مصادر فرنسية: باريس لن تذهب إلى حد التصويت على عقوبات على سورية بسبب الانتخابات اللبنانية

TT

أفادت مصادر فرنسية مطلعة، تعليقا على مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة الأميركية برعاية فرنسية وأوروبية والذي تصر الولايات المتحدة على إجراء التصويت عليه قبل انعقاد جلسة البرلمان اللبناني اليوم، أن باريس «ليست مستعدة الى حد الذهاب لفرض عقوبات على سورية لإلزامها بتنفيذ مضمون القرار».

ويدعو القرار المذكور الى خروج القوات السورية من لبنان «من دون أي تأخير» والى احترام السيادة اللبنانية والى إجراء انتخابات رئاسية «حرة وعادلة» ووفقا للدستور الموجود أي من غير تعديل.

وقالت المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن «موقف فرنسا من فرض عقوبات معروف»، مذكرة بأن باريس قالت «دائما» وبشكل عام إن أية عقوبات «يجب أن تكون فاعلة وذات صدقية»، حتي يمكن النظر بها. غير أن فرنسا عارضت باستمرار وبلسان أعلى مسؤوليها ومنهم الرئيس شيراك شخصيا العقوبات الأميركية على سورية والتي فرضتها واشنطن بصفة فردية.

وترى هذه المصادر أنه رغم التوافق الأميركي ـ الفرنسي حول القرار الجديد بخصوص السيادة اللبنانية، فإن باريس «تعرف أن هناك أجندة أميركية مختلفة عن الأجندة الفرنسية».

وفيما تدفع واشنطن وباريس باتجاه التصويت على مشروع القرار بالاصوات المضمونة له (9 اصوات) قالت المصادر الفرنسية انه بغياب إمكانية فرض عقوبات من شأنها حمل سورية على العمل بمضمون القرار، لا تعتقد باريس بأن القرار «سيغير شيئا إن على صعيد الإنتخابات الرئاسية أو على صعيد الهيمنة السورية على لبنان»، مما يمكن تفسيره بأنه ليس لباريس أية توهمات بخصوص فاعلية القرار الجديد.

وفي السياق عينه، لا يبدو أن باريس تعول كثيرا على البند السابع من القرار الذي ينص على وجوب تقديم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان تقريرا لمجلس الأمن خلال ثلاثين يوما وعلى «جاهزية المجلس للنظر في تدابير إضافية»، في إشارة ضمنية للعقوبات على أنواعها. وبحسب هذه المصادر، فإن ما جرى بخصوص دارفور والسودان «لا يؤمل كثيرا باحتمال تطبيق هذا البند والوصول الى فرض عقوبات على الأطراف المتمنعة عن تطبيق القرار» أي سورية.

وكشفت المصادر الفرنسية انه حتى تاريخ أمس، أظهرت الإتصالات التي جرت مع أعضاء مجلس الأمن أن القرار يمكن أن ينال عشرة أصوات، منها تسعة مؤكدة هي التالية: الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا واسبانيا ورومانيا وأنغولا وبنين والشيلي وربما انضمت الفلبين الى صفوف المؤيدين. وينتظر أن تمتنع روسيا والصين عن التصويت. وحتى بعد ظهر أمس، كان ينتظر أن تعارض باكستان والجزائر وربما البرازيل القرار. غير أن الإتصالات كانت ما تزال جارية لضم مزيد من الأعضاء لتأييد القرار.

وفي نيويورك أكدت المصادر الاميركية أنها «ضمنت» تسعة أصوات لدعم مشروع القرار وابلغ السفير الأميركي دانفورث اعضاء المجلس بأن حكومته تضغط من أجل ضمان التصويت على القرار. وكشف مسؤول اميركي بأن مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس اجرت سلسلة من الاتصالات الهاتفية مع مجموعة من عواصم الدول الأعضاء قي مجلس الأمن.

وذكرت مصادر مجلس الأمن أن الولايات المتحدة وفرنسا واجهتا اسئلة حادة وغاضبة من قبل بعض أعضاء المجلس اثناء المشاورات المغلقة خصوصا حول الأرضية القانونية التي يزج بها مجلس الأمن نفسه لكي يطالب سورية بسحب قواتها من لبنان. وكانت أكثر الدول المعارضة هي الجزائر العضو العربي في المجلس وباكستان. وقال السفير الباكستاني منير أكرم «هناك مشاكل وكل انواع المشاكل وأن هذا البلد قد غير دستوره من خلال آليات مقبولة فهل يملك المجلس الحق للتعليق على هذه المسألة». واضاف «إن الحكومة اللبنانية تملك الحق لتطلب من سورية مغادرة البلد»، وشدد على القول «اعتقد أن الحكومة وحدها التي تقرر وهناك عدد من الدول التي توجد على ترابها قوات اجنبية».

وفي باريس أبدت المصادر الفرنسية خيبتها من «طريقة تعاطي سورية مع الملف الرئاسي اللبناني»، وتساءلت عن الأسباب التي تدفع دمشق الى «تأليب الرأي العام الدولي ضدها والى تنفير مجلس الأمن والمخاطرة بفرض عقوبات عليها فيما هي في وضع صعب وتحتاج الى دعم أوروبا والدول الأخرى في مواجهتها للولايات المتحدة الأميركية». كذلك أبدت استغرابها للطريقة التي اتبعت لفرض تعديل الدستور والتمديد للرئيس لحود.

ويبدو من باريس أن العلاقات الفرنسية ـ السورية «أصيبت بنكسة» وفق تعبير مصدر دبلوماسي في العاصمة الفرنسية. وهذا من شأنه التأثير على مفاوضات دمشق مع الاتحاد الأوروبي من أجل التوقيع على معاهدة الشراكة التي تعثر التوقيع عليها بسبب إصرار الجانب الأوروبي على تضمينها بندا يتعلق بأسلحة الدمار الشامل، وهو ما رفضته سورية حتى الآن. وكانت دمشق تعول على «تدخل» فرنسي لتليين الموقف الأوروبي. لكن قضية الرئاسة اللبنانية أدخلت العلاقة الثنائية الفرنسية ـ السورية في ثلاجة لا يعرف أحد متى تخرج منها.