«المصدر» يرتدي قناعا أسود ويقود الأميركيين بحثا عن الإرهابيين في تلعفر

طلب الجنود من مخبرهم أن يدلهم على المشتبه فيهم فقال «كل القرية.. كلهم إرهابيون»

TT

ارتدى العراقي الذي يعرف بـ «المصدر» ملابس العمل العسكرية الأميركية المستعارة فوق ملابسه في الجزء الخلفي من ناقلة الجنود المدرعة. ووضع قناعا أسود على رأسه غطى كل شيء باستثناء عينيه.

وخرج من العربة وخاطب المترجم الذي قام بدوره بمخاطبة آمر المجموعة الذي سيقود البحث عن الإرهابيين في هذا اليوم.

قال المترجم للكابتن اريك بيتي، آمر المجموعة الثالثة من الكتيبة الخامسة في فوج المشاة العشرين «انه يريد منك اعتقال جميع الرجال في القرية».

سأل بيتي «هل كلهم سيئون»؟

توجه المترجم الى المصدر، فقال «أجل كلهم سيئون».

قال بيتي «حسنا، ان ما سنفعله هو أننا سنضعك فوق الدبابة من نوع سترايكر ويمكنك إبلاغنا بوجهة تحركنا يمينا أو يسارا».

كانت هناك ست دبابات وعربات مدرعة تتحرك في الطريق بحثا العدو الشبحي الذي جعل مناطق كثيرة في العراق، بما فيها هذه المدينة الزراعية القصية القريبة من الحدود السورية، مناطق خطرة بالنسبة للقوات الأميركية.

وكشفت الساعات الست التالية الكثير عن التحديات التي يواجهها الجنود الأميركيون الذين يسعون الى العثور على الرجال الذين يحاولون قتلهم.

وقد سيطرت القوات الأميركية على تلعفر منذ يوم الأحد الماضي بعد معارك أودت بحياة 104 أشخاص وشردت ما يتراوح بين 50 الى 100 ألف من السكان. وفي يوم أول من أمس أعاد الجنود فتح المدينة أمام من هربوا منها. وكانوا يبحثون عن المتمردين بين الرجال ممن هم في سن الخدمة العسكرية من الداخلين الى المدينة، وبالطريقة الشديدة التي اقترحها المصدر.

وبدأ اليوم في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا عند نقطة التفتيش الثالثة على امتداد طريق أسفلتي.

ووضع بيتي المصدر في واحد من مكانين خلفيين يستخدمان عادة من قبل الرماة. وكان وجهه والجزء الأعلى من جسمه يخرج من العربة وهو يرشد القوات الأميركية الى قرية «تل الحار»، الواقعة في الضواحي الغربية للمدينة.

وقال المجند ماريو روتيغليانو، الموجود في الدبابة مع المجموعة المتجهة الى القرية، انه كان يعتقد ان لواء الدبابات قد هزم المتمردين المحليين، ولكنه توقع عودتهم ثانية. وقال «لا يهم كم عدد من نقتلهم. انهم يستمرون في المجيء ثانية. فلديهم جميعا أشقاء وأبناء عم. ولديهم تجهيزات لا تنتهي».

وتوقفت الدبابة في حقل قاحل بـ«تل الحار». وخرج الجنود منها وهم يحملون بنادقهم، متجهين نحو البنايات في الجانب الآخر. واندفع ستة جنود عبر باب بيت طيني يحتوي على غرفتين. كانت هناك 19 امرأة وطفلا في فناء الدار بينما كان الجنود يبحثون عن أسلحة. وجاء الجنود الى خزانات ملابس كبيرة فيها ملابس متناثرة وأقداح شاي صغيرة وبطانيات. دس الرجال بنادقهم في البطانيات الموضوعة في الرف الأعلى فتساقطت، وترك الجنود هذا الخليط المتناثر وغادروا البيت. وخارج البيت كان جنود آخرون يعتقلون سبعة رجال صفوهم بحيث كانت وجوههم مقابل الجدار الطيني المحيط بالبيت. وكان بعضهم يرتدون السراويل وآخرون الدشاديش، وأوثق الجنود أياديهم بحبال بلاستيكية وعصبوا عيونهم. قال احد الجنود مخاطبا احد المعتقلين «بوسعك البقاء صامتا. وكل ما ستقوله سيؤدي الى صفعة على وجهك».

وبدا أن معظم المعتقلين في أعمار العشرين والثلاثين، بينما كان بينهم واحد يبدو في السبعين. وقام الجنود بتصوير وجوه ووثائق المعتقلين. وسجل المترجم أسماءهم التي قورنت بعدئذ بـ «قائمة سوداء». صار عدد المعتقلين عشرة وكانوا يمشون عبر الحقل. وكان جنود من دبابات أخرى يحيطون برجال آخرين بلغ عددهم 83. وقد أجلسوا على أرض حارة واضعين أيديهم الى الخلف.

وقال احدهم ان اسمه مصطفى عبد الرحمن وعمره 55 عاما، وهو من تلعفر وقد غادر هربا من القتال.

وقال عبر المترجم «طلبوا منا بواسطة مكبرات الصوت أن نغادر المدينة». وكان مدير الشرطة في تلعفر قد طلب من السكان مغادرة المدينة حفاظا على أرواحهم.

وقال الرجل الجالس الى جانبه انه هرب من العنف. وأضاف «هربنا لأننا كنا خائفين. وجئنا الى هنا».

وبينما كان الرجال جالسين وبعضهم برؤوسهم الى الأمام وكان آخرون ينظرون في ما حولهم، صرخ أحد الجنود «اجلبوا المصدر».

وجاء المصدر الذي كان ما يزال يرتدي البدلة المستعارة والقناع الأسود. وطلب منه ان يشير الى الإرهابيين في المجموعة. وكان يسير بين صفوف المعتقلين واضعا يده على رأس رجل هنا وآخر هناك. وبينما كان يفعل ذلك كان جندي يأخذ المعتقل المشخص ويعزله عن المجموعة.

وأبلغ المصدر اثنين من الصحافيين بعد أن فرغ من مهمته «كل القرية.. كلهم إرهابيون».

وعندما سئل عن كيفية معرفته ذلك، قال «لدي شخص هنا وهو يزودني بالمعلومات».

وحول كيفية تأكده من صحة المعلومات المقدمة اليه أجاب «نعم، إنهم إرهابيون. كلهم لديهم اللحى الطويلة. كانت لديهم لحى طويلة، ولكن بعضهم حلقها».

ورفض المصدر إعطاء اسمه. ثم سأل «هل سيدفع الآمر لي مالا؟ اذا كنت مخبرا فمن المفترض ان يدفعوا لك مالا». ونقل المعتقلون الذين ربت المصدر على رؤوسهم الى الدبابات، وهم موثقون ومعصوبو العيون. وفي أواخر يوم الثلاثاء كان 49 شخصا قيد الاعتقال وفقا لما قاله الكابتن ناثان تيرا، الذي اضاف «كان هذا معظم ما حصلنا عليه حتى الآن». وكان عدد المعتقلين كبيرا بحيث ان الجنود لم يبق لديهم حبال لربط الأيادي وقطع أقمشة يعصبون بها العيون.

وقال مسؤولون في الجيش الأميركي ان المعتقلين سيحتجزون في مركز اعتقال داخل قاعدة عسكرية أميركية تقع خارج تلعفر. وأشاروا الى انه لن يحتجز معظمهم لفترة تزيد على 48 ساعة لغرض التحقيق ثم يطلق سراحهم.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»