مدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعى لـ الشرق الاوسط : مجرد ترشيحي والوكالة لنوبل للسلام «وسام شرف»

من السابق لأوانه الكلام عن رفع الملف الإيراني إلى مجلس الأمن * سأرتاح لو غادرت منصبي وطلبي الاستمرار لولاية ثالثة «تضحية» واستجابة لمطالب دول عديدة

TT

أكد الدكتور محمد البرادعي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية سعادته لوجوده ووكالة الطاقة الذرية على رأس المرشحين لجائزة نوبل للسلام لهذا العام والمقرر ان تعلن نتيجتها بعد غد. وقال الدكتور البرادعي ان مجرد ترشيحه والوكالة للجائزة الرفيعة «وسام شرف» سواء فازوا او لم يفوزوا. واوضح مدير وكالة الطاقة في حوار خص به «الشرق الأوسط» انه من السابق لاوانه الكلام عن رفع الملف النووي الايراني الى مجلس الامن. كما قال (آسفا) ان الدول العربية اساءت معالجة البرنامج النووي الاسرائيلي منذ الستينات وفوتت فرص عديدة لاجبار اسرائيل على التخلي عن اسلحتها النووية. كما اكد الدكتور البرادعي انه تقدم بطلب لاستكمال ولاية ثالثة على رأس الوكالة الدولية بعد الحاح العديد من دول العالم. وقال «سأرتاح لو غادرت منصبي وطلبي الاستمرار لولاية ثالثة «تضحية» واستجابة لمطالب دول عديدة».

* يتردد كثيرا هذه الايام اسمكم والوكالة الدولية للطاقة الذرية لنيل جائزة نوبل للسلام بسبب العمل الدؤوب الذين تقومون به من اجل منع الانتشار النووي، فما الذي ستفعلونه بالجائزة في حال فوزكم بها؟

* مجرد ترشيحنا والوكالة هو وسام شرف لنا ولما نقوم به، سواء فزنا او لو لم نفز. ولم افكر ماذا سأفعل اذا ما فزت، فأنا اعمل بناءً على حقائق وعندما يصبح حصولي على تلك الجائزة حقيقة فسوف اخبرك بخططي.

* لماذا تقدمتم بطلب رسمي للاستمرار كرئيس للوكالة الدولية للطاقة الذرية لولاية ثالثة؟

* تقدمت بطلبي بعد ان «رجتنى» كثير من الدول الاعضاء الاستمرار وذلك لاستكمال كثير من المسائل المعلقة كالملف الايراني والكوري الشمالي والعراقي الذي لم نغلقه حتى اللحظة. وللنظر فيما علينا اتخاذه لبناء نظام اكثر فاعلية في حربنا ضد السوق النووية السوداء. لكل هذه القضايا وقضايا اخرى طلبت مني كثير من الدول الاستمرار وقد كنت ما ازال مترددا في هذا الشأن لكنني انظر لاستمراري كاستمرار في الخدمة العامة التي عملت فيها طيلة حياتي. واود ان اغلق هذه الملفات قبل ان اغادر الوكالة، لكن من ناحية شخصية فانني سأكون اكثر راحة لو غادرت. سأرتاح نفسيا وجسديا وماديا. وبصراحة فانني انظر للاستمرار كنوع من التضحية.

* وماذا عن التصريحات الاميركية التي تؤكد رفض التمديد لاكثر من ولايتين لرئاسة اية منظمة دولية، خاصة ان تلك التصريحات ظهرت بعد اعلان رغبتكم في التمديد؟

* لقد اعلن وزير الخارجية الاميركي كولن باول هذا الرأي. لكن بالطبع من حق اية دولة ان تبدي رأيها وان توضح سياساتها كما هو من حقي كذلك ان اتخذ القرار الذي يناسبني، وكما ذكرت فانني قد اتخذت هذا القرار استجابة لطلب كثير من الدول وسأكون سعيدا اذا ما استمررت كما سأكون سعيدا لو مضيت لبدائل اخرى. ولا اعلم بالضبط ماذا سيقرر الاميركيون، فقد قالوا انهم مبدئيا ضد التمديد لاكثر من فترتين لكنهم لم يقرروا في حالتي بعد. سأنتظر لأرى قرار الولايات المتحدة ولأرى قرار الدول الاخرى وهي اكثر من 140 دولة. فان كان هناك اتفاق عام على ان خدمتي مطلوبة سوف اواصل، وان كان هناك اتفاق على غير ذلك فسأكون سعيدا ايضا.

