مخاوف أميركية من تسلل عناصر «القاعدة» عبر الحدود المكسيكية

قضايا شكري جمعة وجنوب أفريقية معتقلة قطعت نهرا لدخول تكساس ومصري يدير شبكة تهريب ولبناني تلوث بإشعاعات زادت المخاوف

TT

قال مسؤولون في سلطات تطبيق القانون الأميركية والمكسيكية، ان المخاوف المتزايدة من أن تنظيم «القاعدة» يحاول إعادة فتح طرق قديمة للتهريب على طول الخط الحدودي البالغ طوله 2000 ميل بين البلدين، أدت إلى تكثيف الجهود الأمنية خلال الأشهر القليلة الماضية، كما عززت من تعاون أجهزة الأمن في البلدين.

وأضاف المسؤولون أنهم لا يملكون أدلة قوية على وجود «القاعدة» في المكسيك، ولكن تقارير الاستخبارات والتحذيرات باحتمال وقوع هجمات إرهابية وبعض الأحداث التي جرت أخيرا، أثارت المخاوف من جديد من أن «القاعدة» بدأت تنظر إلى حدود أميركا الجنوبية باعتبارها توفر فرصا واسعة للتسلل.

وقال ماغناس رانستروب مدير مركز دراسات الإرهاب والعنف السياسي بجامعة سانت أندروز باسكوتلندا: «شاهدنا محاولات الإرهابيين وهم يستكشفون الفرص للحصول على جوازات سفر ووثائق مكسيكية تمكنهم من التسلل إلى داخل الولايات المتحدة عبر المكسيك».

وأعرب عن المخاوف من أن يستخدم الإرهابيون دول أميركا الجنوبية ليتسللوا إلى المكسيك وبعدها إلى داخل الولايات المتحدة، مستخدمين عصابات المهربين والوثائق المزورة. وقال المسؤولون في مكافحة الإرهاب ان إرهابيين أصوليين ظلوا لفترة طويلة يستخدمون الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، كقاعدة لجمع المال والتجنيد.

وكان مسؤولو مكافحة الإرهاب الأميركيون في السابق قلقين من الحدود الكندية. وفي ديسمبر (كانون الأول) 1999، ألقى مسؤولو الأمن القبض على أحمد رسام عند معبر بورت انجليس، بواشنطن. وقد أدين رسام فيما بعد بالتآمر مع «القاعدة» لتفجير مطار لوس انجليس الدولي. ويعرف عن كندا أن بها جاليات عربية كبيرة، كما أن الحدود بينها وبين الولايات المتحدة لم تكن في يوم من الأيام محروسة بصورة جيدة ضد المتسللين من المهاجرين وتجار المخدرات.

لكن أعضاء لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، اتهموا خالد شيخ محمد، العقل المدبر للهجمات، بأنه كان يهتم اهتماما خاصا بتهريب عناصر «القاعدة» عبر الحدود المكسيكية ـ الأميركية. ولم يتمكن المحققون من التأكد مما إذا كان خالد شيخ نجح في ذلك. وقد حذرت دراسة حول الأمن الحدودي، أعدتها لجنة مكلفة الشهر الماضي، من وجود صلات بين مهربي البشر والعناصر الإرهابية. ويشير التقرير إلى «تقارير غير موثقة من سلطات تطبيق القانون توحي بأن بعض المرتبطين بـ «القاعدة» استغلوا المهربين في أميركا اللاتينية للانتقال في مختلف أنحاء المنطقة قبل أن ينتقلوا في النهاية إلى الولايات المتحدة».

ورغم كل الاستطلاعات المكثفة فإن الحدود تظل مليئة بالثغرات وسهلة الاختراق نسبة للامتدادات الصحراوية على هذه الحدود فضلا عن قوة عصابات التهريب المكسيكية. وفي كثير من المدن المكسيكية، وخاصة تيغوانا، هناك جاليات عربية كبيرة، مما أدى إلى سلسلة من أعمال التسلل الشرق الأوسطي عبر هذه الحدود. ومع أن كثيرا من حالات التهريب فاقمت من المخاوف، فانه لم يتضح أن ايا منها كان مرتبطاً بأعمال الإرهاب.

وفي بداية هذا العام، تلقت السلطات الأميركية معلومات تقول إن عدنان شكري جمعة، المشتبه في ارتباطه بـ «القاعدة»، قد شوهد في هندوراس. ويعتقد أن شكري جمعة خبير استطلاع يعمل لصالح «القاعدة»، وأنه خطط في عام 2001 لهجوم إرهابي على بورصة الأوراق المالية الأميركية. وقد طلب المسؤولون الأميركيون المساعدة من رصفائهم المكسيكيين في تحديد مكانه عندما لم يحصلوا على أدلة قوية بأنه موجود في هندوراس.

وقال خوسيه لويس سانتياغو فاسكونسيلوس، رئيس الفريق المكسيكي لمكافحة الجريمة المنظمة، للصحافيين: «ليست لدينا أدلة موضوعية أنه موجود بالمكسيك. لكن الأجراس قد دقت ونحن نبحث عنه حاليا. من الصعب العثور على شخص، تشير الدلائل إلى أنه مثل الشبح».

وفي أغسطس (آب) الماضي، أصدرت السلطات الأميركية تحذيرا أمنيا يتعلق برجل من الشرق الأوسط يقال انه دفع مبلغا كبيراً من المال بغرض تهريبه إلى داخل الولايات المتحدة بالقرب من مدينة تيكاتي المكسيكية. وقد شوهد آخر مرة وهو يقود سيارة سوداء لاذ بها هاربا من دون أخذ تفاصيل عنها من قبل السلطات. وقد رفضت السلطات إعطاء معلومات أكثر، كما لم يحدد المسؤولون كيف عرفوا أن المبالغ التي كان يريد تهريبها إلى داخل أميركا كانت مبالغ كبيرة كما أعلنوا.

