العاهل المغربي يوجه رسالة تهنئة إلى القذافي خارجة عن المألوف وتحدد معالم مستقبل اتحاد المغرب العربي

TT

يرى ملاحظون في العاصمة المغربية أن زيارة عبد الواحد الراضي رئيس مجلس النواب المغربي إلى ليبيا، تتعدى إطار تقديم التهاني باسم المملكة المغربية إلى القيادة الليبية في مناسبة الاحتفال بذكرى مرور ثلاثة عقود ونصف العقد على قيام ثورة الفاتح من سبتمبر، ذلك أن الموفد المغربي حمل معه إضافة إلى التهاني والتمنيات الصادقة، رسالة خاصة من العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى العقيد القذافي الذي استقبل الراضي في مدينة سرت، من دون أن تتكشف معلومات عما دار بين الزعيم الليبي ورئيس المؤسسة التشريعية المغربية الذي يعرف محاوره جيدا منذ أن كان أمينا عاما للاتحاد العربي الأفريقي المبرم في وجدة بين القذافي والملك الراحل الحسن الثاني. كما اجتمع الراضي بأمين مؤتمر الشعب العام وأثار معه، طبقا لما أوردته وكالة الجماهيرية للأنباء، مواضيع تفعيل مؤسسات وهياكل اتحاد المغرب العربي، مما يشير إلى أن المغرب ما زال يراوده الأمل في خروج الاتحاد من حالة الجمود التي أصابته لأسباب عدة أهمها تداعيات النزاع بين المغرب والجزائر حول الصحراء، إضافة إلى مشاكل من نوع آخر نشبت بين ليبيا وموريتانيا، تبادل البلدان إثرها اتهامات خطيرة.

وتستوقف الملاحظ، عبارات سياسية دالة، ضمنها العاهل المغربي رسالة التهنئة التي بعث بها إلى العقيد القذافي، ونشرت نصها وكالة الانباء المغربية. فقد كتب الملك محمد السادس، مخاطبا الزعيم الليبي بما يلي: «لي اليقين بأنكم بصفتكم من الرواد الموقعين على معاهدة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي، تشاطرونني الإيمان العميق بأن التفعيل الأمثل لروح ومنطوق هذه المعاهدة التاريخية بما ينطوي عليه من التزام بصيانة استقلال كل دولة من دول الاتحاد الخمس وسيادتها ووحدتها الترابية واحترام مقوماتها الوطنية، لمن شأنه توفير المناخ الملائم لتجسيد توجهنا المستقبلي المشترك نحو الاندماج على أسس سليمة وعقلانية لروح التآخي والوفاق». وربما توضح عبارات الرسالة الملكية بالأساس، النظرة المغربية لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين دول المغرب العربي، للخروج من الوضعية الحالية والتخطيط لمستقبل مفيد لكل مكوناته.

وبهذا المعنى، فإن الاتصال الأخير بين طرابلس والرباط الذي أملته المناسبة، هو استمرار للزيارات واللقاءات المستمرة بين العاصمتين على أكثر من صعيد لتعميق علاقات التعاون الثنائي بينهما من جهة، وللتشاور حول الأسلوب الأنجع لعلاج المشاكل الطارئة مثل الخلاف المستعر بين طرابلس ونواكشوط.

وهذا النهج الداعي للوئام واحتواء المشاكل ليس جديدا على المغرب ولا يُراد من ورائه جني مكاسب نفعية آنية. ولذلك فإن القادة الليبيين يقدرون في المغرب دائما هذا التوجه الداعي للوئام، لا سيما أنه مر بدوره بتجربة مريرة في العلاقات مع ليبيا، انتصرت فيها الحكمة والعقل. وتوصل الملك الراحل الحسن الثاني والعقيد الليبي إلى صيغة الاتحاد العربي الأفريقي الذي لم يعمر طويلا لأسباب خارجة عن إرادة الدولتين، ولكنه كان الإطار الأمثل لكي تنسل ليبيا كالشعرة من عجين نزاع الصحراء، فأوقفت دعمها السخي لجبهة البوليساريو التي تصدت بالسلاح لحقوق المغرب في أقاليمه الجنوبية التي خرجت منها إسبانيا عام 1975 . وقد ظل البلدان، المغرب وليبيا، وفيين لروح معاهدة وجدة، بدون هياكل وأجهزة إدارية وأمانة عامة دائمة.