الحزب الجمهوري يستغل تناقضات موقف كيري من العراق وبوش يتحاشى التحدث عن «الاتهامات الباطلة» لنظام صدام

المرشح السابق هوارد دين يفضل إعلان كيري معارضته الحرب ولو سقط

TT

ردا على سؤال عن سحب القوات الاميركية من العراق، خلال لقاء جماهيري في واشنطن امس، قال جون كيري مرشح الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية، انه اذا فاز سيعمل على سحب القوات الاميركية من العراق خلال السنوات الاولى لرئاسته، الا انه لم يحدد سنة معينة، رغم انه قال مرة ان ذلك سيحدث خلال اربع سنوات، وقال مرة اخرى انه سيحدث خلال ستة أشهر.

وقد اعتبر صحافيون اميركيون يتابعون حملة كيري الانتخابية ان مثل هذه التصريحات المتناقضة هي من اسباب انخفاض اسهمه في الاستفتاءات الاخيرة، وقالوا ان هذه التناقضات فرص ذهبية للرئيس بوش للتركيز على نقطتين:

اولا، ان كيري لا يستقر على رأي واحد، ولهذا يجب الا يثق به الشعب الاميركي.

ثانيا، انه سيهدد الامن الاميركي اذا فاز وسحب القوات الاميركية من العراق قبل القضاء على الارهابيين هناك.

ومنذ فوز كل من بوش وكيري بترشيح حزبه له لرئاسة الجمهورية، اصبح موضوع العراق احد اهم القضايا في الانتخابات، واصبح بوش اقدر من كيري على الربط بين حرب العراق وحرب الارهاب والامن الاميركي.

*تناقضات بوش

*لكن بوش يركز على اهمية حرب العراق بدون ان يناقش نقطتين مهمتين مرتبطتين بها وهما: اولا، يتحاشى بوش الاشارة الى الأخطاء التي ارتكبت، مثل عدم وجود اسلحة دمار شامل في العراق، وعدم وجود صلة بين صدام حسين واسامة بن لادن، وعدم وجود صلة بين العراق وهجوم 11 سبتمبر (ايلول).

ثانيا، يتحاشى بوش الحديث عن طريقة الخروج مما اصبح بعض الصحافيين الاميركيين يسمونه «المستنقع» (اشارة الى تصريحات بوش عندما ارسل القوات الاميركية الى افغانستان بأنها سوف تنظف «مستنقع» الارهاب).

وفي نفس الوقت الذي يتحاشى فيه بوش النقطتين السابقتين، يركز على نقطتين اخريين:

اولا، الجانب الأخلاقي لحرب العراق، كما يراه، وهو انه خلص العراقيين (وجيرانهم العرب) من دكتاتورية صدام حسين، وقضى على تهديدات صدام حسين لاميركا وحلفائها (يقصد اسرائيل بالذات، لكسب اصوات اليهود).

ثانيا، يراهن بوش على ان الوضع في العراق سيستقر، وان الشرطة العراقية ستمتلك قدرة المحافظة على الامن، وان الانتخابات ستجرى مع بداية السنة المقبلة، وان العراق سيصبح «شعلة الديمقراطية في الشرق الاوسط».

*بوش الشعبي

*ولاحظ معلقون اميركيون ان بوش يتعمد تبسيط موقفه من العراق لأنه يريد كسب عواطف الشعب الاميركي، وان حملته الانتخابية هذه المرة تختلف عن السابقة، قبل اربع سنوات، لأنه يظهر كزعيم شعبي (يخلع الجاكيت، ليظهر العرق على قميصه) ويدق على المنضدة امامه، ويتحدث بدون خطاب مكتوب، ويقول للاميركيين، في كلمات قليلة وبسيطة، انه ضرب اعداء اميركا ضربا قويا، وسيظل يضربهم حتى يقضي عليهم، ويقابل ذلك الكلام بتصفيق وهتاف المستمعين له.

وفي الجانب الآخر، يلاحظ المعلقون الاميركيون ان موقف كيرى من العراق غير واضح وفيه تناقضات كثيرة، قبل شهرين قال كيري انه غير نادم لأنه ايد حرب العراق، عندما صوت الكونغرس عليها في خريف سنة 2002. وقال ان التطورات منذ ذلك الوقت، اثبتت صحة رأيه.

لكن كيري عاد ليناقض نفسه عندما دافع عن تصويته في الكونغرس، السنة الماضية، ضد زيادة ميزانية البنتاغون لمواجهة المقاومة المسلحة في العراق ولاعادة بناء العراق.