وفي الوقت ذاته، لا يزال المسؤولون يدرسون قضية فريدة غلام محمد احمد، وهي من جنوب أفريقيا وألقت السلطات الفيدرالية القبض عليها في 19 يوليو (تموز) الماضي في مدينة ماكالان الحدودية بولاية تكساس، بعدما سبحت عبر نهر ريو غراندي. وكانت فريدة قد سافرت من جوهانسبيرغ بجنوب أفريقيا عبر دبي الى لندن ثم الى مكسيكو سيتي في 14 يوليو. وذكر مسؤولون ان جواز سفرها به صفحات مفقودة، وكانت لديها تذكرة طائرة الى نيويورك. ونقل عن عضو في الكونغرس قوله ان اسمها على قائمة مراقبة المشبوهين بالإرهاب، لكن المسؤولين رفضوا تأكيد هذه المعلومات. ولا تزال فريدة محتجزة بتهمة انتهاك قوانين الهجرة الفيدرالية.

ومن بين كل الأدلة حول عمليات تهريب إرهابيين محتملين من المكسيك الى الولايات المتحدة، فإن أكثرها غموضا هي قضية شاب لبناني تُرك أمام مستشفى في منطقة سان دييغو في يونيو (حزيران) 2002. وظهرت على الشاب، الذي كان على شفا الموت، علامات على تسمم إشعاعي، مما يعطي الانطباع بانه كان يعمل في صناعة قنبلة إشعاعية «قذرة». وفي النهاية، تم استبعاد فكرة الأعراض الإشعاعية ومات الرجل بأسباب غير معروفة. الا ان القضية أدت الى القبض على صاحب مطعم لبناني في تيغوانا ادين العام الماضي بإدارة شبكة تهريب، بالاشتراك مع دبلوماسي مكسيكي في لبنان. ويقدر المسؤولون الاميركيون انه رتب إدخال بين 80 و200 عربي، بطريقة غير قانونية، الى الولايات المتحدة خلال عدة اشهر.

وفي يوليو الماضي، ألقت السلطات الفيدرالية القبض على رجل مصري في ميامي بتهمة إدارة شبكة تهريب في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. ووجهت الى اشرف احمد عبد الله، 34 سنة، تهمة إرسال مهاجرين من مصر ودول مجاورة الى أميركا اللاتينية، ومن هناك الى غواتيمالا، حيث تكثر عمليات التهريب، ومنها الى المكسيك فالولايات المتحدة.

ورغم ان الشرطة لم تعتقل أي شخص مشبوه بالإرهاب وهو يحاول دخول الولايات المتحدة عبر المكسيك، فإن مذكرة صادرة عن سلطات الهجرة، حصلت عليها «لوس انجليس تايمز» تشير الى ان ادارة مكافحة تهريب المخدرات تلقت معلومات تفيد بان نشطاء «القاعدة» كانوا على صلة بشبكات تهريب الافراد والمخدرات في المكسيك بهدف التمكن من دخول الولايات المتحدة. وقال مسؤولون في وزارة الامن الداخلي انهم لم يتمكنوا من تأكيد هذه المعلومات، لكنهم ينظرون اليها بشكل جدي.

جدير بالذكر ان قضايا أمن الحدود تسببت، بصفة عامة، في تجدد العلاقات الاميركية ـ المكسيكية حول الهجرة. فمنذ هجمات سبتمبر، تضغط الولايات المتحدة على المكسيك لتشديد الحراسة على موانئها وحدودها. وقد حظي رد فعل المكسيك بثناء السفير الاميركي في المكسيك توني غارزا وغيره من المسؤولين الاميركيين، رغم اعتراف المسؤولين في البلدين باستحالة تأمين الحدود تماما.

وأشار مسؤول اميركي أشاد بالتعاون الكامل المكسيكي «الى وجود تدفق مستمر ومتزايد لتبادل المعلومات». وفي الوقت ذاته ذكر مسؤول مكسيكي ان بلاده تجرى مبادلة «سلسة وواضحة» للمعلومات الاستخباراتية مع واشنطن.

وقد اتخذت المكسيك خطوات اخرى لمواجهة التهديدات الإرهابية للولايات المتحدة. فقد انضمت اليها في مناورات تدريبية ضد الإرهاب. وكشفت في العام الماضي عن خطة لنقل 18 موظفا امنيا الى الحدود. وفي العامين الماضيين، القت الحكومة المكسيكية القبض على اكثر من 50 موظفا سابقا وحاليا في ادارة الهجرة بتهمة التعاون مع عصابات تهريب المهاجرين.

وقال غوستافو موهار، وهو خبير في شؤون الهجرة ودبلوماسي مكسيكي سابق: «ما لديك هو معلومات أفضل عمن سيأتي الى المطارات، لكن لا تزال لدينا الحدود البرية سهلة الاختراق بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين».

وفي الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة العدل الاميركية عن اعتقال ثلاثة أشخاص يقيمون في ميشيغان بتهمة إدارة عملية لتهريب الاجانب تم بموجبها إحضار 200 شخص من العراق والأردن وغيرها الى الولايات المتحدة عن طريق اميركا الجنوبية. ولا توجد اية اتهامات تتعلق بالإرهاب، ون ذكر متحدث باسم الوزارة ان المسؤولين ينظرون الى القضية باعتبارها «قضية أمن حدودية خطيرة».