هوشيار زيباري لـ«الشرق الأوسط»: الأمم المتحدة غير متحمسة لمساعدتنا في العملية السياسية

وزير الخارجية العراقي: من المرجح أن تستضيف القاهرة قريبا مؤتمرا إقليميا حول العراق * يجب أن تأخذ الدول المجاورة حصة من مشروعات الإعمار

TT

كعادته في كل مقابلاته وتصريحاته الصحافية، لا يزال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، منذ بدء الحرب في العراق، متفائلا ليس فقط بنتائج العملية السياسية في العراق بل وبمستقبله أيضا، رغم إقراره بواقع صعوبة الأوضاع الأمنية. وهذا التفاؤل لم يشبه سوى شعور بالمرارة، ظهر من خلال كلمات زيباري في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، من موقف الأمم المتحدة من الانتخابات والعملية السياسية في العراق. فالمنظمة الدولية، التي يشارك زيباري في أعمال دورة جمعيتها العامة الحالية، «غير متحمسة»، حسب قوله، لمساعدة العراقيين ولذلك فإن «المبادرة مفقودة حاليا» في شأن مطالبة الدول الأعضاء بتوفير متطلبات الانتخابات في العراق. ومع ذلك فإن وزير الخارجية العراقي، أصر على أن فترة الأربعة الأشهر المتبقية كافية للاستعداد لإجراء التصويت. وراهن على حرص العراقيين علي المضي في العملية. وفي رسالة تطمين، ليس لدول الجوار فقط بل لغيرهم أيضا، كشف زيباري عن اتصالات نشطة بين مصر والعراق حول عقد مؤتمر دولي «سوف تستضيفه القاهرة في أقرب وقت» حول الوضع بالعراق.

وفيما يلي نص الحوار:

* لوحظ أن هناك تضاربا في الموقف من طلب خاطفي الرهائن بالعراق إطلاق سراح النساء العراقيات المعتقلات مقابل تحرير الرهائن.. وأعلن عن إمكانية إطلاق الدكتورة رحاب طه ثم تراجعت الحكومة العراقية عن هذه الخطوة.. ما هي حقيقة ما حدث؟

ـ ليس هناك أي تفاوض حسب علمي مع الخاطفين. وسياسة الحكومة العراقية هي عدم التفاوض مع الارهابيين والخاطفين وعدم تقديم أي تنازلات لهم اطلاقاً لأن ذلك سوف يشجعهم على الاستمرار في النهج الاجرامي والارهابي المتبع. ليست هناك أي محادثات أو جهود لاطلاق سراح أي من العالمتين (العراقيتين رحاب طه وهدى عماش)، حسب علمي. ثم إن الارهابيين أنفسهم لم يطلبوا إطلاق سراح هاتين السيدتين. فقد طلبوا اطلاق سراح النساء العراقيات في سجن أبو غريب أو في سجن الفاو في البصرة. وهاتان السيدتان غير موجودتين في هذين السجنين. وهما من الأشخاص المطلوبين جداً في العراق لدورهما ومساهمتهما في تصنيع الجراثيم والبكتيريا والسموم لقتل العراقيين. فلا أعتقد أنه تم اجراء أي محادثات أو مفاوضات للمبادلة أو أي شيء من هذا القبيل، اطلاقاً.

* الإعلام هو الهدف

* ما هو مصير الرهينة البريطاني بعدما تم إعدام الرهينتين الأميركيين؟

ـ هؤلاء الارهابيون أعلنوا عن نواياهم. يستخدمون هذه القضايا لتشيع جهودهم اعلامياً. أما مسألة نحر الرهائن كما يجري عمليا فهو أمر سيىء ومخز ومسيء جداً لكل القيم العربية والاسلامية والانسانية أيضاً. هذا العمل المشين من المفروض أن يدان من جميع الخيرين والشرفاء والأحرار في العالم.

* من الواضح أن عمليات الاختطاف هذه أصبحت خارجة عن نطاق سيطرة الحكومة العراقية..

ـ الاختطاف أمر في منتهى البساطة لا يحتاج الى عبقرية أو جهد جبار، فهو حسب اعتقادي أسلوب جبان جداً. فعمليات الاختطاف هي من الأساليب الجبانة التي يتبعها هؤلاء ولا تتطلب جهداً أو عملاً كبيراً. ليس هناك شجاعة في اختطاف اناس يأتون الى العراق للعمل في برامج اعمارية ومشاريع خدمات أو كصحافيين. والهدف من هذه العمليات هو احراج الحكومة العراقية واعطاء الانطباع بأنها غير مسيطرة، ومحاولة التأثير على مواقف هذه الدول التي تساعد الشعب العراقي في هذه المرحلة.

