الموازنة اللبنانية مشروع أزمة جديدة في العلاقات الرئاسية ومقربون من لحود يتهمون الحريري بـ «فرض أمر واقع»

اقتراح بإلغاء جهاز أمني ومجلس الجنوب والمهجرين يثير جدلا

TT

برزت امس ازمة جديدة في العلاقات الرئاسية اللبنانية تنبئ بسجالات بين المسؤولين على خلفية مشروع الموازنة للدولة للعام 2005 . وفيما كانت الانظار متجهة الى الاتصالات التي يجريها رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري مع الاطراف المعارضة للدخول في الحكومة الجديدة المتوقع تشكيلها بعد استقالة الحكومة الحالية مطلع الشهر المقبل، فوجىء الوسط السياسي باعلان وزير المال فؤاد السنيورة القريب من الحريري عن الموازنة الجديدة التي تضمنت اقتراحات بالغاء احد الاجهزة الامنية ومجلسي الجنوب والمهجرين. وقد تبع ذلك رد سريع من وزير الاتصالات جان لوي قرداحي، المحسوب على رئيس الجمهورية اميل لحود، لم يوفر فيه رئيس الحكومة متهماً اياه بـ «المزايدة باصلاحات ادارية ومالية لم يقم بها في السابق، كما يهدف الى القوطبة وفرض الامر الواقع في ما خص المشاورات المتعلقة بالحكومة المقبلة».

وقد اشار وزير المال، في مؤتمر صحافي عقده امس للاعلان عن مشروع الموازنة، انه اقترح الغاء مديرية أمن الدولة »لأن الدولة اللبنانية بحجمها وامكاناتها وعدد سكانها غير قادرة على ان يكون لديها هذه الاجهزة العسكرية التي هي غير موجودة حتى في الدول الكبرى».

وعما اذا كانت هذه الموازنة سياسية، قال: «افضل شيء ان يأتي احدهم ويطلق النار على الموازنة ويقول هذه موازنة سياسية ولها اغراض سياسية وبالتالي غير قابلة للتطبيق. نحن لدينا مشكلة وان محاولة تغطية هذه المشكلة بأمور سياسية او بالظروف او غيرها، معنى ذلك ان المشكلة تتفاقم. هل نريد الاصلاح ام اننا نقول به ولا نفعل؟ هذا الامر لم يعد ينفع».

وعقب اعلان السنيورة صدر عن الوزير قرداحي بيان رأى فيه »ان تعميم الموازنة على وسائل الاعلام بهذه الطريقة السريعة والمفاجئة، وقبل توزيعها على الوزراء للاطلاع عليها حسب الاصول الدستورية والقانونية، بمثابة مناورة اعلامية من قبل رئيس الحكومة ووزير المال». وقال: «ان الرئيس الحريري كان يقيم القيامة في السنوات السابقة عندما تتسرب الموازنة الى الصحف بعد توزيعها على الوزراء. اما اليوم فنراه متبرعاً في هذا المجال. والجميع يعلم ان الاعلان عن مشروع الموازنة بهذه الطريقة يهدف الى المزايدة باصلاحات ادارية ومالية لم يقم بها في السابق. كما يهدف الى القوطبة وفرض الامر الواقع في ما خص المشاورات المتعلقة بالحكومة المقبلة». وتمنى على الجميع «مقاربة موضوعية ومسؤولة للملفات المطروحة، لان البلاد ليست في حاجة الى المزيد من التعقيدات في الوقت الراهن».

وفي الاطار نفسه، استغربت مصادر قريبة من الرئيس لحود ان «يتم تسريب مشروع قانون الموازنة الى بعض وسائل الاعلام قبل ان يطلع عليه المعنيون في الدولة وفي مقدمهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء».

وقالت المصادر ان الوزير السنيورة »وقع من حيث الشكل في خطأ عبر الاعلان عن مشروع الموازنة من دون اطلاع الجهات المختصة« مشيرة الى »ان هذا الامر يتكرر للمرة الثانية، اذ سبق للوزير السنيورة في العام الفائت ان قام بتوزيع مشروع الموزانة في يوم العطلة الاسبوعي، اي الاحد، وعقد مؤتمراً صحافياً خارج الوزارة شرح خلاله بنود الموازنة. وقد قام بهذا الامر السنة الحالية».

وتوقفت المصادر عند »التزامن« بين تسريب الموزانة وقرب استقالة الحكومة. وقالت انه «كان بالامكان الانتظار لاسبوع، وهو الوقت الذي يحتاجه تشكيل الحكومة العتيدة. وبالتالي يتم اعداد مشروع قانون الموازنة من دون اللجوء الى تسجيل نقاط استباقية هي اشبه بقيود يتم وضعها سلفاً على عمل وزير المال المقبل في حال كان هناك بديل من السنيورة». ووضعت وضع البنود الاصلاحية في الموازنة بانه «صاعق مفجر قد يؤدي الى ارباكات في مجلس الوزراء تنسحب على مجلس النواب». واعتبرت المصادر ان السنيورة بطرحه مشروع قانون الموازنة بالشكل والمضمون، كما حصل هو «اشبه بافتعال مشكلة» وانه «مهد بذلك لاجواء تشنج في البلاد، ليس مع جهة واحدة انما مع جهات عدة معنية بمشروع قانون الموازنة».

ومن المتوقع ان يثير مشروع الموازنة ايضاً حفيظة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يرعى مجلس الجنوب الذي اقترح السنيورة الغاءه.

