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والقضائية، منتقدين بعنف التدخل السوري في الشؤون اللبنانية، غامزين من قناة العبارة التي اطلقها الرئيس السوري بشار الاسد على الاستحقاق الرئاسي في لبنان الداعية الى «لبننة الاستحقاق» بالقول بأن ما يحصل هو «سورنة الاستحقاق». واعتبر المطارنة الموارنة في بيان اصدروه امس بعد اجتماع عقدوه برئاسة البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير حمل عنوان «النداء الخامس» ان «تعديل الدستور (للتمديد لرئيس الجمهورية اميل لحود) يجري خلافاً للدستور، لأن الكلمة الاخيرة في لبنان ليست للبنانيين». وفيما لفت البيان الى «ان سورية عندما أقامت الوحدة مع مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر رفضها الشعب السوري لأسباب معروفة»، أكد في الوقت نفسه على «عدم المجاهرة بالعداء لسورية خصوصاً ان المصلحة المشتركة تقضي بأن تقوم بين البلدين اصدق علاقات الاخوة والمودة».

وتناول المطارنة الموارنة في بيانهم مسائل لبنانية عدة وزعت تحت عنوانين رئيسيين، الاول تناول «اسباب اليأس الكثيرة»، معدداً بعضاً منها، والثاني الجواب على سؤال «من المسؤول» عن «كل الصعوبات التي تعترض سبيل اللبناني».

وتحدث البيان بشيء من الاسهاب عن «انسداد الافق في وجه الشباب اللبناني الذي يخرج من الجامعات مزوداً اعلى الشهادات الجامعية ويبحث عن عمل فلا يجده». وعن «الديون الباهظة التي تثقل كاهل المواطنين وقد بلغت حدود الاربعين مليار دولار»، مشيراً الى قول احد العاملين في المؤسسات المالية الدولية من «ان البنك الدولي اشار في تقرير له اصدره في يوليو (تموز) الماضي الى ان دينامية الدين ستظهر آجلاً ام عاجلاً، عجز الحكومة عن ادارة خدمته، وان الانهيار آت لا محالة في آخر النفق».

وتوقف البيان عند «التجاذب القائم بين الجالسين على رأس الهرم في السلطة، وانعكاس ذلك في سلوك بعض المسؤولين الذين يحجمون عن تنفيذ مقررات مجلس الوزراء ويكيلون الانتقاد لممارسات رؤسائهم وأقرانهم».

وتحدث عن «انتشار الخوة في كل الدوائر الرسمية»، وعن «استشراء الفساد في صفوف بعض المسؤولين ومن بينهم من يحتلون مناصب عالية»، متهماً اياهم بأنهم «يتقاسمون الدولة على عائداتها فيثرون بطرق ملتوية». وانتقد المطارنة الموارنة في بيانهم «المحسوبية القاتلة التي تحشر المحاسيب والازلام في دوائر ووظائف لا كفاية لهم فيها». كما انتقد ايضاً ما اسماه بـ «القضاء المسيس» الذي «يرهق المواطنين ويمتهنهم ويضيع عليهم حقوقهم ويفسد النظام الديمقراطي، ويحول من دون مجيء المغتربين وغير المغتربين للتوظيف في لبنان، وخلق فرص عمل، وهذا امر أصبح معروفاً». وقال البيان انه «يكفي ان يتوسط، ولو هاتفياً، من له الكلمة العليا في الشأن اللبناني، وهو ليس بلبناني، ليأمر باعتقال هذا والافراج عن ذاك، وبتكوين ملف لهذا والامتناع عن اعتقال ذاك، ولو ارتكب اشنع الجرائم»، لافتاً الى «ان تهمة الاتصال باسرائيل اصبحت اهون التهم واقربها منالاً، وبات القضاء موضع استخفاف لدى بعض كبار المسؤولين الذين يتجاهلونه، حتى ولو طُلب منهم المثول امامه لاداء شهادة».

ورأى البيان ان «الانماء المتوازن اقتصر على العاصمة بيروت، وأهملت المناطق فهجر اهلها بلداتهم وقراهم الى المدينة حيث يصبح بعضهم نكرات يهدرون كراماتهم، ويتجرأون على الانغماس في الموبقات».

وبعد ان تطرق البيان الى «الهدر الذي لا حد له» و«الفقر المنتشر في معظم طبقات الشعب متوقفاً عند بعض الدراسات التي دلت على ان 40 بالمائة من العائلات اللبنانية تعيش تحت مستوى الفقر»، توقف عند «الشكوى الاخيرة التي تتمحور حول الاستحقاق الرئاسي، وهي تعديل الدستور خلافاً للدستور، وفرض هذا التعديل من خارج البلاد بخفة، وتسخير المؤسسات الدستورية لإقراره، وإكراه الوزراء والنواب على اتخاذ مواقف لا يريدونها بقطع النظر عن الشخص. فيما يُطلب من النواب في القريب العاجل ان يبدوا رأيهم بحرية، واضعين امام ضميرهم مستقبل اولادهم من دون مبالاة بما يلقون من تهديد ووعيد بدت طلائعهما منذ اليوم في بعض المجالات».

