قائد القوات البرية البريطانية لـ «الشرق الاوسط» : غزو العراق لم يأت في إطار حرب الإرهاب

الجنرال جاكسون: التحقيقات جارية مع جنود تتعلق باستعمال الأسلحة في العراق وليس بالإساءة الى السجناء

TT

قال الجنرال مايكل جاكسون، قائد القوات البرية البريطانية، إنه لا يرى غزو العراق كجزء من حرب الإرهاب رغم معرفته بوجهة النظر الاميركية بالأمر. وأضاف الضابط الكبير الذي استضاف «الشرق الاوسط» على متن طائرته الخاصة خلال جولة قام بها قبل ايام في البصرة والعمارة وبغداد، إن الجنود ليسوا ساسة ومهمتهم تنفيذ تعليمات الحكومة المنتخبة لجهة الحرب والسلم. ولفت في اول مقابلة له مع صحيفة عربية الى خضوع عدد من الجنود البريطانيين الى التحقيق حالياً، قائلا ان قلة ضئيلة منهم يواجهون تهما بارتكاب انتهاكات ضد سجناء عراقيين فيما يجري استجواب الغالبية بسبب مزاعم تتصل باستعمال غير مشروع للاسلحة النارية.

* جنرال، الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) ليس بعيداً عنا مما يجعل السؤال عن حرب الارهاب بداية مناسبة.. هل كان غزو العراق جزءاً من هذه الحرب، وإذا كان كذلك فإلى اي مدى في رأيك نجح في مكافحة الارهاب؟

ـ أرى ان اناساً مختلفين ينظرون الى هذه الحرب بشكل مختلف. ادرك جيداً وجهة النظر الاميركية بخصوص ذلك. لكني لم اكن لأرى ان ازاحة نظام صدام حسين كجزء من الحرب على الارهاب التي تم تحديدها عبر (هجمات) الحادي عشر من سبتمبر. هناك اسباب دفعت الولايات المتحدة بمساعدة بريطانيا ودول التحالف على اتخاذ تلك الخطوة، وهذا الاسباب قد سُلط الضوء عليها في دول مختلفة من خلال هذا التحقيق أو ذاك مما يعفينا من الخوض فيها. لكن الامر المحير كما اعتقد هو انه خلال الشطر الاكبر من فترة الصراع في العراق نرى اعمالاً يائسة او اعمالاً كريهة جداً يقوم بها متشددون يبدو انهم لا يستطيعون تخيل فكرة العراق الحر يتمتع بديمقراطية نامية. هناك ارهاب يمكن على الارجح ربطه بمنظمات ارهابية دولية.

* هذا الارهاب المتزايد لم يكن موجوداً قبل الحرب، وكثيرون يقولون ان غزو العراق كان حافزاً لدفع المزيد من الناشطين للالتحاق بشبكة «القاعدة»؟

ـ اشك في صحة هذا القول. لقد كان هناك شكل من اشكال الارهاب في العراق من قبل، وهو ارهاب الدولة. ونحن نعرف ان الكثيرين قد قتلوا على يد صدام حسين ونظامه. ولذا اجد من الصعب قبول ذلك القول. لكن نعم، اتفهم هذا الرآي مع أني لا اشاطرهم اياه. بالطبع، اذا اردت ان تهاجم الغرب والولايات المتحدة فإن الاهداف موجودة في العراق. لكن لم يكن هدف التحالف يوماً ان يبقى في العراق بل نريد مساعدته على الانتقال من هذه الحالة الصعبة والسير بخطى واثقة نحو مستقبل افضل لابنائه جميعاً.

* وماذا عن احتمال الخروج من العراق حالياً.. هل ترى ان من المنطقي تركه وشأنه حالياً؟

ـ ان من الصعب وضع تقييم متأن من قبل اي عضو في التحالف، وربما الأكثر اهمية هو ان التوصل الى هذا التقييم (بشأن موعد خروج القوات) صعب ايضاً على الحكومة العراقية الانتقالية نفسها. وانا متأكد من ان اياً من اميركا وبريطانيا لا ترغب في البقاء بالعراق ليوم واحد اكثر مما ينبغي لضمان ان العراق الجديد يتمتع بالبنية السياسية والامنية الصحيحة للبقاء بمفرده.

* لكن هل لديك تصور تقريبي لطول الفترة التي سيصبح العراقيون بنهايتها قادرين على الدفاع عن انفسهم وتدبر امورهم؟

ـ هناك خطط لبناء قوات الامن العراقية التي اقصد بها كل العاملين في الجيش والشرطة وفرق حفظ النظام... الخ، وزيادة عددها عن 200 الف مع نهاية عام 2005 .

واعتقد ان هذا يعتبر الحجم الصحيح لقوات الامن في العراق الجديد، لكننا لن نعرف حتى يحين الوقت لوضع تقييم للحالة الامنية عن مدى فاعلية ذلك البرنامج. دعنا نأمل انه يتم بأسرع ما يمكن.

* معظم العراقيين الذين حدثتهم اشاروا بوضوح الى ان اسلوب البريطانيين في التعاطي معهم افضل بكثير من اسلوب الاميركيين. ـ (مقاطعاً) لنا نهجان مختلفان.