وفي انتظار عودة الرئيس بري من جنيف جاء رد «اولي» من نائب رئيس مجلس الجنوب جان مخايل الذي سأل عما اذا انتفت الغاية من انشاء مجلس الجنوب وتم الانسحاب الاسرائلي من كامل الاراضي اللبنانية، فيما تبقى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا محتلة. واشار الى «ان المجلس يلتزم ما يقرره مجلس الوزراء. انما الغاية من انشاء المجلس لا تزال قائمة».

وفي المقابل، نقل زوار الرئيس الحريري عنه تصميمه على الاستقالة وتشديده على قيام «حكومة منسجمة». وقال النائب قبلان عيسى الخوري عقب زيارته الحريري امس: «انا اتمنى على الرئيسين لحود والحريري ازالة الحساسيات بينهما. وعلى السياسيين محاولة اطفاء النار بدلاً من صب الزيت عليها». واضاف: «اعتقد ان دولة الرئيس مصمم على الاستقالة. وعلينا جميعاً ان نكون الى جانبه ليستطيع تأليف حكومة فيها شيء من الانسجام لانه اذا لم يكن هناك انسجام في الحكم سيترتب علينا خراب اقتصادي وسياسي. ومن المؤكد ان الرئيس الحريري هو الذي سيُكلَّف تأليف الحكومة. وانا اتمنى ان يستطيع الاتيان باشخاص همهم قبل كل شيء الوطن. وعلى الشخص ان يفكر بوطنه قبل ان يفكر بطائفته».

كذلك نقل النائب وجيه البعريني عن الحريري »حرصه الشديد على كيفية الخروج من الواقع الداخلي ضمن اطار تعزيز الوحدة الداخلية بين جميع القوى الحريصة على لبنان والقفز فوق الاعتبارات الخاصة لما فيه المصلحة الوطنية والقومية».

وبدا امس ان مساعي الحريري لضم المعارضة الى حكومته تتعثر. اذ قالت اوساط في المعارضة المسيحية لـ «الشرق الاوسط» ان الاتجاه العام يميل الى عدم المشاركة في الحكومة الجديدة لان هذه المشاركة مرتبطة بعوامل عدة غير متوافرة، ابرزها يتعلق بالعرض المطروح على المعارضة والذي لا يتعدى توزير اثنين او ثلاثة من «لقاء قرنة شهوان» المعارض ومن خارجه. وهذا العرض تعتبره جهات عدة في المعارضة «فخاً» حقيقياً يؤدي الى انشقاقات داخل المعارضة بسبب الخلاف على التوزير، من جهة، وبسبب عدم التوافق على الاهداف المتوقع ان تحققها المعارضة جراء مشاركتها، من جهة اخرى. واشارت الاوساط المعارضة الى «ان تبانياً حقيقياً» حصل داخل «قرنة شهوان» بعد طلب رئيس الحكومة رفيق الحريري الاجتماع بوفد من اللقاء. اذ ان البعض في القرنة ممن يشكلون تياراً يعارض توسيع العلاقة مع الرئيس الحريري او تقديم مكافآت سياسية له في هذه الفترة اعترض على مبدأ الاجتماع به. وهذا ما ادى الى ارجاء البحث في هذا الامر الى الاجتماع الذي ستعقده القرنة غداً. هذا مع العلم ان عضوي قرنة شهوان النائب فارس سعيد وسمير فرنجية يؤيدان ابقاء الاتصال مفتوحاً مع الرئيس الحريري. وهما يستعدان لمرحلة جديدة من التنسيق مع رئيس الحكومة حتى لو لم تشارك القرنة في الحكومة.

وتصف الاوساط المعارضة وضع رئيس الحكومة بانه «بات افضل مما كان عليه قبل حصول التمديد» وان حركته وقدرته على المناورة والاتصال بالمعارضة باتت اوسع مما كانت في الماضي. وهذا ما يتيح امكان استمرار الكلام معه. الا ان هذه الاوساط تخشى، من جهة اخرى، ان ينعكس التحسن الذي طرأ على علاقة الرئيس الحريري بالقيادة السورية على علاقته بالمعارضة بحيث يكون سعيه لاشراكها في الحكوكة مجرد استيعاب لها يوظفه سياسياً في مكان آخر. ولا تنظر الاوساط المعارضة بعين الرضى الى حركة الحريري السريعة باتجاه فرنسا. وترى فيها محاولة للتخفيف من دور فرنسا في التأثير على مضمون التقرير الذي سيصدره الامين العام للامم المتحدة كوفي انان بخصوص القرار 1559 .

وترى الاوساط ان حركة رئيس الحكومة هذه وزيارته الاخيرة لبكركي قد لا تؤديان الى النتائج المرجوة لاسيما ان البطريرك الماروني نصر الله صفير يتحفظ ايضاً على مجرد اعطاء مقعدين وزاريين للمعارضة ويريد حكومة وفاق وطني حقيقية تؤمن تمثيلاً صحيحاً للخريطة السياسية في البلاد.

وفيما تردد ان البطريرك صفير لن يزور القصر الجمهوري اليوم ـ خلافاً لما تردد في بعض وسائل الاعلام ـ «لان جدول مواعيده في بكركي حافل». اكد وزير الثقافة كرم كرم الذي كان زار صفير اول من امس ان «المرحلة الراهنة التي تمر بها المنطقة تتطلب من الجميع اقصى درجات الحكمة والتعقل وبعد النظر خصوصاً من القيادات الحكيمة مثل البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير»، مشدداً على «ان مصلحتنا هي في وحدتنا الوطنية وفي اوثق العلاقات مع اشقائنا واصدقائنا» داعياً الى «اعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن».