«الشرق الأوسط» تفتح ملف كركوك.. مدينة الأقليات هل تكون نموذجا للتعايش أم مدخلا للحرب الأهلية؟

مناطق التركمان والعرب: التداخل يؤكد النسيج التعددي للمدينة

TT

يمتد الوجود التركماني في العراق على طول الخط الذي يمر من (تلعفر، الموصل، اربيل، آلتون كوبري، كركوك، داقوق، طوز خورماتو، كفري، خانقين) وكانوا في زمن السلطنة العثمانية جزءا من سلطة تلك الدولة حيث تبوأوا مناصب سياسية واقتصادية كبيرة بحكم انتمائهم القومي، ولكنهم خسروا تلك السلطة بزوال حكم الخلافة العثمانية، لكن الكثيرين منهم استطاعوا من خلال خبرتهم وكفاءاتهم الادارية من احتلال مناصب مهمة في الدولة العراقية الحديثة التي انشئت بداية عشرينات القرن الماضي، ليعودوا الى الانكفاء بعد تسلم حزب البعث للسلطة في العراق عام 1968 حيث واجهتهم السلطة بالقمع والارهاب وخاصة التركمان الشيعة الذين اعتبرهم النظام السابق امتدادا لايران، فيما اعتبر السنة منهم امتدادا لتركيا.

يتركز وجود التركمان في مدينة كركوك على أحياء (التسعين، بريادي، المصلى) وتبلغ نسبتهم حوالي 80 %، فيما يشكلون الاغلبية في احياء (ساحة الطيران، قورية، امام عباس، طريق بغداد). ويتقاسمون الاكراد في حيي (شاطرلو، وحمام علي بك) اما في بقية احياء المدينة مثل (عرفة، تبة، الواسطي، غرناطة، الخضراء، دوميز، القادسية، العسكري، الشورجة، إمام قاسم) فان وجودهم بنسبة اقل.

وفي خارج المدينة يتركز وجودهم على الاقضية والنواحي التالية:

ـ ليلان، يشكلون فيها نصف السكان.

ـ طوز خورماتو، يشكلون فيها ثلث السكان.

ـ داقوق، يشكلون 40 % ـ تازة خورماتو، يشكلون معظم السكان.

ـ امرلي، النسبة المطلقة.

ـ الحويجة، هناك بعض المعسكرات التي تجمعهم فيها.

كل سكان التركمان في المناطق اعلاه من الشيعة ويشكلون في مدينة آلتون كوبري نصف عدد السكان وهم من الطائفة السنية.

لم تكن للتركمان اية نشاطات سياسية بارزة طوال سنوات القرن الماضي باستثناء بعض الحركات والنشاطات الطفيفة، ويرجع ذلك الى سببين اساسيين: الاول انهم في العموم شعب مسالم منشغلون بأمور التكسب، والثاني لان السلطات الحاكمة كانت تستخدم افظع اشكال القمع والارهاب بحق العراقيين المعارضين لسياساتها. والثقل السكاني للتركمان لم يكن يسمح بمواجهة الانظمة الجائرة خاصة من وزن النظام الدكتاتوري السابق الذي اعتاد على ممارسة جرائم الابادة الجماعية ضد معارضيه، ولكن خلال السنوات الـ12 التي سبقت سقوط النظام السابق استغل التركمان تحرر المنطقة الكردية من قبضة النظام الصدامي وبدأوا بالتحرك لتشكيل عدد من الاحزاب التركمانية التي سرعان ما استقطبت جماهير واسعة حولها فتشكلت على اثر تلك التحركات «الجبهة التركمانية العراقية» التي ما زالت قائمة لحد اليوم وهي الاطار الجبهوي الواسع للتمثيل التركماني في العراق، مع وجود عدد من الاحزاب الصغيرة الاخرى خارج الجبهة والتي تعتبر في الغالب حليفة للاكراد.

كانت الجبهة التركمانية تتهم دائما من القيادات الكردية بالولاء لتركيا التي كان بعض قادة الجبهة يعتبرونها بمثابة الوطن الام، ويعتقد الاكراد ان لتركيا مطامع في اراضيهم خاصة في مدينة كركوك التي تزخر بالثروات النفطية ويتهمونها باستغلال ورقة التركمان للمساومة مع الجانب العراقي وتشديد الضغط على القيادات الكردية للحد من غلواء مطالبهم القومية، وهذا ما افسد الكثير من علاقات الود القائمة بين ابناء القوميتين خاصة ان بعض القادة الاكراد يتحدثون عن دورهم في دعم الاحزاب التركمانية وتوفير الارضية المناسبة في اقليمهم للنشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

اما العرب في المدينة فينقسمون الى قسمين: الاول، اولئك الذين يعتبرهم الاكراد والتركمان عربا اصلاء في المدينة يمتد وجودهم السكاني بحدود محافظتهم الى مئات السنين، جاوروهم وعاشوا بينهم بوئام وسلام وارتبطوا بوشائج عائلية واجتماعية قوية وراسخة، والقسم الثاني وهو الاعظم هم اولئك الوافدون الى المدينة واطرافها في اطار سياسة التطهير العرقي التي مارستها السلطة السابقة والتي يعيد بعض القادة الاكراد البدء بها الى عام 1963 وهو العام الذي نجح فيه حزب البعث بانقلابه الاول في الثامن شباط، لكن تلك السياسة استعرت بشكل فظيع منذ بداية حقبة السبعينات بعد ان استتبت الامور للنظام البعثي.

ويمكن للقارئ ملاحظة الفرق السكاني ونتائج سياسة التعريب والترحيل التي طالت الاكراد والتركمان من خلال العودة الى الجداول الاحصائية المنشورة اعلاه.