* ولكن هل الحكومة العراقية مسيطرة فعلاً على الوضع، وقد تم اختطاف عدد من الرهائن في احدى المناطق التي تعتبر آمنة في العراق؟

ـ عمليات الاختطاف كما قلت لا تحتاج الى جهود كبيرة جداً أو قوات كبيرة.

* ما هو الحل، اذاً؟

ـ الحل يكمن في تعزيز أجهزة الأمن والشرطة والجيش ونقاط السيطرة والبحث والاستخبارات لملاحقة هؤلاء المجرمين ومحاكمتهم.

* مع استمرار مسلسل الاختطافات، الى أي مدى أنتم قلقون من أن يؤثر سلباً على استعداد العديد من الدول لتقديم المساعدة للعراق في هذه المرحلة الحرجة؟

ـ نحن كنا نتوقع أن يشهد الوضع الأمني تصعيداً خلال هذه المرحلة لسببين أساسيين. الأول هو أن لدينا عملية سياسية ونحن منهمكون حالياً في الاعداد لانتخابات. وهدفهم هو التأثير على هذه العملية وتعطيل العملية الانتخابية. والثاني هو الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني). وهؤلاء الناس يريدون بالتأكيد التأثير في هذه الانتخابات أيضاً، وخلق أكبر قدر من الفوضى وعدم الاستقرار من خلال اعطاء انطباع عن سوء الأحوال في العراق للتأثير على مجرى الانتخابات هنا في أميركا أيضاً.

* ولكن مع استمرار أعمال العنف، كيف ستلتزمون بموعد إجراء الانتخابات في التاريخ المحدد لها؟ هل مهلة الأربعة أشهر المتبقية كافية للقضاء على المتمردين الذين أثبتوا مستوى عاليا من التنظيم؟

ـ يمكن اجراء الانتخابات، باعتقادي، في موعدها. هناك صعوبات أمنية حقيقية ولكن ليس صحيحاً ما ينقله الاعلام عن أن الحكومة فاقدة السيطرة على أجزاء كبيرة جداً من البلاد وأنه من غير الممكن اجراء الانتخابات. هناك. بعض البؤر التي من الممكن أن تكون صعبة حالياً، ولكن يمكن معالجتها. ولدينا فترة زمنية أربعة أشهر. ومتى ما بدأت العملية واقتنع الشعب العراقي بأن هذه الحكومة جادة وأمينة على اجراء الانتخابات في موعدها، وهناك اجراءات ملموسة على الأرض من قبل الحكومة بالذات، وبدعم ومساهمة الأمم المتحدة والدول المعنية بالمساعدة، أتصور أن حتى هذه التجمعات السكانية المترددة ستضطر أن تتخذ موقفاً.

* ولكن، هناك تشكيك من قبل الأمم المتحدة نفسها بإمكانية إجراء انتخابات تتمتع بمصداقية إذا ما استمر الوضع الأمني على ما هو عليه.. ـ لماذا التشكيك؟ فاذا كانت هناك غالبية عظمى من العراقيين سيصوتون أو يشاركون في العملية الانتخابية، فإن هذا هو المعيار للمصداقية.

* ولكن هل يمكن أن يحدث تصويت في ظل هذا التردي بالوضع الأمني؟ ـ حتى في ضوء الوضع الأمني، اذا تخلفت مجموعات معينة من هؤلاء الارهابيين والبعثيين الذين قطعوا رؤوس الناس ولم يشاركوا، ليس معنى ذلك أن الانتخابات تفتقر الى المصداقية.

* لكن غياب الأمن في أجزاء مختلفة من البلاد قد يؤدي الى عدم مشاركة مجموعات كبيرة من الشعب العراقي في العملية الانتخابية بسبب حالة الخوف والفوضى. ألن يؤثر ذلك على نتيجة الانتخابات؟ ـ الأمن موجود حالياً في أجزاء كبيرة من العراق. فالأمن موجود في الشمال. وفي الجنوب، يمكن اجراء انتخابات. كما أنه يمكن اجراء انتخابات في العديد من المحافظات الواقعة في الوسط. أما في أقضية الفلوجة، وهي ليست محافظة وربما تكون قضاء، اذا شارك هؤلاء أم لم يشاركوا، الأمر متروك لهم.

