باريس تؤكد أن صحافييها المختطفين في العراق بـ«صحة جيدة» وتعترف بوجود عناصر من استخباراتها في بغداد لإنقاذهما

وفد من مسلمي فرنسا بحث الأزمة مع هيئة العلماء السنة وتوقع الإفراج «قريبا» عن الرهينتين

TT

اكد السفير الفرنسي في بغداد برنار باجوليه مساء أمس ان الصحافيين الفرنسيين المحتجزين في العراق «على قيد الحياة وفي صحة جيدة ويلقيان معاملة طيبة». وقال ان «هذه المعلومات وصلت اليوم». وكان وفد المجلس الاعلى للديانة الاسلامية الذي يمثل مسلمي فرنسا والذي قام بزيارة الى بغداد لبضع ساعات ناشد بعد لقائه مع هيئة العلماء المسلمين (السنة)، الخاطفين «باسم الله والقرآن الكريم» الافراج عن الصحافيين الفرنسيين.

ولا يزال الغموض يكتنف مصير الصحافيين كريستيان شينو وجورج مالبرونو اللذين فقدا منذ العشرين من أغسطس (آب) مع سائقهما السوري محمد الجندي. واعلنت مجموعة اسلامية تطلق على نفسها اسم «الجيش الاسلامي في العراق» انها تحتجز الصحافيين مطالبة بالغاء قانون حظر الحجاب في المدارس العامة الفرنسية.

الى ذلك، ذكرت مصادر دبلوماسية ان وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه أجرى قبل ظهر أمس في عمان مباحثات مكثفة مع معاونيه حول مستجدات قضية الصحافيين الفرنسيين، في حين اعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الفرنسية جان فرنسوا بورو أمس ان الوزارة تساهم عبر «الاستخبارات والخبرة» في جهود فرنسا للافراج عن الصحافيين الفرنسيين المحتجزين في العراق.

واجرى بارنييه اتصالات هاتفية مكثفة مع السفارة الفرنسية في بغداد خصوصا بشأن هذه القضية. واوضحت المصادر ذاتها ان «الوزير يجري تقييما مستمرا للوضع»، من دون الاشارة الى الفترة الزمنية التي سيبقى فيها الوزير الفرنسي في عمان. وكان بارنييه اجتمع صباح أمس مع اعضاء وفد المجلس الاعلى للديانة الاسلامية الفرنسي الذي يضم نائبي رئيس المجلس محمد بشري الذي يترأس الاتحاد الوطني لمسلمي فرنسا وفؤاد علوي رئيس اتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا الى جانب عبد الله ذكري الذي يمثل مسجد باريس.

وجاء وصول الوفد الى عمان بعد ساعات من وصول بارنييه الى العاصمة الاردنية آتيا من الدوحة، وذلك في ثاني زيارة له الى عمان خلال 24 ساعة تقريبا.

واكد العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني خلال استقباله لبارنييه الثلاثاء الماضي تعهد الاردن المساعدة في الجهود الرامية للافراج عن الصحافيين الفرنسيين. وصرح بارنييه في الدوحة «اننا عازمون على المضي قدما ونأمل بان تلقى كل الرسائل التي صدرت عن الدول العربية والاسلامية وعن فرنسا، فرنسا المتنوعة ولكن المتضامنة تماما، آذانا صاغية». واضاف «لقد اجرينا كل الحوارات الممكنة وتم ارسال كل الرسائل وآمل ان تجد آذانا صاغية».

وقال بورو خلال مؤتمر صحافي «اننا نقدم مساهمتنا عن طريق الاستخبارات والخبرة التي تعتبر الوسائل الاساسية الضرورية». واضاف ان مساهمة وزارة الدفاع «تندرج في اطار مبادرات سياسية ودبلوماسية» اطلقتها باريس للافراج عن الصحافيين و«ما من دبلوماسية موازية للاستخبارات».

وردا على سؤال حول وجود الجنرال فيليب روندو معاون وزارة الدفاع في شؤون الاستخبارات على الارض، قال المتحدث «نعم الجنرال روندو بين الذين يلعبون دورا لكنه ليس وحده. انه يعمل الى جانب جهات اخرى». وذكرت وسائل اعلام فرنسية لا سيما صحيفة «لو موند» أول من أمس ان الجنرال روندو «الخبير في الدبلوماسية السرية»، «اوفد منذ ايام الى العراق».

وفي عددها الصادر امس ذكرت «لو نوفيل اوبسيرفاتور» ان «امين عام وزارة الخارجية الفرنسية هوبير كولين دو فيرديير (...) اصطحب معه (خلال رحلته الاخيرة الى بغداد) خبيرا في شؤون العالم العربي هو مفاوض كبير شارك في محادثات لتحرير الرهائن الفرنسيين في لبنان الجنرال روندو الخبير الكبير في الدبلوماسية السرية».

من جهته قال جان دو بولو، مدير تحرير صحيفة لوفيغارو «حصل اتصال غير مباشر مع موفدين»، مشيرا الى ان الامر يتعلق بـ«اتصالات جدية». وعبر دو بولو عن «تفاؤل حذر»، مشيرا الى «ضرورة المضي في الجهود المبذولة» من اجل الافراج عن شينو، مراسل اذاعتي فرنسا الدولية وراديو فرانس الرسميتين ومالبرونو، الموفد الخاص لصحيفتي لو فيغارو ووست فرانس. واعلن ان رئيس الوزراء لم يرد نقل «امور كثيرة» بداعي الحذر، الا انه اشار الى وجود «اتجاهين داخل المجموعة التي تحتجز الرهينتين».