يتركز وجود العرب في كركوك بالمناطق التالية ويشكلون فيها اغلبية (العروبة، الممدودة، واحد حزيران، النصر، الواسطي، القادسية، العسكري، النداء، عرفة، العمل الشعبي، الحديدية).. وفي خارج المدينة يتركز وجودهم في المناطق التالية (مركز القضاء، نواحي - عباس والزاب والرياض) حيث يشكلون فيها نسبة 95 % معظمهم من عشائر (الجبور والعبيد والسادة)، وفي قضاء طوز خورماتو يبلغون النصف تقريبا، وفي داقوق يشكلون النسبة الثانية، وينتشرون ايضا في مناطق (ليلان والرشاد وامرلي وسليمان بك ).. وتقدر المصادر غير الرسمية عدد العوائل العربية التي استقدمت لمحافظة كركوك للفترة من 1981ـ 2002 بـ 46152 عائلة يشكلون 270 الف فرد اضافة الى العرب الذين كانوا يسكنون اصلا في المحافظة.

بعد سقوط مدينة كركوك لاول مرة بيد الاكراد، اثر انتفاضتهم في عام 1991، عاد عدد كبير من العوائل العربية الوافدة الى كركوك باطار سياسة التعريب الى مناطقهم الاصلية، فيما عاد اخرون بعد سقوط النظام السابق، وبقي منهم عدد اخر ما زالوا يسكنونها.

استمد العرب المقبلون من مدن ومناطق الجنوب سلطتهم وقوتهم من سياسة التطهير العرقي التي مارستها السلطة السابقة واستحوذوا، بناء على ذلك، على الكثير من اراضي الفلاحين ومواطني المدينة الاصليين، وعينوا في مؤسسات القمع الصدامية مثل (الامن والمخابرات والحرس الجمهوري) والدوائر الحكومية الاخرى، وكانوا بمعظمهم موالين للنظام السابق ومنخرطين بصفوف حزبه، ويشكل السنة الغالبية بينهم، وينتمي معظم هؤلاء العرب الى عشائر (الجبور، العبيد، الحمدانيين، السادة النعيميين، اللهيب، العزة، العزي، البياتي، البومفرج، البوحمد، الرياش، الصميدع، البوعكلة، البوسماق، الجميلي، المعاضيد).

ويشير جدول لعدد مديري دوائر الدولة في كركوك حسب الانتماءات القومية من مجموع 63 دائرة الى ان هناك 23 مديرا كرديا، و19 مديرا عربيا، و21 تركمانيا.

ويدير العرب شركتي النفط في المدينة (شركة نفط الشمال وشركة الانتاج النفطي) فيما يدير التركمان شركة حفر الابار النفطية.

ويشير جدول يبين عدد القائمقاميين ومديري النواحي التابعة لمحافظة كركوك حسب القوميات الى ان هناك 6 اكراد (التون كوبري، شوان، قادر كرم، قرة هنجير، سركران، دبس) و7 عرب (يايجي، الزاب، الرياض، العباسي، الرشاد، داقوق، الحويجة)، و تركمانيين (تازة خورماتو، ليلان).

* مشكلة عودة المرحلين من كركوك * تحتل مشكلة عودة العوائل الكردية المرحلة من مدينة كركوك واطرافها اولى اولويات الادارة ومجلس المحافظة، حتى ان البعض يعتبرها اساس استقرار الوضع في المدينة، وشهدت «الشرق الأوسط» جلسة ساخنة في مبنى المحافظة لمناقشة هذا الملف حيث تم الاتفاق المبدئي على اعادة توطين الاكراد المرحلين بصفة مؤقتة في منطقة (ليلان) وطريق بغداد، فيما كانت هناك معارضة واسعة من العرب والتركمان لاختيار مناطق اضافية لإسكانهم في الوقت الحاضر.. وعلى الرغم من ان قانون ادارة الدولة العراقية ينص في الفقرة (ج) من المادة الثامنة والخمسين على تأجيل البت في وضع كركوك الى ما بعد سن الدستور والانتخابات العامة، الا ان الاكراد يبدون في عجلة من امرهم بالعودة التي انتظروها طويلا حسب قولهم بعد اهمال سلطة التحالف السابقة هذه المسألة لضمان عودتهم، ولكن يبدو ان هناك تغييرا في موقف الاميركيين من هذا الملف خاصة لصالح الاكراد الذين بدأوا يتقاطرون زرافات الى المدينة مما اقلق بقية ابناء القوميات التي وصفوا الحالة بـ(الزحف الكردي) ويتهمون الاكراد بجلب عوائل غير مرحلة وغير منتمية الى المدينة بقصد تغيير التوازن السكاني.

ويشير جدول يبين حركة عودة المرحلين الى مدينة كركوك الى ان عدد العوائل العائدة بلغ 3264 عائلة يشكلون 16320 فردا. ويشكل هؤلاء جزءا من الاكراد المرحلين منذ عام 1963 الى عام 2003 .

ويشير جدول يبين عودة العرب الوافدين الى كركوك ضمن سياسة التطهير العرقي وعادوا الى مناطقهم الاصلية في جنوب العراق للفترة من يوليو (تموز) 2003 الى مايو (ايار) 2004 الى ان عدد العوائل العائدة الى جنوب العراق بلغ 3304 عوائل يشكلون 29286 فردا.

واستطلعت «الشرق الأوسط» آراء عدد من المسؤولين في كركوك حول هذا الملف الى جانب زيارة بعض المواقع للعوائل العائدة ورأي «الشارع الكركوكي»، ان صح التعبير، حول هذا الملف الشائك الذي من شأن معالجته ان يعيد الامن والاستقرار بصورة كاملة الى المدينة، فهذا الملف هو التهديد الوحيد للتعايش السلمي بين أبناء المدينة.