* تحدثتم قبل قليل عن ضرورة تقديم بعض الدول والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة المزيد من الدعم، للمساعدة في العملية السياسية. هل تعتقدون بأن هناك قصوراً من المجتمع الدولي؟

ـ نعم، نحن نعتقد بأن الأمم المتحدة غير متحمسة لمساعدتنا في هذه العملية. فهناك القرار الدولي رقم 1546 الذي اتخذ بالاجماع والذي يضفي شرعية على العملية السياسية وعلى الجدول الزمني. ويطلب هذا القرار من الأمم المتحدة الدعم والمساعدة الفنية والاستشارة لاجراء الانتخابات. في نهاية المطاف، الحكومة العراقية هي المسؤولة عن اجراء الانتخابات وليست الأمم المتحدة ولكن تقديم الخبرات مطلوب منها. حتى الان، هناك عدد محدود جداً من الموظفين الدوليين التابعين للأمم المتحدة. هناك حوالي ثلاثين موظفاً، وهو عدد غير كاف. في القرار، مطلوب أيضاً من أعضاء الأمم المتحدة توفير قوة لحماية أفراد ومنشآت وفعاليات الأمم المتحدة في بغداد. ومن المفروض أن تبادر الأمانة العامة ومجلس الأمن الى الطلب من هذه الدول توفير هذه المتطلبات. هذه المبادرة مفقودة حالياً.

* ولكن بعد الهجوم الذي تعرضت له المنظمة الدولية في بغداد العام الماضي وفي ضوء استمرار الحالة الأمنية السيئة وعدم ضمان حماية موظفيها، هل يمكن مطالبة الأمم المتحدة بدور أكبر في الظروف الحالية؟

ـ هذا صحيح. لكن منذ متى لم تعمل الأمم المتحدة في ظروف حروب وأزمات ومشاكل. فكرة الأمم المتحدة أصلاً جاءت كمنظمة دولية مستقلة لحل النزاعات والتغلب على هذه المشاكل.

* ولكن الوضع يختلف في العراق مع استمرار الاحتلال الأميركي للبلاد..

ـ لا، لا. في العراق الوضع صعب ولكن هناك التزامات على الأمم المتحدة. هناك مسؤولية. ونحن نلاحظ خللاً.

* تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الأخيرة والتي تحدث فيها عن عدم شرعية الحرب على العراق، كيف تفسرون توقيتها؟ ـ توقيت هذه التصريحات غير مناسب في اعتقادي. بالنسبة لنا كعراقيين، نعتبر أن اسقاط نظام صدام حسين واسقاط هذه الدكتاتورية الدموية كان مبرراً وشرعياً، بل على العكس جاء متأخراً كثيراً جداً بالنسبة لمعاناة الشعب العراقي بعدما قضى الالاف من البشر.

* ولكنه تم تبرير الحرب على أساس مختلف وهو وجود أسلحة دمار شامل في العراق، واتضح الان حسب التقرير الأخير للجنة المكلفة النظر في هذا الموضوع عدم صحة هذا الادعاءات الأميركية. لا توجد أي أسلحة دمار شامل في العراق..

ـ بالنسبة لمبررات الحرب، فنحن في العراق نعتبر أن هذه المشكلة غير جوهرية. لا نحتاج الى أن يبرهن لنا أحد ما اذا كان صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل أم لا، وهل استخدمها أم لا، لأنه جرب هذه الأسلحة علينا واعترف بامتلاكها. أما اذا لم يجدوا كميات كبيرة أو مصانع، فهذا لا يعني أن هذه الحرب كانت غير مبررة، بل على العكس كانت مبررة عندما استخدم صدام الأسلحة الكيماوية ضد القانون الدولي على أبناء شعبه.

* كيف تفسرون عدم حماس بعض الدول في مساعدة العراق للخروج من وضعها الحالي؟

ـ قلة الحماس تعود لأسباب متعلقة بالوضع الأمني ولكن هناك آلية تم وضعها لمعالجة الوضع الأمني، والاشكال هو أن هذه الآلية لا تنفذ.

* وهل يعود سبب عدم تنفيذ هذه الالية للخلاف الذي سبق الحرب بين دول مثل فرنسا وألمانيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى؟ وهل لا يزال هناك برأيكم انشقاق واضح بين هذه الدول في ما يتعلق بالعراق يمنعها من القيام بأي دور؟

ـ لا. أعتقد أن الأسرة الدولية تجاوزت هذا الانشقاق. فبعد القرار الأخير 1546 والاجماع حوله، أتصور أن الخلاف والجدل حول مشروعية ومبررات هذه الحرب تم تجاوزها. والمطلوب حالياً هو النظر الى المستقبل وما يمكن أن تفعله هذه الدول لتثبيت الأمن والاستقرار في العراق، لأن تدهور الأوضاع الأمنية في العراق سيؤثر على المنطقة والعالم أيضاً. فاذا اصبح لا قدر الله قاعدة أساسية لكل هذه المنظمات الارهابية، فإن تأثير ذلك لن يتوقف عند حدود العراق. وكل الدول الأخرى ستكون مستهدفة. ومن هذا المنطلق، فان المسألة لم تعد مسألة عراقية بحتة، بل أصبحت مسألة اقليمية تهم دول الجوار والعالم كذلك.