*التفسيرات المتناقضة

*ويقول كيرى انه ايد التصويت الاول لأنه كان متحمسا للقضاء على صدام حسين، لأن صدام حسين كان يهدد الامن الاميركي وكان يهدد أمن اصدقاء وحلفاء اميركا في المنطقة، ولانه رفض تنفيذ قرارات الامم المتحدة. ثم قال انه عارض التصويت الثاني لأنه كان غاضبا على بوش، لأن بوش خاض الحرب من دون مشاركة الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة (يقصد فرنسا والمانيا وروسيا)، ولم يخطط لما بعد الانتصار على صدام حسين. وبالاضافة الى ان بوش يرى تناقضات كثيرة في هذه التفسيرات، ويستغلها استغلالا ممتازا، هناك قادة داخل الحزب الديمقراطي يرون نفس الشيء. بل وبعضهم يرى ان كيري يجب ان يترك البحث عن تفسيرات واعذار لما فعل في الماضي، ويقول انه ضد حرب العراق، وذلك بالتركيز على الآتي:

اولا، يعترف انه اخطأ عندما صوت في الكونغرس مع الحرب، ويحمل بوش مسؤولية ذلك، لان بوش قدم للكونغرس وللشعب الاميركي، معلومات ثبت انها خطأ.

ثانيا، يقول انه صوت في الكونغرس ضد زيادة اعتمادات البنتاغون لأن ذلك عكس احاسيسه الحقيقية بأن هناك خطأ اساسيا في حرب العراق.

ثالثا، يقول انه اذا فاز، سيكون رئيس سلام، لا رئيس حرب، وسيعمل على سحب القوات الاميركية من العراق خلال السنة الاولي له في البيت الابيض، وليس خلال اربع سنوات، كما قال أخيرا.

*فرق عشر نقاط

*والقادة الديمقراطيون الذين ينصحون كيري بأن يفعل ذلك (مثل هوارد دين، الذي ترشح لرئاسة الجمهورية وسقط وكان منذ البداية، يعارض الحرب) يقولون ان هذا هو الطريق الوحيد لضمان فوز كيري على بوش، وذلك للاسباب الآتية:

اولا، باق على الانتخابات ستة اسابيع، ولا يبدو ان اي شيء رئيسي سوف يتغير، سواء في الحرب ضد الارهاب او حرب العراق.

ثانيا، أظهرت تجارب الحملات الانتخابية الرئاسية في الماضي ان هناك فرق عشر نقاط بين بوش وكيري، كما تبين من الاستفتاءات الاخيرة، تشكل فارق كبير، وان بوش يكاد يضمن الفوز.

ثالثا، اوضحت الاستفتاءات الاخيرة ان نصف الاميركيين تقريبا اصبح يعارض حرب العراق، مقارنة بعشرة في المائة فقط عندما بدأت الحرب، وان كيري، اذا اعلن انه يعارض الحرب، سيكسب اصوات هؤلاء.

*حرب غير مناسبة

*في الاسبوع الماضي قال كيري: «حرب العراق حرب غير مناسبة، وفي مكان غير مناسب، وفي وقت غير مناسب». وقال ان بوش كان يجب ان يفعل ثلاثة اشياء لتبرير الحرب: اولا، كسب كل الحلفاء الاوروبيين. وثانيا، انتظار تقرير مفتشي الامم المتحدة. وثالثا، الحصول على موافقة واضحة من مجلس الامن.

لكن بوش سارع وابرز التناقضات في هذه التصريحات، وقال: اولا، أمن اميركا يجب الا يعتمد على الحلفاء الاوروبيين، أو على اي حلفاء غيرهم. ثانيا، تقرير مفتشي الامم المتحدة، حتى اذا برأ صدام حسين، لن يحمي الشعب الاميركي من الارهاب.

بوش لم يهاجم كيري هجوما شخصيا بسبب هذه التصريحات، كما هاجمه نائب الرئيس تشيني الذي قال ان اي اميركي يصوت لكيري «يصوت للارهاب والارهابيين». وقال معلقون صحافيون اميركيون ان هذه التصريحات متطرفة، وتنم عن غرض شخصي، وان تصميم كيري على مواجهة الارهاب والارهابيين لا يقل عن تصميم تشيني.

*موقف حرج

*لكن كيري يستمر في اطلاق تصريحات متناقضة، ويبدو انه يريد ان يقول انه ضد حرب العراق بدون ان يقول ذلك مباشرة. وحتى بعض الصحافيين الاميركيين المؤيدين لبوش يفهمون موقف كيري الحرج لأنه في جانب، لا يريد ان يكون اقل من بوش استعدادا لحماية الاميركيين من الارهاب، وفي الجانب الآخر، يعرف انه سيتمكن فعلا، من مواجهة بوش، ومن طرح خيارين واضحين امام الاميركيين، اذا عارض حرب العراق.

والاميركيون انفسهم في موقف حرج ، لأنهم من جهة ليسوا متأكدين من موقف كيري، ومن جهة اخرى، يعارض نصفهم الحرب. وسيصوت هذا النصف مع كيري، اذا وجد كيري الشجاعة الكافية لاعلان معارضته الصريحة للحرب.

وفي الاسبوع الماضي سأل صحافي اميركي هوارد دين عن هذه النقطة فقال انه يفضل ان يعارض كيري الحرب ويسقط، على ان يبقى موقفه منها متذبذبا ويسقط.