* كنتم وإياهم محتلين مشاركين، الا يجعلكم ذلك تتحملون جزءاً من مسؤولية اخطائهم في «ابو غريب» وغيره؟ ـ الاميركيون يتخذون الخطوات المناسبة لمحاسبة هؤلاء الذين ارتكبوا اشياء كريهة ومقززة للغاية في ابو غريب ويجب ان يعاقبوا عليها بموجب القانون. اعتقد ان الحادث قد عاد الى درجة ما بالسمعة السيئة ليس فقط على الولايات المتحدة بل ايضاً على التحالف ككل. غير اني ارغب في التشديد على ان مجموعة صغيرة نسبياً من الجنود الاميركيين معظمهم من الاحتياط او القوات غير النظامية الذين تصرفوا بهذه الطريقة الكريهة التي لم تتم بشكل منظم، ولا اعتقد ان من حق الناس ان يستنتجوا من هذا ان سلوكاً من هذا النوع يحظى بأي موافقة في جيش اي بلد ديمقراطي متحضر.

* وأنتم تحققون مع عدد متزايد من جنودكم بتهم ارتكاب انتهاكات فهل لك ان تعطينا فكرة عن هذه التطورات؟

ـ ينبغي ان نكون دقيقين، فمن الصحيح ان هناك عدداً من الحالات او الوقائع التي تخضع للتحقيق ومجرد حفنة من هذه الحالات تتعلق بإساءة معاملة السجناء وارتكاب انتهاكات ضد المحتجزين العراقيين. وهناك ايضاً بعض الحالات المتصلة بالاستعمال القانوني او غير القانوني للأسلحة النارية او قدر لا مبرر له من القوة. هذه حالات مختلفة بعض الشيء عن (الذي حصل في) ابو غريب ويجب الا نضع الجميع في خانة واحدة. لا يختلف موقفي من بريطاني يسيء معاملة السجناء عن موقفي ممن تورطوا في انتهاكات ابو غريب وقد شرحت هذا (الموقف) في السؤال السابق. ليس هناك مجال على الاطلاق لتشجيع هذا النوع، من السلوك او السكوت عنه في الجيش البريطاني او في جيش اي بلد ديمقراطي. بل على العكس، لدينا معايير عالية جداً للسلوك المطلوب من الجندي في الجيش البريطاني. وإذا ادين جنود، اكرر اذا، تمت ادانتهم في سياق العملية القانونية المناسبة بارتكاب مخالفات من هذا النوع، فمن الضروري انزال العقوبة القانونية بهم لقاء ما فعلوه.

* ماذا عما يقوم به الاميركيون في الفلوجة من غارات تتسبب في قتل العشرات من الابرياء بصورة منتظمة، أليس من الضروري فتح تحقيق بطريقة تعقب ابو مصعب الزرقاوي هذه، لا سيما انك قلت للاذاعة البريطانية انك كنت ستعالج الازمة بطريقة مختلفة؟

ـ لا أذكر اني قلت ذلك، لكن ربما كنت على حق. الحرب عمل قذر يؤدي الى قتل الناس، ولا نستطيع التهرب من هذه الحقيقة. حيث تكون جذور تمرد، فإن هؤلاء المتمردين انفسهم يقتلون الناس. المتمردون يقتلون اناساً كهؤلاء الامر الذي يقتضي معالجة التمرد مهما كانت هذه المعالجة صعبة وقاسية. ولا اعتقد انه ينبغي لي ان القول انني كنت سأفعل أمراً او آخر على سبيل معالجة المشكلة، لان من يعالجونها اشخاص جديرون بتحمل المسؤولية وأنا لا أعرف الصورة بكاملها على الارض.

* كنت خلال الزيارة تحرص على سؤال الضباط عن احوال المدنيين وامكنة وجودهم اثناء المواجهات الدامية؟

ـ وجود جنود في ارض أجنبية امر له تبعاته، وحقيقة ان غزو بلد لآخر هو عمل غير منصف تماماً، مع اننا لم نقم بذلك، في العراق، لدوافع استعمارية او طلباً للنفوذ. ولذا لا بد من الاطمئنان الى معاملة الشعب بصورة مناسبة.

* باعتبارك لعبت دوراً اساسياً في الحرب على العراق، كيف تشعر حين يواصل الناس والسياسيون في بريطانيا انتقاداتهم لمبررات هذه الحرب ؟ ـ نحن الجنود لسنا ساسة ولا ينبغي لنا ان نكون. إن من واجبي وواجب اي فرد في الجيش البريطاني ان نتبع توجيهات الحكومة المنتخبة. وبالطبع يجب ان تكون هذه التوجيهات قانونية. وإذا شعر جندي عامل بان ضميره لا يسمح له بتنفيذ هذه التوجيهات يجب ان يفصح عن ذلك.

* العراقيون نادراً ما يثيرون قضية اسلحة الدمار الشامل هذه، لكنها لا تزال امراً مثيراً للجدل في بريطانيا.

ـ اقبل بهذا الوصف. وأقبل انها لا تزال قضية. لكن لقد كانت موضوع عدد من التحقيقات ولا مبرر للحديث عن ذلك مجدداً وما اذا توفرت معلومات استخباراتية تؤكد وجودها لديه ام لا.

* ثمة من يعتقد ان العام المقبل سيشهد معركة العراق الحقيقية، فوضع الدستور قد يؤجج مزيداً من النزاعات مما قد يستوجب ارسال المزيد من الجنود الى العراق؟

ـ ربما كنت على حق بانه سيكون هناك توتر حول هذه القضية، لكني آمل ان الانتخابات ستتم في يناير (كانون الثاني) المقبل وأتمنى ان يكون بالامكان تسوية هذه المسائل بالنقاش. اعرف ان هناك افتراضات عديدة حالياً، بيد ان علينا الانتظار.