«الشرق الأوسط» في مسرح أزمة دارفور : قرية «الطويلة» الأكثر تضررا في النزاع بعد ان هجرها سكانها

TT

زارت «الشرق الاوسط» اقليم دارفور السوداني المضطرب برفقة وزير الخارجية البريطاني جاك سترو في الثالث والعشرين من اغسطس (آب) الماضي. كانت الرحلة طويلة وشاقة من لندن الى الخرطوم استمرت اكثر من 7ساعات، حيث وصلنا العاصمة السودانية في ساعة متأخرة من الليل. وفي الخامسة من صباح الثلاثاء الرابع والعشرين من اغسطس الماضي، كان وداع الفراش الوثير في الفندق ذي الخمس نجوم بالخرطوم، مؤسفا، لم يسمح ضيق الوقت بالاستلقاء عليه، في حالة تشبه النوم، اكثر من ساعة. وفي الفاشر، الواقعة في قلب مسرح ازمة دارفور، يكون الحديث عن السرير المريح والغرفة المكيفة ضربا من الخيال. الفقر هناك ضار ضراوة الطقس الساخن الذي يشوي جلد الضيوف ومهجري نزاع دارفور ممن غصت بهم المنطقة. أقلعت الطائرة من مطار الخرطوم باتجاه الفاشر، الذي سيكون المحطة الثانية لأيام عدة، في السابعة صباحا، بدبلوماسيين بريطانيين وصحافيين، عيونهم نصف نائمة. بزات الأمس الانيقة والاحذية اللماعة اخلت مكانها لـ«ثياب الميدان» من بناطيل جينز واحذية ثقيلة. حتى وزير الخارجية جاك سترو استبدل ثيابه الرسمية وربطة عنقه بلباس كاكي متواضع. ولم يلبث، الوزير البشوش بعد الاقلاع ان اقبل محييا، يقف مع بضعة صحافيين لدقائق، ويلوح لآخرين عن بعد، قبل ان ينضم الى الفريق الاعلامي الذي رافقه في رحلته السودانية منذ الاثنين الماضي. كنت اتخيله اقل تواضعا وقربا من الاعلاميين، بل كنت اظنه اشد التزاما بالنظام! لكن الوزير الذي دعانا للتحلق حوله لابلاغنا بسير مباحثاته مع الحكومة السودانية، تجاهل مرتين نداءات قائد الطائرة الذي طلب من الجميع العودة الى مقاعدهم وربط الاحزمة استعدادا للهبوط. ومع انطلاق النداء الثالث، ابتسم الوزير عائدا الى كرسيه وقال: للحديث تتمة.

بعدما غادر الوزير البريطاني ومرافقوه عائدين الى الخرطوم، بدأ البحث عن مأوى في الفاشر. خلال استراحة قصيرة تحت شجرة منعزلة، اقترب ابن العاشرة يتحدث بلهجة عربية سودانية لم تبد واضحة تماماً أول الامر. بدا عليه شيء من الانكسار والهدوء العميق. واستغرقت المحاولة بعض الوقت، قبل ان ننجح في «استنطاقه». وحين تحدث عن مأساته، لم يعد من الصعب فهم اسباب وجومه هذا، فقد قال انه فقد أباه بسبب نزاع دارفور الذي اضطره للنزوح من قريته «الطويلة» القريبة من الفاشر، قبل خمسة أشهر. لم يعد يذهب الى المدرسة. حتى الطعام لا يتوفر له بصورة معقولة، خصوصا انه ليس لديه «فلوس». و«الطويلة» كما يقول زملاء صحافيون في الفاشر، كانت من اكثر المناطق المحلية تضررا في النزاع، فقد هجّر القتال ثلاثة ارباع ابنائها. ويبقى السؤال عن موعد عودتهم الى قريتهم القريبة، مفتوحا، وربما لن تتوفر له الاجابة الشافية في الاشهر القادمة!