الخرطوم تلمح باستعدادها منح دارفور حكما ذاتيا وواشنطن تؤكد أنها « لن تحارب نيابة عن المتمردين»

TT

حاول وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان إسماعيل أن يبدي مرونة عالية لحل أزمة دارفور الإنسانية ولسد الطريق أمام أي محاولة لفرض عقوبات على السودان. وأعلن الوزير في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي أول من أمس عن استعداد بلاده بقبول زيادة القوة الاتحاد الأفريقي وتوسيع مهمتها في دارفور.

وقال «لقد قبلنا بتغيير مهمة القوة وسيتم توسيعها في مجال التحقق وبناء الثقة ومراقبة الشرطة السودانية للتحقق من أنها لا تدعم ميليشيا الجنجويد». وأكد مصطفى عثمان أن الحكومة السودانية لا تمانع في زيادة عدد قوات الاتحاد الإفريقي ليصل قوامها الى خمسة آلاف فرد. وأوضح بأنه قد شرح حقيقة ما يجري على الأرض. وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «أكدت لمجلس الأمن استعداد السودان للتعاون مع المجلس لحل أزمة دارفور». وأضاف «ان معالجة الأوضاع في الإقليم تحتاج إلى بعض الوقت وفي إطار التعاون مع القوات الدولية». وناشد وزير الخارجية السوداني مجلس الأمن بعدم توجيه رسائل، وصفها بالخاطئة، مثل التهديد بالعقوبات. وقال «إن من شأن هذه اللغة توجيه رسائل خاطئة للمتمردين».

ومضى في القول «إن على مجلس الأمن ألا يكتفي بممارسة الضغوط على الحكومة، فهو بذلك يرسل إشارات خاطئة إلى المتمردين». ولمح مصطفى عثمان إلى موافقة السودان على منح إقليم دارفور حكما ذاتيا. وقال «إن مسار دارفور لا ينفصل عن مسار نيفاشا بشأن الحكم ذاتي للجنوب». وأوضح أن ما يصح تطبيقه في جنوب السودان يصح تطبيقه في كل الولايات والأقاليم بما في ذلك دارفور من حيث التسيير الذاتي للشؤون الأمنية والإدارية.

ووعد السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة جان دانفورث، حسب قول مصادر مجلس الأمن، وزير خارجية السودان بأن الولايات المتحدة ستواصل الضغط على المتمردين مثلما تواصل الضغط على الحكومة السودانية. وقال «إن أميركا لن تحارب بالنيابة عنهم ولا يمكنها السكوت على سلوكهم». وقد سبقت جلسة مجلس الأمن المغلقة، التي ألقى فيها وزير الخارجية السوداني كلمته، جلسة أخرى للمشاورات استمع فيها أعضاء المجلس إلى تقرير قدمته مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان لويس آربو عن نتائج زيارتها لدارفور.

واستمعوا أيضا إلى تقرير زميلها مستشار الأمين العام لمنع الإبادة الجماعية الذي رافقها في الزيارة. وأوضحت آربو بأن حكومة السودان بالرغم من أنها قد اتخذت بعض المبادرات الجديرة بالترحيب غير أنها لا تزال لا تعطي الانطباع بالإحساس بالإلحاحية ولا بالاعتراف بمدى ضخامة أزمة حقوق الإنسان في دارفور. وقالت «في محادثاتي مع الحكومة لم تعترف بحدة الإجراءات المضادة للتمرد التي تبنتها بالاعتماد إلى حد كبير على ميليشياتها بالوكالة (الجنجويد) ولا بأثرها في المدنيين الأبرياء».

وأكدت آربو أن مناخ الإفلات من العقاب لا يزال يسود دارفور، واستشهدت بهذا الصدد بعدة حوادث تعرض فيها النازحون إلى الضرب، بالسياط واختطاف فتاة عمرها 15 سنة وامرأة أخرى عمرها 30 سنة. وأكدت المسؤولة الدولية في ضوء خبرتها بنظام القضاء الجنائي لفترة طويلة من حياتها قائلة «إن هذه الحالة مقنعة ومعززة بالأسانيد».

وأضافت محذرة من أنه ما لم تبت حكومة السودان بالتحقيق في هذه الحالات وتضمن نظرها في المحاكم على وجه السرعة في احترام كامل لمبادئ العدالة الدولية وتتمخض عن فرض عقوبة مناسبة للجناة، لن يحدث أي تقدم في دارفور، على حد قولها.

وأشارت إلى قضية عودة اللاجئين، وشددت على توفر شرطين، هما العودة الآمنة وتوفر رغبة النازحين في العودة طوعا وبإرادتهم. وقالت «إنه مع ذلك فإن الظروف لا تسمح بذلك لأن النازحين أنفسهم لا يثقون في أن الحكومة ستوفر لهم الأمن والحماية اللازمين». وشددت أيضا على ضرورة أن يرافق الشرطة الدولية مراقبون لحقوق الإنسان لمراقبة قوات الشرطة السودانية، التي اتهمتها بالعجز. وزادت في القول «إن هناك عمليات اغتصاب على نطاق واسع، وأن لجان الحكومة والشرطة التي استهدفت وقفها غير فعالة، وفي إحدى الحالات اتهمت الشرطة ضحايا الاغتصاب باختلاق الروايات رغم تأكيد المستشفيات للحالات».

ومن جهته أبلغ خوان منديز مستشار الأمين العام للأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، مجلس الأمن بأنه من المحتمل أن تكون جرائم حرب قد وقعت على نطاق واسع ومنهجي وسط حالة مستمرة من انعدام القانون في دارفور. وقال «إن المفوض السامي وأنا، يمكننا أن نخلص إلى أن جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وانتهاكات لقوانين الحرب، ارتكبت على الأرجح على نطاق واسع ومنهجي». ومضى يقول «نحن لا نعتقد أننا يمكننا إغلاق الباب أمام مزيد من الانتهاكات، ويتعين علينا أن نبقى يقظين في هذا الصدد». ورفض أن يساوي ما يجري في دارفور بالمجزرة الجماعية التي حدثت في راواندا.