قادة أحزاب سياسية مغربية: علاقة الدين بالدولة في المغرب محسومة تاريخيا واجتماعيا وسياسيا.. ولا مجال للحديث عن الفصل بينهما

TT

أجمع قادة أحزاب سياسية مغربية، يمثلون مختلف مكونات الطيف السياسي في البلاد، خلال مناظرة بالدار البيضاء، على أنه لا مجال للحديث عن فصل الدين عن الدولة في المغرب. وأشاروا إلى أن مسألة علاقة الدين بالدولة في المغرب محسومة تاريخيا واجتماعيا وسياسيا ومكرسة في النص الدستوري، الذي يقر أن الإسلام دين الدولة، ويقر أيضا بمؤسسة أمير المؤمنين.

غير أن قادة الأحزاب المشاركين في المناظرة التي نظمتها «مجموعة الحضارة والديمقراطة» مساء أول من أمس بالدار البيضاء حول موضوع «علاقة الدين والسياسة» والتي تميزت بحضور جمهور كثيف تجاوز ألف شخص، أجمعوا أيضا على معارضة استغلال الدين لأغراض سياسية، وثمنوا المواقف التي عبر عنها العاهل المغربي الملك محمد السادس بهذا الشأن وخاصة ما جاء منها في خطاب عيد الجلوس، الذي أكد فيه على أن الدين والسياسة لا يلتقيان في المغرب إلا في مستوى إمارة المؤمنين، أي في قمة هرم السلطة.

ودعا سعد الدين العثماني، أمين عام حزب العدالة والتنمية (أصولي معارض في البرلمان) إلى ضرورة التمييز بين الدين كمنظومة قيم وأخلاق وفكر وبين الوظائف الدينية كالخطابة في المساجد والفتوى. وقال لا يمكن أن نفصل الإنسان عن قيمه التي تربى عليها وشكلت هويته وشخصيته، ولكن يمكن إبعاد الوظائف الدينية عن الحقل السياسي حتى لا تصبح مجالا للمنافسة السياسية، مشيرا إلى أن هذه الوظائف الدينية تدخل ضمن اختصاصات الإمامة العظمى المنوطة بأمير المؤمنين. وقال العثماني إن ما ورد في الخطاب الأخير للملك لا يمكن فهمه خارج السياق التاريخي للدولة المغربية من جهة، ومعزولا عن باقي خطابات الملك من جهة ثانية، خاصة خطاب عام 2003 حول تنظيم المجال الديني. من جهته، قال أحمد عصمان، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار (وسط ليبرالي مشارك في الحكومة) إن القيم النبيلة التي يقوم عليها الإسلام لا يمكن إلا أن تغني العمل السياسي وتساهم في نبله. وأشار إلى أن موضوع العمل السياسي يتعلق بالفضاء العام الذي تلتقي فيه كل الديانات والأعراق، وأنه ينبغي مراعاة هذا التعدد عند إعداد البرامج الحزبية.

وبشأن طريقة التعامل مع المنظمات الأصولية، قال عصمان إنه يصعب وضع الجميع في سلة واحدة بسبب تعدد التيارات الأصولية التي تمتد من المعتدل المرن إلى المتطرف المتصلب. ودعا عصمان إلى تشجيع التيارات المعتدلة والتنديد بدعاة العنف والانتصار لحقوق المرأة وحقوق الإنسان والإقرار بالتعددية في العمل السياسي ومعالجة المعضلة الاجتماعية، وقال «يجب ألا ننسى الوضع الذي يستغله الإرهابيون لاستقطاب المنتحرين اجتماعيا إلى انتحار جسدي كسبيل وهمي للخلاص». وأشار إلى أن هذه الإشكالية ليست خاصة بالمغرب، ودعا إلى ضرورة إعطاء البلدان الإسلامية صورة إيجابية والعمل على إيجاد حل للاحتلال في فلسطين والعراق. وأشار محمد الخليفة، القيادي في حزب الاستقلال (مشارك في الحكومة)، إلى أن الإسلام أصبح في واجهة الاهتمام العالمي منذ انهيار المعسكر الشرقي، وبزوغ عالم بقطبية واحدة. وقال إن التحديات في فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان تجعل العالم كله اليوم يتحدث عن الإسلام، مضيفا ان المسلمين إخوة، وما يمس المسلم في الشيشان وأفغانستان يمس أخاه بالمغرب. واستغرب الخليفة الدعوات إلى فصل الدين عن الدولة في المغرب، وتساءل كيف يمكن المطالبة باستبعاد الإسلام، دين الفضيلة والتسامح والعدل والسلم الذي حمى الأمة ومكنها من وحدتها وأعطاها القوة والمناعة وجعلها تعاود النهوض بعد انتكاستها وتتحرر من الاستعمار. ودعا الخليفة إلى التمييز بين الإسلام الحقيقي ومنابعه الصافية وبين الفكر المتحجر الذي لا يخدم الإسلام في كثير من الدول الإسلامية، من جهة، وبين الأفكار الغريبة المستوردة التي تعتبر المجتمع جاهليا وتحاول توظيف الإسلام لكسب الأنصار، من جهة أخرى.

من جانبه، اعتبر إسماعيل العلوي، أمين عام حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقا، مشارك في الحكومة) أن فصل الدين عن السياسة الذي يدافع عنه حزبه لا يعني في الظروف المغربية فصل الدين عن الدولة. وقال «أعتبر أن الدين والدولة يلتقيان في قمة الهرم المؤسساتي الذي يوجد في بلدنا وهذا رحمة يجب أن نحمد الله عليها». وأضاف العلوي ان «الفصل بين الدين والدولة أمر غير وارد في هذه الفترة التي يمر بها شعبنا. وأعتقد أن دور هيئة السلطة الدينية لا يقتصر على تقديم النصيحة وإنما يجب أن تخول اتخاذ قرارات جريئة للتأثير على المجتمع».