مشاهد ذبح الرهائن على الإنترنت توحد الأميركيين في رفض الأعمال الوحشية لكنها تقسمهم في النظر إلى تداعياتها السياسية

TT

لا يزال اصدقاء وجيران جاك هنسلي يغالبون مشاعر الاشمئزاز حول كيفية تحول رجل كان يريد ببساطة اكتساب مزيد من الاموال في الخارج لزوجته وابنته البالغة من العمر 13 سنة، الى رمز دولي للوحشية، حيث ذبحه اصوليون مسلحون في العراق.

وقال جورج اسكينز صاحب محل لبيع الخردوات ونقطة التجمع لابناء المدينة: «اشعر بالتعاطف معهم. هذا هو شعور سكان هذه البلدة بأكملها». وكان هنسلي قد قتل يوم الثلاثاء، في اليوم السابق لعيد ميلاده التاسع والاربعين. وبعد ذبح هنسلي بيوم قتل الاصوليون المسلحون ايضا، المقاول الاميركي ايوجين ارمسترونغ، فيما يمثل آخر امثلة على التكتيكات المروعة التي لفتت انتباه العالم.

فمنذ مايو (ايار) الماضي تمكن المسلحون، الذين لم تتمكن القوات الاميركية ولا العراقية من وقف اعمالهم، من ذبح ثمانية اجانب على الاقل، بينهم اميركيان. وتعتبر تلك الوحشية محاولة متعمدة لعزل الحكومة العراقية وحلفائها الاميركيين، وابعاد كل من يحاول التعاون معهم.

ويبدو ان تلك التكتيكات تحقق نجاحها. ففي يوليو (تموز) الماضي، سحبت الفلبين قواتها التي تضم 51 جنديا من اجل انقاذ واحد من مواطنيها من التهديد بالذبح. وعندما هدد المتطرفون بذبح سائق تركي ما لم تنسحب شركتان يعمل لصالحهما، وافقت الشركتان على شرط الخاطفين.

وخلال جولة في اطار حملة انتخابات الرئاسة في لاتروب بولاية بنسلفانيا اكد الرئيس جورج بوش ان الاميركيين لن يتراجعوا بسبب هذه الوحشية. وقال: «لن يهزم المتمردون قواتنا المسلحة. الشيء الوحيد الذي يمكنهم القيام به هو ذبح افراد ومحاولة زعزعة ارادتنا. انهم يحاولون اقناع الشعب الاميركي باننا لن ننجح. هذا هو السلاح الوحيد الذي يملكونه».

غير ان مثل هذه التكتيكات غير موجهة للاميركيين فقط. فقد ذكرت جيسيكا سترن المحاضرة بجامعة هارفارد والمتخصصة في شؤون الارهاب ان ذلك «نشاط تجاري جيد للمسلحين والارهابيين. انه امر مرعب للغاية. عندما تفكر كم يشعر الناس بالاشمئزاز بخصوص مقتل شخص ما، فإن تأثير ذلك عندما يذبح، يصبح اكبر بكثير».

وتعتبر عمليات ذبح الرهائن تطورا راديكاليا مقارنة باساليب خطف الرهائن في لبنان في الثمانينات، عندما كان المتطرفون يستخدمون الرهائن الغربيين وسيلة للتفاوض لتحقيق اهداف سياسية، لكنهم كانوا يتركونهم احياء. غير ان الرهائن الذين تحتجزهم مجموعة ابو مصعب الزرقاوي في العراق تحولوا الي وسائل حية في حرب نفسية لتخليص العراق من «الكفار».

ولا يشعر الارهابيون بأي قيود على العنف، كما توضح جيسيكا سترن التي تضيف قائلة: «كان الارهابيون في الماضي، يواجهون نوعية معينة من الاخلاقيات والقيود السياسية، ولم يهبطوا الى هذا المستوى. اعتقد ان رغبتهم الآن هي اجبارنا على الشعور بالخوف والقلق الحاد».

وكان ذبح الافراد يستخدم وسيلة للعقاب منذ آلاف السنين، لكن ظهور الانترنت زاد من قدر الرعب الذي تمثله عمليات الذبح. فما ترفض شبكات التلفزيون بثه بسبب بشاعته، صار متوفراً على مواقع الانترنت، مما يضخم وقع الرعب. وقد انطلقت مناقشات حول ما إذا كانت هذه العمليات تزيد من غضب الناس ام تضعف تأييدهم للحرب في العراق. ويقول ريتشارد ايكنبارغ الذي يشرف على استطلاعات رأي في جامعة تافتس: «ان هذه العمليات تهز ثقة الرأي العام الاميركي وتبلغه بان المهمة في العراق في انهيار. نعم انها تمثل نجاحا للمتمردين».

