مصدر فرنسي: باريس تسعى لآلية لتنفيذ القرار 1559 وتتصور ثلاثة سيناريوهات لاجتماع مجلس الأمن المقبل حول لبنان

TT

علمت «الشرق الأوسط» من مصدر فرنسي واسع الاطلاع أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك طرح على الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، إبان الغداء الذي جمعهما في نيويورك يوم الثلاثاء الماضي موضوع إيجاد «بنية» أو «خلية»، تكون مكلفة متابعة تطبيق بنود القرار الدولي 1559 الذي صدر في الثاني من شهر سبتمبر (أيلول) الجاري، والداعي الى انسحاب كل القوات الأجنبية من لبنان، وتحديدا السورية وحل الميليشيات المسلحة وتمكين اللبنانيين من ممارسة استقلالهم السياسي وسيادتهم على أراضيهم.

ويندرج الطلب الفرنسي في إطار حرص باريس على ألا يكون القرار 1559 واحدا من القرارات التي يصدرها مجلس الأمن لتوضع لاحقا على الرف. وتريد فرنسا «آلية متابعة» للقرار المذكور الذي ينص على استحقاق وحيد هو تقديم كوفي أنان تقريرا لمجلس الأمن في الثاني من الشهر المقبل، حول ما تحقق من بنود القرار. والسؤال المطروح في باريس وواشنطن وغيرها من العواصم المعنية بالوضع في لبنان، يتناول المرحلة التي ستلي تقرير أنان.

ويقول المصدر الفرنسي الواسع الاطلاع إن باريس التي طلبت من أنان، عبر ممثله تري رود لارسن، الذي جاء الى باريس الأسبوع الماضي، أن يكون تقريره «مفصلا، دقيقا وأن يعكس حقيقة الحضور السوري العسكري في لبنان»، والا يعتبر موضوع الانسحاب السوري من لبنان «مسألة ثنائية فرنسية ـ سورية أو أميركية سورية»، بل مسألة تخص كل مجلس الأمن والمجموعة الدولية، وبالتالي يعود لمجلس الأمن أن يقرر الشكل الذي يرتئيه لنفيذ قراراته». وترقب باريس، كما غيرها من العواصم، ما سيقوله كوفي أنان. إلا أنها تعتير أن هناك أحد ثلاثة احتمالات: الأول أن يقدم أنان تقريره ويضمنه مراجعة مفصلة للوضع اللبناني بموجب المطالب التي يتضمنها القرار 1559 ولا يقترح شيئا إضافيا لجهة آلية المتابعة والمراحل اللاحقة. أما الاحتمال الثاني فهو أن يطرح «أفكارا» معينة، وفي هذه الحال يتوجب على مجلس الأمن أن يناقشها ويبت بها. ويقوم السيناريو الثالث على اعتبار أن أنان لن يطرح أفكارا، مما سيحفز أعضاء في مجلس الأمن وعلى رأسها فرنسا على المطالبة بآلية متابعة. وبحسب المعلومات التي توافرت لـ«الشرق االأوسط»، فإن بريطانيا وألمانيا «مستعدتان للسير وراء باريس»، وفق تعبير ديبلوماسي أوروبي في العاصمة الفرنسية. وتتوقع باريس أن يفضي اجتماع مجلس الأمن المقبل حول لبنان، إما الى إعلان رئاسي وإما الى تصويت على قرار جديد.