ووجه وفد المجلس الاعلى للديانة الاسلامية نداء الى خاطفي الصحافيين، داعين اياهم الى اطلاق سراحهم «باسم الله والقرآن». وقال أعضاء الوفد بعد اجتماع مع رابطة علماء المسلمين العراقية التي طالبت باطلاق سراح الصحافيين انهم يأملون ان يطلق الخاطفون سراح الرهينتين قريبا.

وقال محمد بشري في مؤتمر صحافي ببغداد «تلقينا دليلا على انهما لا يزالان على قيد الحياة وفي حالة طيبة. نحن متفائلون وواثقون من انه سيتم اطلاق سراحهما قريبا». وقال ذكري بعد لقائه بعدد من شيوخ هيئة علماء السنة في العراق «نوجه لكم نداء باسم الله والقرآن بأن تطلقوا سراح الرهينتين الفرنسيين». واضاف «اننا لا نستطيع ان نغادر العراق بدونهم. وعوائلهم تنظر الينا. بينوا لنا بأنكم مسلمون مثلنا. سلمونا الرهينتين». من جانبه، قال فؤاد علوي ان الوفد قرر القيام بجولات من اجل «مطالبة الخاطفين باسم الله الرحمن الرحيم باطلاق سراح الرهينتين». واضاف انه «بإطلاق سراحهما فان الخاطفين سيكونون قد قدموا خدمة جليلة للاسلام والجالية المسلمة». من جهته، اكد الامين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق الشيخ حارث الضاري ان الهيئة «لا علاقة مباشرة لها مع الخاطفين لكنها وجه لهم نداء اخر من اجل اطلاق سراحهم فورا».

الى ذلك، ناشدت حكومة البحرين مختطفي الصحافيين الافراج عنهما فورا. وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية البحريني الدكتور محمد عبد الغفار إن «عملية اختطاف المدنيين الابرياء لا تعكس الوجه الحقيقي للشعب العراقي وحضارته وتتنافى مع مبادئ الشريعة الاسلامية السمحاء». كما ادان المرجع الديني الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله أمس عمليات خطف رهائن «ابرياء»، سواء في روسيا او العراق، وقال ان «ذلك هو قمة الوحشية والهمجية التي يرفضها الاسلام». واستنكر حزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه نائب الرئيس العراقي ابراهيم الجعفري أمس خطف الصحافيين الفرنسيين في العراق، مؤكدا انه «يجب الفصل بين عملية الخطف وقرار منع الحجاب (في فرنسا) الذي يجب ان يعالج عبر القنوات القانونية». وقال ضياء الدين محمد القريشي المتحدث باسم المكتب الاعلامي للحزب «اننا نشجب اللجوء الى الاعمال التي يمقتها الدين الاسلامي وتدينها الشريعة الاسلامية والتي من شأنها ان تستعدي الرأي العام للاسلام والمسلمين وتضر بقضايانا الكبرى».

ودعا امين سر حركة فتح الفلسطينية في الضفة الغربية مروان البرغوثي من سجنه في اسرائيل امس الى الافراج عن الرهينتين الفرنسيين، بحسب بيان صادر عن «الحملة الشعبية لاطلاق سراح مروان البرغوثي». ودعا البرغوثي الذي يرأس ايضا «جمعية الصداقة البرلمانية الفرنسية الفلسطينية»، خاطفي الصحافيين الفرنسيين الى الافراج عنهما «باعتبارهما من اصدقاء الشعب الفلسطيني والعرب وتقديرا للموقف الفرنسي الرسمي والشعبي المساند والمؤيد للقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية».

وأعرب الشيخ ناظم عابد خليلوفيتش وهو من علماء الدين البوسنيين الناشطين عن استعداده للذهاب للعراق مع وفد اسلامي دولي بهدف السعي لاطلاق سراح الصحافيين الفرنسيين. وقال الشيخ خليلوفيتش في اتصال هاتفي مع «الشرق الاوسط» ان «ما قام به علماء الدين المسلمين في القارات الخمس كاف لاقناع الخاطفين باطلاق سراح الصحافيين الفرنسيين، ولكني على استعداد للذهاب للعراق مع وفد اسلامي دولي للمشاركة في الجهود الجارية».

كما ادانت «هيئة الصحافيين السعوديين» أمس عملية اختطاف الصحافيين الفرنسيين الاثنين في العراق، معتبرة انها «انتهاك بشع» لحرية الصحافة. وكتبت الهيئة في بيان وجهته لوكالة الصحافة الفرنسية انها «تتابع بقلق ما يحدث للصحافيين الفرنسيين من تهديد لحياتهما في العراق وهو ما يمثل استباحة لأبسط الحريات الاعلامية». واضاف البيان الذي وقعه رئيس الهيئة تركي السديري، رئيس تحرير صحيفة «الرياض» السعودية، ان الهيئة «تدين هذا الانتهاك البشع ايا كانت هوية وانتماء من مارس ذلك».

وجاءت ادانة الهيئة للاختطاف غداة مطالبة السلطات السعودية باطلاق سراح الرهينتين الفرنسيين.