الفصائل الفلسطينية.. تآكل الفروق الآيديولوجية وغلبة الخطاب الديني

TT

إذا أخفي التوقيع التي تذيل به، فأن من يقرأ بيانات «كتائب شهداء الأقصى» الجناح العسكري لحركة «فتح» سيعتقد للوهلة الأولى أنه يطالع بياناً صادرا عن حركة المقاومة الاسلامية «حماس» أو «الجهاد الإسلامي». فبعد اربع سنوات على انطلاقة انتفاضة الأقصى، فإن المضامين الآيديولوجية للخطاب السياسي لـ«كتائب الأقصى» يماثل المضامين الآيديولوجية لخطاب كل من «حماس»، و«الجهاد». فلا يكاد يخلو بيان لـ«كتائب الأقصى»، الحركة السياسية المفترض ان تبني خطابها على الواقعية السياسية، لا تربط فيه بين عملها المقاوم وتحرير «كل فلسطين»، هي ذات مطالب حركات المقاومة ذات الارضية الدينية. تآكل الفروق الآيديولوجية امتد الى النظرة للتفاوض مع إسرائيل، فأصبح الجهاز العسكري المفترض أن يتبع تعليمات قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية يهاجم مبدأ التفاوض بين السلطة وإسرائيل، ويطعن في شرعيتها، ويشكك في دوافعها، الى حد وصف هذه الاتصالات بـ«الخيانة». لم تتآكل الفروق الآيديولوجية بين الفصائل المقاومة، فحسب، بل تآكلت الفروق في وسائل وأشكال المقاومة. فبعدما كان اعتماد العمليات الاستشهادية حكراً على الحركات الإسلامية أصبحت الحركات العلمانية ابتداء من «فتح» وانتهاء بجبهات اليسار، تعتمد هذا الأسلوب كأحد أهم أساليب عمليات المقاومة. هذا التطور كان ناجماً بشكل أساسي عن الحافز الكبير في أوساط الشباب الفلسطيني لتنفيذ هذه العمليات. من هنا لم تكن مهمة تجنيد الاستشهاديين مهمة صعبة بشكل خاص. وفي نفس الوقت فقد لعب التنافس بين الفصائل المختلفة على تأييد الرأي العام الفلسطيني في تقليد الفصائل لبعضها البعض في اشكال عملياتها المقاومة، وتطوير انماط عمل خاصة بها، سرعان ما تلقفتها بقية الفصائل. وخلال هذه الانتفاضة، وبخلاف ما كانت عليه الحال في الانتفاضة الاولى ازدهرت عمليات التسلل النوعية الى قلب المستوطنات ومواقع الجيش. وقد بدأت «كتائب شهداء الاقصى»، هذا النوع من العمليات، وبعد مضي اربع سنوات على انطلاق الانتفاضة وصل عدد عمليات التسلل الى المستوطنات إلى أكثر من ثلاثين عملية قتل فيها العشرات من جنود الاحتلال ومستوطنيه. وتوسع جيش الاحتلال في اقامة التحصنيات المنيعة في محيط المستوطنات ومواقعه العسكرية، مما دفع المقاومة الى ابتكار وسائل لتجاوز هذه التحصينات، فكان تصنيع قذائف صاروخية بشكل بدائي، وعلى الرغم من محدودية فعلها، الا انها ساهمت فى تهميش دور تحصينات جيش الاحتلال في حماية جنوده والمستوطنين. وكانت حركات المقاومة قد شرعت بتصنيع قذائف الهاون في البداية، لكن حماس انتقلت من استخدام قذائف الهاون الى استخدام قذائف صاروخية يترواح مداها من اثنين كلم الى ثمانية كلم، أطلقت عليها اسم صواريخ «القسام»، وأصبحت هذه الصواريخ الوسيلة الوحيدة للمس بالمستوطنات داخل اسرائيل انطلاقا من قطاع غزة.

وتوالى تطوير حماس لمزيد من الصواريخ ، فكان تطوير صاروخ «البتار» و «البنا». في نفس الوقت طورت «كتائب شهداء الاقصى» نسختين من صاروخ «الاقصى»، في حين طورت «لجان المقاومة الشعبية» ثلاث نسخ من صاروخ «الناصر»، أما «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الاسلامي»، فقد طورت صاروخ «سرايا». كل تنظيم من تنظيمات المقاومة كان له قسم هندسة لتصنيع الصواريخ والقذائف، كما تعلن في بياناتها ومواقعها على شبكة الانترنت. وقد ادى ذلك الى قيام اسرائيل بقصف المئات من ورش الخراطة والحدادة في ارجاء القطاع بزعم أنها تساهم في تصنيع هذه الصواريخ. وخلال انتفاضة الاقصى حدث ما لم يسبق حدوثه في تجربة العمل الفلسطيني المقاوم، وهو اشتراك اكثر من فصيل في عملية عسكرية واحدة، أو ما اصطلح على تسميته بـ«العمليات المشتركة». ومن المفارقات، فإن العمليات المشتركة شهدت في كثير من الأحيان نجاحا كبيرا. بالاضافة الى كل ذلك فقد طغت اللغة الدينية على خطاب حركات المقاومة. فبات الاستشهاد بالآيات القرآنية معلماً من معالم أدبيات هذه الفصائل. فضلاً عن ذلك فإن جميع الذين نفذوا العمليات الاستشهادية ومن مختلف الفصائل ظهروا في أشرطة الفيديو التذكارية، التي تؤخذ عادة قبل تنفيذ العمليات، وهم يحملون القرآن الكريم.