ومما لاشك فيه ان عمليات القتل الوحشية لفتت انتباه الاميركيين، اذ ازدادت عمليات تصفح الانترنت بشكل كبير بحثا عن شريط فيديو او معلومات بخصوص مصير ارمسترونغ، المقاول الاميركي الذي اختطف الاسبوع الماضي مع هنسلي والبريطاني كينيث بيغلي، وهو الوحيد الذي، كان حتى الليلة قبل الماضية على الاقل، على قيد الحياة. واوضح دين تسوفالاس الذي يتولى متابعة اكثر المواقع التي يزورها المتصفحون على شبكة الانترنت في محرك بحث ليكوس: «انهم لا يبحثون فقط عن فيديو ذبح ارمسترونع. بل يبحثون عن معلومات حول اسباب وجوده في العراق. ماذا يفعل، وما هي وظيفته».

وهناك إحساس بالغضب والحنق في مسقط راس ارمسترونغ وهنسلي. وقد نشأ ارمسترونغ في هيلز ديل، بولاية ميشيغان، التي تبعد حوالي 100 ميل إلى الجنوب الغربي من ديترويت. وقالت ميري سكوبنسكي، 48 سنة، وهي من سكان هيلز ديل، ان جريمة الذبح أثبتت أن على الولايات المتحدة ان تسحب قواتها من العراق. واضافت: «نحن نطالب بأن يعود الجميع إلى الوطن. أعتقد أن الوضع سيختلف تماما لو أن جينا وبارب (ابنتا الرئيس بوش) قد جاء دورهما في التوجه الى العراق».

ويقول روبرت سيمر مون، عالم النفس من أتلانتا، ان هذا النوع من إراقة الدماء الذي اقتحم علينا غرف معيشتنا، يمكن أن يخلق تشويشا كبيرا لكل الذين كانوا يعتقدون ان قضية العراق يمكن أن تحل ببساطة.

وضم العراقيون أصواتهم لكل العالم في التعبير عن الرعب عندما سمعوا أن مجموعة الزرقاوي قتلت الرهينتين الأميركيتين.

لكن حامد اياد، 23 سنة، وهو من الفلوجة أصلا ويعيش حاليا في بغداد، يخالف هذا الراي ويقول ان «الشريعة الإسلامية والتاريخ العراقي، يحثان على قتل الخونة والمتعاونين بهذه الطريقة. من المشروع ذبحهم ذبح الشاة. الرهينتان الإيطاليتان، اللتان كانتا تعملان في المجال الانساني، بريئتان، لكن الأميركيين والبريطانيين يستحقون ما حدث لهم».

وكانت المتطوعتان الايطاليتان اللتان تعملان مع منظمة «جسور من أجل بغداد» قد اختفطفتا من مكاتبهما يوم 7 سبتمبر (أيلول) الجاري. وأعلن موقع اصولي، امس، أنهما قتلتا. وقالت "مجموعة التوحيد والجهاد" انها قتلت المرأتين لأن إيطاليا رفضت الإنصياع لمطالبها بسحب القوات الإيطالية من العراق. وكانت مجموعة تسمى "الجهاد الإسلامي" قد اعلنت يوم 12 سبتمبر انها ستقتل المرأتين خلال 24 ساعة إذا لم تسحب إيطاليا قواتها من العراق. ويقول قصي الدولامي، مدير كلية التراث، ان الذبح لم يمارس مطلقا في تاريخ العراق، و"هذه العقوبة شاذة وغريبة عن هذا الشعب وثقافته. إن وحشية هذه العقوبة لا وجود لها، لا في الشريعة وفي القانون المدني. إنهم يريدون أن يرسلوا رسالة قوية جدا للمحتلين الأميركيين بأن هذا مصيرهم وقدرهم، لكنهم في نفس الوقت يشوهون تاريخنا الحقيقي وديننا وثقافتنا. هذه الجرائم مدمرة لبلادنا ولسمعة الإسلام». واضاف ان الأجانب هم المسؤولون عن ذلك.

* خدمة "يو. اس. ايه. توداي" ـ خاص بـ "الشرق الاوسط"