* ديمونة وإسرائيل

* كثر أخيرا الحديث عن تسريبات نووية منم مفاعل ديمونة الاسرائيلي ما الحقيقية؟

ـ هذا الامر يختص بالامن وليس انتشار سلاح نووي. نعم هناك خوف وقلق من تسريبات نووية وقد ذكرنا للدول المحيطة باسرائيل ان الوكالة على استعداد لعمل رصد لمعرفة ان كان هناك أي اشعاع. وبالفعل قد طلب منا الاردن ذلك وستصله بعثة خلال الاسابيع الثلاثة المقبلة ونحن على استعداد لارسال بعثات مماثلة لاية دولة تشعر بالخطر وسنتخذ الاجراءات المطلوبة لكن حتى الآن لم يثبت وجود مستوى اشعاعي غير اعتيادي داخل اية دولة عربية.

* خرج المؤتمر العام الاخير للوكالة بتوصية لدول منطقة الشرق الاوسط بالسعي لجعلها منطقة تخلو من السلاح النووي. لماذا لم تخاطب اسرائيل مباشرة وهي الدولة النووية الوحيدة بالمنطقة والمعنية بالامر؟

ـ ان نظام منع الانتشار ما يزال نظاما غير مكتمل، فدول كاسرائيل والهند وباكستان ما تزال خارجة على هذا النظام. وهو نظام تطوعي تم بناؤه على ان تقرر الدول طواعية الانضمام اليه اذا ما رأت في ذلك مصلحتها. لقد قررت اسرائيل لاعتبارات تخصها عدم الانضمام معلنة انها ـ فقط ـ ستتخلى من السلاح النووي في اطار سلام شامل. هذا الخلاف ظل مستمرا بين اسرائيل والدول العربية التي تؤمن ان على اسرائيل التخلي عن سلاحها النووي كخطوة لبناء ثقة حتى قبل الوصول لسلام شامل.

* هناك عدم فهم وتساؤلات كثيرة لماذا لا نطبق نظام الضمانات على اسرائيل؟ ولماذا تعامل ايران بطريقة تختلف عن اسرائيل؟ ـ ان هذا الامر وللاسف لا يدخل في صلاحياتنا، اذ ليس لدى الصلاحية للتفتيش على اسرائيل او الهند او باكستان او الدول الخمس وسأكون سعيدا او كان ذلك من صلاحيتي اذ ان املي في نهاية المطاف ان يكون العالم خاليا من سلاح نووي. ان ما حاولت الوكالة فعله هو احراز تقدم في الحوار الدائر بين دول الشرق الاوسط واسرائيل، ولهذا السبب قمت أخيرا بزيارة لاسرائيل وقد كان هناك الكثير من عدم الفهم لاسباب تلك الزيارة. فقد ذكر بعضهم انني قد ذهبت للسياحة.. وقد تمنى بعضهم الا تتم الزيارة.

ـ انا ذهبت للتشاور وليس كمبادرة مني. بصراحة لقد اساء العرب التعامل مع البرنامج النووي الاسرائيلي الذي بدأ منذ الستينات، اذ كانت لدى الدول العربية وبالذات مصر فرصة عندما عقدت اتفاقات كامب ديفيد ان تثير هذا الموضوع وان يتم الحصول على تعهد اسرائيلي بالتخلي عن برنامجها النووي. كذلك فاتت الفرصة خلال كل الاتفاقات العربية ـ الاسرائيلية. كما فاتت تماما عند انضمام الدول العربية لاتفاقية منع الانتشار النووي، اذ كان عليهم ان يشترطوا انضمام اسرائيل. كلها فرص ضائعة للاسف، لكننا يجب الا ننظر للخلف ولن يكفينا اصدار قرارات تلو قرارات تدين البرنامج النووي الاسرائيلي. والحل هو ان نبدأ حوارا لخلق نظام امني له رؤية لتحقيق منطقة خالية من اسلحة الدمار. وللاسف حتى الآن لم نناقش هذه الموضوعات باسلوب جاد عدا محاولات بسيطة تمت في اطار مؤتمر مدريد منذ عشر سنوات وقد تم اجهاضها.