* جرى الحديث عن ضرورة ايجاد الية لضبط الحدود السورية - العراقية ومنع عمليات التسلل، خلال اجتماع وزير الخارجية الأميركي كولن باول بنظيره السوري فاروق الشرع، في نيويورك. هل أنتم مرتاحون لما تم الاتفاق عليه؟

ـ نعم. ونحن نساهم في هذه الاتصالات والمشاورات ولدينا حوار صحي مع السوريين لمساعدتنا والتعاون معنا في مسألة ضبط الحدود ومنع التسلل وتبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية حول تحرك هذه المجموعات التي تدخل من هناك الى العراق. بالنسبة للاتصالات الأخيرة التي شاركنا فيها كحكومة عراقية، وكان للادارة الأميركية أيضاً وفد رفيع المستوى في زيارة الى دمشق، فإن التفاهم الذي تم هو حول ضرورة تشكيل الية ثلاثية عراقية ـ سورية ـ أميركية لضبط الحدود وتبادل المعلومات وتسيير دوريات مشتركة وتسهيل حركة الناس في الدخول والخروج. نتوقع أن يترجم ذلك عمليا على الأرض. ونحن في أول الطريق، لكننا وجدنا تفاهماً من الأخوة في سورية والتنفيذ العملي لهذه الالية سيكون المحك.

* وكيف ترون الدور الإيراني في العراق اليوم؟

ـ الدور الايراني أيضاً مقلق في الحقيقة بالنسبة لنا. وايران لديها مخاوف من تداعيات وتطورات الوضع. وايران دولة اقليمية مهمة جداً لها نفوذ وتأثير على الأوضاع في العراق. نحن يهمنا أيضاً أن تستمر عملية الحوار والتواصل مع الايرانيين. وكانت لدينا وفود زارت طهران في الفترة الأخيرة للبحث في كل هذه القضايا، بما فيها مسألة أمن الحدود والتسلل والتدخل. فنحن نرفض، كمبدأ، تدخل أي دولة في شؤوننا الداخلية، سواء كانت ايران أو غيرها. نحن حالياً بصدد العمل في اتجاه عقد مؤتمر اقليمي موسع حول العراق، وستشارك فيه دول المجاورة للعراق بالاضافة الى مصر ووزراء الخارجية من مجموعة الدول الثماني والأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي والاتحاد الأوروبي. الهدف من هذا المؤتمر الاقليمي الموسع هو طلب دعم وتعاون هذه الدول لتحقيق الاستقرار في العراق، واشراك جميع الأطراف في العملية وتبديد مخاوف هذه الدول من أن هدف القوات الأجنبية الموجودة في العراق محصور فيها ولا يتعدى حدود العراق. والمطلوب من هذه الدول بسبب العنف والارهاب والخوف من انعكاس هذه الحالة على أوضاع هذه الدول أن تتعامل بايجابية وحسن نية مع الحكومة العراقية في مجالات ضبط الأمن والمساعدة في تحريك العملية السياسية في اتجاه بناء مؤسسات واجراء انتخابات.

* ما هي المطالب الملموسة التي سيتم توجيهها لدول الجوار؟

ـ سيتم تطمين هذه الدول من قبل المشاركين في المؤتمر وليس من قبل الحكومة العراقية بل من الدول صاحبة الشأن أو القرار. سيكون هناك حوار مع هذه الدول لتطمينها بعدم وجود أجندات سرية ضد مصالحها. أما بالنسبة لنا، فالمطلب الأساسي يتعلق بمواجهة العنف والارهاب. فنحن نحتاج الى تعاون اقليمي ودولي في مكافحته، ونحتاج الى الدعم السياسي. هناك أيضاً أموال من المساعدات الخارجية من الدول المانحة والميزانية العراقية لمشاريع إعادة الاعمار. بالتأكيد، يجب أن تأخذ هذه الدول المجاورة حصة من هذه المشاريع. فهذه هي بالنسبة لنا الأهداف. هذا هو المطروح ونحن نعتقد أن هذا المؤتمر سيكون مهم جداً. نحن في حالة اتصال مستمر مع الاخوة في مصر، حتى خلال اجتماعات الجمعية العامة للأم المتحدة، نعمل على انضاج هذه الفكرة.

* متى سيعقد هذا المؤتمر؟

ـ نأمل في أن يعقد في أقرب وقت وعلى الأرجح أن تستضيفه القاهرة.