أول مناظرة في الانتخابات الأميركية: خلافات بشأن أداء الاحتلال في العراق .... واتفاق بشأن تأمين إسرائيل

كيري ينتقد بناء 14 قاعدة عسكرية دائمة في الشرق الأوسط قد تستخدم ضد العالم العربي

TT

انتهت المناظرة الاولى بين المرشحين الأميركيين للرئاسة الأميركية ليل أول من أمس الخميس بما بدا وكأنه عرض مؤثر للمرشح الديمقراطي جون كيري، الذي ظهر اكثر معرفة واطلاعاً وثقة في النفس من الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي بدا مرتبكاً وسطحياً في فهمه تعقيدات الشؤون الخارجية التي كانت محور المناظرة. وكما كان متوقعاً سيطرت على هذه المناظرة التي استضافتها جامعة ميامي، بولاية فلوريدا، مواضيع احتلال العراق وأزمة الشرق الاوسط ومواجهة أميركا الحركات الاسلامية الاصولية وما تسميه واشنطن «الحرب على الارهاب».

واثناء المناظرة التي استغرقت لمدة 90 دقيقة ركز كيري، السناتور الديمقراطي من ولاية ماساتشوستس، كعادته طوال الحملة الانتخابية الحالية على تدويل العلاقات الخارجية الأميركية وتدويل مسألة العراق بشكل خاص، في حين أصر الرئيس بوش، مرشح الحزب الجمهوري، على ان ما تفعله واشنطن في العراق هو الشيء الصحيح، مشدداً على أنها ستنجح في نهاية الامر.

كيري انتقد بوش مباشرة بشأن العراق واتهمه «بسوء تقدير هائل» في مسألة الغزو واسلوب ادارة الاحتلال. واستطاع كيري فرض بعض القضايا على جدول اعمال بوش مثل اتهامه اياه بدفع أميركا نحو الاحادية واحراج حلفائها، في حين لجأ بوش الى تكرار الاشارة الى احداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001 وكيف انها غيرت وجهة نظر أميركا في العالم. ومما قاله بوش هنا انه كان «عليه واجب مقدس من اجل كسر شوكة ايديولوجية الكراهية» التي يتبعها المتشددون الاسلاميون، مضيفاً أنه كان يتوجب على أميركا «استخدام كل ما تحت يديها من قوة» واتهم منافسه الديمقراطي بأن لديه «ذهنية ما قبل 11 سبتمبر».

في المقابل لم يكن ثمة اختلاف يذكر على رؤية المرشحين للمستقبل القريب في العراق، اذ انهما اتفقا على بقاء القوات الأميركية هناك. وكما كان مرتقباً أيضاً كان المرشحان متفقين تماماً على أهمية حماية اسرائيل وضمان أمنها. ومما قاله بوش «ان عراقاً حراً سيعطي مثالاً جيداً في هذا الجزء من العالم (العالم العربي) لمن هم بحاجة الى الحرية. ان عراقاً حراً سيساعد في ضمان أمن اسرائيل. ان عراقاً حراً سيدعم آمال وتطلعات الاصلاحيين في ايران. ان عراقاً حراً ضروري لأمن هذا البلد». بينما قال كيري عن اسرائيل انه سيعمل على اصلاح اخطاء بوش في العراق لمصلحة أميركا ومصلحة اسرائيل. وأوضح «سأصلح الوضع بالنسبة لجنودنا لان هذا امر مهم بالنسبة لاسرائيل وامر مهم لأميركا وامر مهم للعالم وامر مهم للحرب على الارهاب. انا (المرشح) الذي لدي خطة لذلك بينما ليس لديه هو(اي بوش) خطة».