* السوق النووية السوداء

* ماذا عن صحة التقارير التي ذكرت وصول شحنات نووية غيرت أخيرا طريقها من ليبيا الى جنوب افريقيا بعدما اتخذت طرابلس قرارا بالقضاء على ترسانتها النووية؟

* هذه اخبار صحيحة فما زالت الشبكة التي تعمل في مجال السوق الاسود النووي تواصل نشاطها. وقد اتضحت لنا بعض معالمها بعد التعاون الايراني والتعاون الليبي وهي شبكة متعددة الاطراف للتجارة في مواد غير مشروعة نوويا. وظهر لنا ان هناك اكثر من 30 شركة في عدة دول تدخل ضمن هذه الشبكة، بعضها لا يعلم انه يشارك في تجارة غير مشروعة. وما نزال نحاول الالمام بكل خفايا هذه الشبكة بالتعاون مع دول كثيرة وما تم أخيرا في جنوب افريقيا بالقبض على اولئك الافراد ساعد الى حد كبير في الوقوف على ابعاد اخرى لهذه الشبكة والعمل على تفكيكها.

* ما هو تصوركم المبدئي حول تقرير وكالة الطاقة حول ايران المقرر صدوره في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟

* قد بدأنا العمل في التقرير وسيكون جاهزا في الموعد المحدد قبل اجتماع مجلس الامناء. حتى الآن ليس هناك جديد وما زلت اطلب من ايران حل المسائل التي ما تزال عالقة، وطالبنا منها تعليق تخصيب اليورانيوم كحل لازمة الثقة وما نزال في مرحلة المحادثات.

* هناك حديث حول رفع الملف الايراني الى مجلس الامن، فهل لكم ان توضحوا لنا ما سيحدث ان تم ذلك؟

* ما سيحدث متروك تقديره للامناء في اجتماعهم المقبل وسيتم ذلك في اطار الملاءمة السياسية والقانونية. واذا ما قرر مجلس الامناء رفع الامر لمجلس الامن الدولي فانهم سيقررون لسبب او مسببات دفعهم لذلك، مثلا هل لمجرد العلم كما تم أخيرا في حالة الملف الليبي ام لطلب اتخاذ اجراءات بعينها. عادة يتم رفع الامر لمجلس الامن اذا ما كان هناك اخلال بالتزامات تنص عليها اتفاقية منع الانتشار النووي. في حالة ايران سيتوقف الامر على ما اذا كان هناك تجاوز ام أن هناك مسائل معلقة. على كل حال فان هذا موضوع سابق لاوانه ومجلس الامن اذا ما رفع الامر له فعنده عدة خيارات. لكن اسوأ سيناريو هو ان يرفع ملف ايران للمجلس بدعوى عدم التزامها بمعاهدة الحد من الانتشار النووي. اكرر ان هذا موضوع سابق لاوانه ولا فائدة من التكهن بما سيتم فهناك كثير من المعطيات التي لا نعرفها الآن، ما ازال احاول ان يكون الحل حلا عمليا دبلوماسيا عن طريق عمليات التفتيش الدولي وآمل الا يكون بالاضطرار لاتخاذ اجراءات جبرية ولا افضل الدخول في تكهنات عن انسحاب ايران.

* الوكالة وتهم الإخفاء

* كثيرا ما تتردد اتهامات ضد الوكالة الدولية باخفاء معلومات او بعضها. ما سبب تلك الاتهامات في رأيكم؟

ـ ليس صحيحا ان الوكالة تخفي اية معلومات وكل ما هناك من اتهامات سببه عدم فهم لدور الوكالة. واؤكد اننا نذكر في تقاريرنا ما لدينا من حقائق من دون تلوين او تكهنات وقد اثبتت تجربتنا في العراق ان الوكالة على حق عندما ذكرنا في تقاريرنا قبل الحرب اننا لم نجد ما يشير لوجود سلاح نووي بالعراق غير الذي قدمته الوكالة، هذا بينما تصاعدت حدة الاتهامات للوكالة ولي شخصيا باخفاء حقائق وباننا نحاول اظهار العراق بمظهر جيد فما الذي حدث؟ لقد ظهرت الحقائق لكن بعد حرب دمرت العراق تدميرا كاملا كما نراه الآ. ان كان هناك درس مستفاد من تجربة العراق فهو الا نتسرع في الوصول لنتائج قبل ان تكتمل لدينا الحقائق، وهذا تماما ما نحاول القيام به في ايران، فهناك الكثيرون ممن يقولون ان لايران برنامجا عسكريا نوويا، لكنني شخصيا لن اتسرع في الوصول لنتائج قبل ان يكتمل بناؤها على حقائق موضوعية. لم ار حتى الآن ضرورة ما يطلق عليه خطرا عاجلا. لم ار ما يطلق عليه برنامجا عسكريا.. كل ما اراه هو ان ايران تحاول الوصول للمعرفة التقنية لتخصيب اليورانيوم وطالما ليس هناك خطر حال فلا بد ان استنفد الوسائل السياسية والدبلوماسية كافة وصولا لحل قبل ان أفكر في بدائل أخرى.