منع المحجبات من السفر بالطائرات الروسية بسبب إثارته الفزع وأجهزة الأمن تلاحق صاحباته بتعليمات غير معلنة

TT

تحول الحجاب في روسيا إلى مشكلة قومية وصارت البشرة القوقازية السمراء مبررا لاحتمالات النيل من صاحبها. واذا كانت الأمهات قد عثرن على حل لمشكلة الحجاب بعدم ارتدائه في الطريق العام للتخلص من مضايقات المارة وممثلي التيارات العنصرية في الشارع الروسي، فماذا يمكن ان يفعل صاحب البشرة السمراء والملامح القوقازية والعربية؟

هذه المشكلة صارت تؤرق الآلاف من أبناء الدولة الروسية وضيوفها من العرب والمسلمين، فما ان تدلف محجبة إلى عربة مترو أو حافلة ركاب حتى تتعلق بها الأنظار، ويحاول الكثيرون الابتعاد أو مغادرة الحافلة على وجه السرعة. ولا يقتصر الأمر على بسطاء المواطنين ممن يخشون على حياتهم من تكرار العمليات الانتحارية، بل تعداه إلى ممثلي أجهزة الأمن والشرطة ممن يمتثلون لأوامر غير معلنة حول ضرورة تفتيش ومراجعة وثائق كل المحجبات والغالبية الساحقة من أصحاب البشرات السمراء.

ورغم أن الحجاب الذي ترتديه الفتيات المسلمات في روسيا ليس سوى منديل عادي يغطي الشعر والأذنين ولا يختلف في شيء عن مثيله التي تضعه المسيحية على رأسها حين تدخل إلى الكنيسة، فإنه يثير الكثير من التعليقات بما في ذلك من جانب الصغار: ـ «ماما! هل هذه شهيدة»؟

يسأل الصغير والدته تحت تأثير ما تردده أجهزة الإعلام ليل نهار في معرض وصفها للانتحاريات اللاتي شوهن بعملياتهن الارهابية كل مقدس ونبيل في ديننا الحنيف. ولعل من الغريب ان تتخذ هذه الظاهرة أبعادا تتعدى حدود المعقول والمقبول في بلد تتعدد قومياته وأديانه وأعراقه ويسكنه ما يقرب من عشرين مليونا من المسلمين، وتسعى قيادته السياسية، ممثلة في الرئيس فلاديمير بوتين شخصيا، إلى الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي.

وكانت موسكو قد شهدت مؤخرا امتناع ركاب طائرة كراسنويارسك، المتجهة من مطار دوموديفو في موسكو إلى الغردقة، عن السفر وإرغام شركة الطيران على منع سيدة محجبة بصحبة طفل ومواطنين ملتحيين من السفر معهم وطردهم من الطائرة. ورغم تكرار محاولات إدارة أمن المطار إقناع الركاب بسلامة موقفهم الأمني وإخلاء الطائرة وإعادة تفتيشها فضلا عن التفتيش الذاتي للركاب «المشبوهين» بحضور ممثلين عن بقية الركاب، فقد رفض الجميع الموافقة على السماح لهم بالسفر معهم، وهو ما دفع المسؤولين إلى الرضوخ لمطالبهم، وأقلعت الطائرة بعد أربع ساعات من المداولات المضنية. وقالت مصادر مطار دوموديفو (الذي أقلعت منه الطائرتان اللتان فجرتا في نهاية أغسطس (آب) الماضي فوق كل من روستوف وتولا)، إن المفاجأة تمثلت في أن السيدة المحجبة روسية ولقبها بافلوفا اضطرت إلى تطويق رأسها بمنديل بسبب آلام في الأُذن بينما كان الرجلان من أبناء داغستان، قيل ان تأخر الثلاثة في الركوب أثار شكوك الركاب. لكن هذه تهمة تسقط أمام اعتراف سلطات مطار دوموديفو بأن تأخر ركوبهم كان بسبب الإمعان في تفتيشهم الأمني الدقيق.

وقد أعاد هذا الحادث إلى الأذهان إصرار ركاب إحدى الطائرات الروسية التي كانت في طريقها إلى موسكو من شرم الشيخ، مصر، في مطلع سبتمبر (أيلول) الجاري على منع سيدتين شيشانيتين من السفر معهم، وهو ما رضخت له السلطات الأمنية المصرية بالفعل. واعترفت سلطات مطار دوموديفو بسوء الحالة النفسية للمسافرين، وأشارت إلى واقعة إنزال راكبين روسيين مخمورين من على متن الطائرة المتجهة إلى انطاليا في تركيا بسبب مزحة سخيفة تساءلا من خلالها حول أفضل مكان لوضع ما وصفاه بـ«حزام الشهيد». وهو ما أثار الفزع بين الركاب ودفعهم إلى الإصرار على انزال الراكبين وإعادة تفتيش الطائرة.

وقالت المصادر إن الخوف لم يسيطر على الركاب وحسب بل تملك العاملين في المطار حيث رفض الخروج إلى العمل كل أعضاء نوبة اليوم التالي (حوالي 500 شخص) بعد انفجار الطائرتين المدنيتين في أواخر أغسطس الماضي. ويشير البعض إلى إمارات الفزع والشحوب التي ترتسم على وجوه بعض الركاب لدى دخولهم إلى الطائرة «وكأنهم في طريقهم إلى العالم الآخر»، على حد تعبير أحد موظفي مطار دوموديفو.

واعترفت مصادر إحدى الشركات السياحية بأن اتفاقا غير معلن توصلت إليه هذه الشركات حول إرغام القوقازيين على توقيع إقرارات تقول بعدم مسؤولية الشركة في حال إرغامهم على عدم السفر. وقالت مصادر الطيران المدني إن التفكير يدور الآن حول ضرورة إقرار نظام «المساءلة» السريع مع الركاب لدى تسجيل بطاقات سفرهم حول أسباب سفرهم وأسماء معارفهم والجهة التي يقصدونها وماذا يحملون، على غرار ما يجري في بعض المطارات الإسرائيلية والأميركية والأوروبية، مع ضرورة تحليل نبرة المتحدث عبر أجهزة خاصة من أجل تحديد حالته النفسية.

وكانت قضية الحجاب قد احتدمت بين الأوساط الدينية والسياسية في أعقاب رفض الرئيس بوتين الاستجابة لطلب مسلمات من تتارستان استثنائهن من قانون التصوير الفوتوغرافي لجوازات السفر الذي يقضي بضرورة أن تكون الصورة بغير أغطية الرأس، وهو ما استطعن لاحقا الطعن فيه من خلال المحكمة العليا التي أصدرت حكمها بهذا الشأن في مارس (آذار) من العام الماضي. وكانت صحيفة «أزفيستيا» قد نشرت نتيجة لاستطلاع للرأي حول الموقف من تأييد المتشددين وأنصار رفض السفر مع المحجبات، والتي أفادت بأن 84.25% من المشاركين في هذا الاستطلاع يؤيدون عدم السفر مع المحجبات مقابل 15.75% يؤكدون استعدادهم للسفر معهن ويرفضون المنع الذي قالت الصحيفة نفسها إنه «انتهاك لحقوق الإنسان» من جانب شركات الطيران.