وتابع كيري ان الحرب في العراق «كانت تشتيتاً عن الحرب على الارهاب وابعدت أميركا عن ملاحقة اسامة بن لادن» الذي تتهمه أميركا بالتخطيط لهجمات 11 سبتمبر، وقال «ليس العراق بؤرة التركيز المطلوب في الحرب على الارهاب ...ان افغانستان هي المركز. العراق لم يكن حتى بؤرة الحرب على الارهاب قبل ان يغزوها الرئيس»، مضيفاً ان بوش اندفع نحو الحرب من دون خطة بعد الغزو لكسب السلام. وعلى هذا الاتهام رد بوش قائلا «ان لدى أميركا القدرة والقوات للتعامل مع اكثر من تهديد في اكثر من مكان في العالم ... لدينا القدرة على القيام بالشيئين في وقت واحد. في حقيقة الأمر ان هذا مجهود دولي. نحن نواجه مجموعة من الناس لديهم هذه الكراهية في قلوبهم حتى انهم يضربون في اية منطقة وباية وسيلة».

واتهم كيري بوش بأنه يبعث برسائل خاطئة الى الشرق الاوسط والعالم الاسلامي الذي يعتقد الان ان أميركا تسعى لغزوه كله، ودلل على ذلك باقدام واشنطن على بناء 14 قاعدة دائمة في العراق وفي الشرق الاوسط حالياً. وقال المرشح الديمقراطي «اعتقد ان جزءاً مهماً من النجاح في العراق هو قدرتنا على اقناع العراقيين والعالم العربي بأن ليست لأميركا أية خطط طويلة الامد ضدهم. وحسب فهمي ليس هذا هو الوضع الحالي، فنحن نبني 14 قاعدة عسكرية هناك الآن وبعض الناس يقولون ان لها جانبا يجعلها دائمة».

* المواجهة التالية

* المواجهة التالية بين بوش وكيري ستكون يوم 8 اكتوبر الجاري في ولاية ميزوري حيث سيتلقى المرشحان الجمهوري والديمقراطي اسئلة مباشرة من الجمهور، بينما ستكون المناظرة النهائية يوم 13 اكتوبر في جامعة اريزونا وستركز على القضايا الداخلية. ومن المقرر أيضاً أن تجرى مناظرة واحدة أخرى يوم 5 أكتوبر في جامعة كيس ويسترن ريزيرف بمدينة كليفلاند في ولاية أوهايو، بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس وهما نائب الرئيس ديك تشيني (جمهوري) والسناتور جون ادواردز (ديمقراطي).

* قوانين صارمة وإشراف لجنة خاصة

* عندما ظهر جون كيري وجورج بوش للمناظرة في جامعة ميامي ليل الخميس كانت هناك قوانين وضوابط تحكم المناظرة وجهود لهيئة كبيرة اسمها «لجنة المناظرات الرئاسية» لا تظهر للمشاهد العادي. ووفق بيان ايضاحي من وزارة الخارجية الأميركية عن أسلوب تسيير الانتخابات الرئاسية ودور المناظرات المذاعة فيها، تحرص «لجنة المناظرات الرئاسية» على ضمان اتسام كل مناظرة بين المرشحين هذا العام ومدة كل منها 90 دقيقة «بأسلوب سليم ومباشر إلى أقصى حد من دون تحيز بالنسبة لأية قضية أو أي مرشح أو أي حزب».

وأوضحت جانيت براون مديرة «اللجنة» في البيان الذي بثته وزارة الخارجية الأميركية، انه على سبيل المثال، لا يجوز لأي من المرشحين أن يتوجه بسؤال مباشر إلى المرشح الآخر، كما يحظر عليهما الحركة أو المشي على المنصة التي يعتليانها، أو أن يجري أي منهما تغييراً في المنصة المعدة للمناظرة من أجل تحسين الصورة التي سيظهر بها.

وباستثناء الاجتماع الجماهيري الذي سيعقد لاحقاً، فإن شخصاً واحداً فقط هو الذي سيتولى إدارة كل مناظرة وتوجيه الأسئلة وضبط الوقت المخصص للإجابة عن كل سؤال. وثمة وقت محدد محسوب للكلمة التي سيدلي بها كل من المرشحين، كما توجد إشارات صوتية وضوئية ترشد المرشحين إلى الوقت المتبقي لاستكمال الإجابة.