وحمل البيان مسؤولية كل ما تقدم الى «افساد النظام الديمقراطي الذي يتميز به بلدنا»، موضحاً ان «الشعب لا يقوى على المجيء بمن يريده لتمثيله في المجلس النيابي، ولا يستطيع محاسبته او مساءلته اذا اساء الامانة. ومن جاهر برأي يخالف الرأي الرسمي لوحق، والقي القبض عليه، وناله ما يكره، والانقسامات باعدت بين الصفوف، وهناك من يعمل على إحداثها وتعميقها بالترغيب والترهيب. وكلما تقارب فريق اسلامي من فريق مسيحي، او تلاقت جماعة مسيحية وجماعة اسلامية، جاء من يفرّق بينها بالتهديد والوعيد، وقد اصبح ذلك امراً مشتهراً، ويمكن ايراد الاسماء والوقائع، وهذا ما يحول من دون قيام مصالحة شاملة تعيد الناس بعضهم الى بعض، وتضع حداً للمظالم التي لحقت ببعض اللبنانيين وفي مقدمهم الدكتور سمير جعجع والمنفيون والمعتقلون. لذلك يشعر فريق من اللبنانيين بعد مضي ست عشرة سنة على اتفاق الطائف، انهم مهمشون، وغير مرغوب فيهم في بلدهم».

وسأل بيان المطارنة الموارنة «من المسؤول» وأجاب: «دخلت سورية لبنان بجيشها منذ سنة 1976 اي منذ ثماني وعشرين سنة. ولا نريد ان نعود الى الماضي البعيد او القريب. وكان هناك فريق من اللبنانيين عليها، فانقلب معها، والعكس صحيح، وكان اتفاق الطائف الذي نص، في ما نص عليه، على خروج الجيش السوري من لبنان بعد مضي سنتين على توقيعه. وقد انقضت على توقيعه ست عشرة سنة. ولا تزال الامور على ما هي عليه، وان طرأ عليها بعض التغيير. واصبح معلوماً ان الكلمة الاخيرة في لبنان ليست للبنانيين بل للسوريين. مع ان لبنان بلد اعترفت الامم المتحدة، بعد خروجه من الانتداب الفرنسي، باستقلاله وسيادته، اللذين حصل عليهما قبل سورية».

واضاف: «نقولها ببساطة، تُعتبر سورية انها مسؤولة وحدها عن لبنان منذ دخولها اياه منذ سنة 1976، وخاصة بعد اتفاق الطائف، وكأنه اقليم سوري. وبالأمس نشرت احدى الصحف السورية في مجال الحديث عن الرئاسة الاولى في لبنان، فقالت ان سورية هي الناخب الأكبر ان لم يكن الأوحد في لبنان، وكأنه قد خلا من مواطنين لهم رأيهم في ما يحدث من امور تتعلق بهم قبل غيرهم، وتحدد مصيرهم ومستقبل اولادهم، وهذا قول دلت عليه الاحداث الاخيرة، فتحولت «اللبننة» الى «سورنة صافية» لا يداخلها اي رأي لبناني». وقال البيان ان «سورية اذا كانت قد ساعدت لبنان في بعض المجالات، فقد ارهقته في مجالات اخرى. فهي تأمر وتنهي فيه، وتعين الحكام، وتنظم الانتخابات النيابية وغير النيابية، وتأتي بمن تشاء، وتبعد من تشاء، وتتدخل في جميع مرافق لبنان من ادارة، وقضاء، واقتصاد، وخاصة سياسية، عبر ممثلها فيه ومعاونيه».

وفيما ذكّر البيان «ان سورية عندما أقامت الوحدة مع مصر في عهد الرئيس عبد الناصر، رفضها الشعب السوري لأسباب معروفة»، اكد على «اننا لا نريد ان نجاهر بالعداء لسورية، ولا ان ننفي اية مسؤولية عن اللبنانيين بل نريد هنا ان نؤكد اننا لا نعتقد ان في لبنان من يضمر العداء لسورية، وان المصلحة المشتركة تقضي بأن تقوم بين البلدين اصدق علاقات الاخوة والمودة». وتمنى البيان «ان يقوم في لبنان حكام يجاهرون بهذه الحقيقة بوضوح للحكام في سورية، لتستقيم العلاقات».