أما بخصوص واشنطن، فإن باريس تبدو واثقة «حتى الآن»، من أنها «مستمرة في مواكبة باريس رغم عملية إعادة الانتشار السورية الأخيرة، والتطور الذي طرأ على علاقاتها بدمشق واستعداد هذه الأخيرة لمزيد من التعاون بخصوص العراق. وقال المصدر الفرنسي إن دمشق تسعى لامتصاص الضغوط الدولية التي لولاها لما قامت بعملية الانتشار لجزء بسيط من قواتها ولا قبلت بالتعاون حول الملف العراقي، ولكن ما قامت به غير كاف. وتؤكد باريس ان دمشق هي التي تروج لإمكانية التفاهم مع واشنطن، وتشيع أن الدبلوماسية الفرنسية في أزمة. ورد المصدر الفرنسي على التخوف المتداول في لبنان من أن الانسحاب السوري قد يفضي الى ارتباكات أمنية بالسؤال التالي: «لماذا تريدون أن يتدهور الوضع الأمني في لبنان ومن سيدفع الى ذلك؟». كذلك رد المصدر على الذين اتهموا باريس بتغيير سياستها وأولوياتها وأجندتها والسكوت على التمديد للرئيس الياس الهراوي والاحتجاج على التمديد للرئيس لحود بقوله: «التمديد للرئيس السابق تم قبل تسع سنوات. ومنذ ذلك التاريخ توالت الوعود السورية علينا بخصوص لبنان ولم يتحقق منها شيء، ولو لم يأت الاستحقاق الرئاسي وطريقة التعاطي السورية معه بهذا النمط غير المقبول، لما كان الملف نقل الى مجلس الأمن».

وأنحى المصدر الفرنسي باللائمة على «بعض اللبنانيين الذين يتهمون فرنسا بالاكتفاء بالتصريحات، ولكن عندما تتحرك على المسرح الدولي يأتون متخوفين من تخاذل أميركا أو من تدهور الوضع الأمني في بلادهم». ونفى المصدر أن تكون إعادة تكليف الرئيس رفيق الحريري رئاسة الحكومة مجددا، مصدر إحراج للدبلوماسية والسياسة الفرنسيتين. وقال المصدر: «الحريري يتصرف بموجب وضعه السياسي ونحن نتصرف بموجب المبادئ التي ندافع عنها في لبنان». وكانت وزارة الخارجية الفرنسية اكتفت، في معرض تعليقها على عملية إعادة الإنتشار السورية بالقول إنها «أخذت علما» بذلك، مضيفة أنها تأمل أن تكون هذه العملية «بداية لانسحاب القوات السورية». وتعتبر باريس، وفق مصادرها، أنه «يجب الاستمرار في ممارسة الضغط على سورية». غير أنها، في الوقت ذاته، ترفض أن تدخل في التفاصيل بحجة انتظار ما سيقوله أنان والتعرف على مواقف أعضاء المجلس، وتؤكد أنها ما زالت تريد علاقة متميزة مع دمشق. ويبدو التوفيق بين الأمرين صعب التحقيق. من جانب آخر قال مصدر روسي مطلع على الملف المطروح في مجلس الأمن إنه إذا كانت واشنطن وباريس «تسعيان وراء قرار جديد يلوح بفرض عقوبات، فإن حظهما باستصدار قرار جديد بهذا المعنى معدوم». ويحذر المصدر الروسي من التعاطي مع دمشق بـ«منطق الضغوط ومن الانزلاق الى المنطق، الذي استخدم مع العراق»، ويشدد على أن هذا المنطق «سيعطي نتائج معكوسة». ويستبعد المصدر الروسي الذي يؤكد أن بلاده هي التي نجحت في استبعاد فقرة تحدد مهلة زمنية للانسحاب السوري من لبنان، أن يجمع مشروع قرار يفرض عقوبات دبلوماسية |أو سياسية على دمشق على الأصوات التسعة اللازمة في مجلس الأمن. وحذر المصدر الروسي من أن فرض عقوبات على سورية، إذا ما تم فعلا، فإنه «لن يخدم قضية الحرب على الإرهاب»، إضافة الى أنه «لن يحل المشكلة العالقة، (أي الوجود السوري العسكري في لبنان)، بل سيزيدها تعقيدا»، داعيا بدل ذلك الى الدفع باتجاه حل سلمي شامل في الشرق الأوسط يعيد لسورية الجولان، ويحرمها من أية حجة للبقاء في لبنان.