وتابعت براون في نص البيان «ان المناظرات هي الحدث الوحيد في الانتخابات الموجه بشكل خاص إلى جمهور الشعب، وفي عام انتخابات الرئاسة الذي تتقارب فيه نسبة التأييد للمرشحين كالتي تمر بها أميركا الان، تكون اهتمامات الشعب لها أهمية قصوى بشكل خاص، وفق بيان الخارجية». وأضافت أنه من المتوقع أن يصل عدد المراسلين الصحافيين الذين سيغطون كل مناظرة متبقية إلى 2500 مراسل ـ معظمهم من وسائل الإعلام العالمية. كذلك نقل نص بيان وزارة الخارجية عن براون قولها ان ذلك يجعل المناظرات «نقطة تركيز محورية ليس بالنسبة للشعب هنا فحسب، بل لكل الشعوب في جميع أرجاء العالم الذين يتابعون هذه الانتخابات». الجدير بالذكر ان المناظرات الرئاسية تعد تقليدياً إحدى الدعائم الأساسية لحملة انتخابات الرئاسة الأميركية. صوّرت أول مناظرة رئاسية عام 1960 بين مرشحي الحزبين الرئيسيين ريتشارد نيكسون وجون كنيدي، وبثت حية عبر الإذاعة والتلفزيون. وبينت هذه المناظرة التاريخية أهمية الأثر المترتب على الأسلوب والشكل بالإضافة إلى المضمون. فمع أن معظم من تابع المناظرة عبر الإذاعة أعربوا عن اعتقادهم بأن نيكسون هو الذي فاز فيها، فان معظم مشاهدي التلفزيون، وكان عددهم أكبر، أعربوا عن اعتقادهم بأن كنيدي كان هو الفائز، وهو ما أسهم على ما يبدو في فوزه في الانتخابات بفارق ضئيل جداً من الأصوات.

في الفترة بين 1964 و1972 لم تجر مناظرات رئاسية ومردّ ذلك إلى حد كبير رفض كل من شاغلي منصب الرئاسة والمرشحين الأقوياء الذين كانوا ينافسونهم على المنصب منح أية فرصة للمنافس للحصول على ميزة قد تنتج عن هذا اللقاء. لكن المناظرات الرئاسية استؤنفت عام 1976 وأضحت الآن جزءاً لا يتجزأ من الحملة الانتخابية.

وللعلم، منذ تشكيل «لجنة المناظرات الرئاسية» عام 1987، تولت «اللجنة» إعداد المناظرات الرئاسية وتنظيمها وشاركت في توعية الناخبين بها. ووفق كلام براون في بيان الخارجية تراجع «اللجنة» قواعد المناظرات في كل دورة انتخابية لكي تضمن أن تظل عادلة وواضحة أو شفافة، وأن يكون من السهل على الجمهور الاطلاع عليها. واستناداً إلى النتائج التي توصلت إليها بشأن ما يفضله الجمهور، طبقت «اللجنة» أشكالاً محددة لها كأن يدير كلاً منها شخص واحد، وأن تكون إحداها اجتماعاً جماهيرياً. وتنشر «اللجنة» المواصفات المطلوبة للمشاركة في المناظرات قبل الانتخابات بسنة كاملة.

أيضاً قالت براون إن التأثير المترتب على المناظرات الرئاسية كبير جداً إلى حد أن العديد من المرشحين لمنصب الرئاسة وعددهم يصل إلى 150 مرشحاً في كل مرة، يعربون عن رغبتهم في المشاركة فيها. لكن كثيرين من المنتمين إلى ما يعرف بالحزب الثالث أو المرشحين المستقلين، لا تنطبق عليهم المواصفات التي وضعت للمشاركة. وتتضمن هذه المواصفات أن يكون المرشح حاصلاً (ولو من الناحية المسحية) على عدد معين من الأصوات من مجموع الولايات لكي تتوفر لديه فرصة الفوز في الانتخابات (أي أصوات 270 هيئة انتخابية)، وأن يحظى المرشح بما لا يقل عن 15 % من التأييد الشعبي، طبقاً لاستطلاعات الرأي العام. ويجرى تطبيق المواصفات قبل أسبوع من إجراء كل مناظرة لكي يتخذ قرار حول المشاركين فيها. وخلال العام الحالي 2004 لم تنطبق مواصفات المشاركة في المناظرة على أي من مرشحي الحزب الثالث أو الأحزاب الصغيرة الأخرى.