عالم نووي عراقي: العالم محظوظ لأنه كان بوسعنا صنع المئات من القنابل النووية

TT

يقضي مهدي العبيدي، أغلب أيامه حاليا في ركوب دراجته الجبلية واللعب مع أحفاده ويجتهد في الحصول على براءة للتقنية التي طورها في العراق لصناعة قنبلة نووية لصدام حسين. ويعتبر العبيدي العالم النووي العراقي الوحيد، ممن كانوا يعملون في برنامج تخصيب اليورانيوم التابع لصدام حسين، الذي تمكنت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) من إحضاره إلى الولايات المتحدة بعد الغزو العام الماضي. وقد أرسلت الـ«سي آي ايه» كذلك ثمانية من أفراد عائلته في أغسطس 2003، ووضعتهم بصورة سرية في ثلاث شقق في ضاحية ظليلة من فيرجينيا قريبا من وسط واشنطن العاصمة.

وليس معروفا حتى الآن ماذا حدث بالضبط لحوالي 500 عالم آخر تعتبرهم الولايات المتحدة جزءا لا يتجزأ من برنامج صدام حسين لصناعة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية. وقد اعترضت الولايات المتحدة أخيرا نداءات من إيران تعرض تشغيل عدد من العلماء العراقيين في مجال الذرة والصواريخ. ولكن أحدا من هؤلاء لم يذهب إلى طهران التي تعتقد الولايات المتحدة أنها بصدد صنع قنبلة نووية. ولكن المسؤولين الأميركيين قلقون كذلك من المخاطر التي يمكن أن تتولد داخل العراق. وقال أحدهم من المترددين كثيرا على بغداد، مشترطا عدم الكشف عن هويته: «المخاوف المباشرة تتعلق بقرب هؤلاء من المتمردين والإرهابيين داخل العراق. وقد أصبحت هذه من المشاكل الخطيرة التي تواجهنا».

ويحذر العبيدي حاليا من السهولة التي يمكن بها لأي شخص صنع قنبلة نووية. وسيكون البحث عن العلماء العراقيين، وعن أية دلائل على محاولات لصنع أسلحة دمار شامل، في صدارة الاهتمامات عندما يظهر تشارلز دوفلر، رئيس مجموعة تفتيش العراق التابعة للـ«سي آي إيه»، أمام لجنة الاستخبارات والقوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، لتقديم تقرير اللجنة البالغ 1500 صفحة والذي يكشف جهود العراق المقبورة، لإنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية.

ومن المتوقع أن يثير تقرير دوفلر جدلا جديدا في الحملة الانتخابية، إذ يصر المرشح الديمقراطي جون كيري على أن الحرب ضد العراق لم يكن لها ما يبررها. ويكشف تقرير دوفلر أن العراق لم يحاول صنع أسلحة كيماوية، أو بيولوجية أو نووية، بعد عام 1991. ولم يعثر دوفلر على اية أدلة أن العراق كان يباشر صنع مثل تلك الأسلحة مباشرة قبل حرب 2003 . ولكن دوفلر يقول إن صدام كان يجهز علماءه لبداية الإنتاج بمجرد تحرره من تفتيش الأمم المتحدة، وعقوبات المجتمع الدولي ومراقبته. وقد عثر على أدلة بوجود معامل صغيرة سرية، وبعض المواد المحظورة التي اشتريت من الأسواق العالمية، وبعض التجارب على صواريخ وطائرات محظورة.

وهناك ثمانية من علماء الاسلحة الذي يبلغ عددهم الكلي حوالي 500، في السجن حاليا. كما أن حوالي 70 يعملون في منشأتين أقامتهما وزارة الخارجية الأميركية، لتوظيف هؤلاء العلماء الذين فقدوا وظائفهم. أما الآخرون فيعمل بعضهم في التدريس وبعضهم الآخر يعمل مع القطاع الخاص أو مع الحكومة العراقية، كما أن بعضهم ترك العراق ذاهبا إلى بعض الدول العربية. أما الآخرون، ومن ضمنهم مساعدا عبيدي فقد اختفوا من دون أثر.

وقال العبيدي، الذي التقى صدام حسين مرتين، إنه لا يشك مطلقا في أن صدام كان ينوي استئناف برنامجه السري للأسلحة، ولكنه ليس متأكدا مما إذا كان الطاغية يعرف أن نظامه لم يكن لديه الاستعداد لاستئناف التصنيع. وقال العبيدي أن صدام «معتوه» ظل يفقد علاقته بالواقع بصورة مطردة.. «كان يعيش في عالم من الأوهام. وكان واضحا أنه يخدع نفسه. ولكنه تمكن كذلك من خداع العالم».

ولكن عبيدي نفسه خدع العالم. فقد حصل على درجة الماجستير من كلية المناجم بكولورادو، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة سوانزي بويلز، ثم انتقل عبر الولايات المتحدة واوروبا في الثمانينات لشراء المكونات النووية وبرامج الكومبيوتر ومعدات البحث وهو يكذب على الجميع بشأن أهدافه وخططه. وقد أمره نائب صدام عام 1987 بتخصيب اليورانيوم، وعندما نشبت حرب الخليج كان قد صنع أجهزة النبذ القادرة على تحويل يوارنيوم العراق إلى قنبلة. ويعتقد العبيدي أن صدام كان ينوي استخدامها ضد إسرائيل. وقال «إن العالم كان محظوظا لأننا كنا قادرين على صنع مئات القنابل». وبعد حرب الخليج دفن عبيدي معداته في حديقة منزله الخلفية.

وطوال فترة التفتيش، وبأوامر صارمة من صدام، كان العبيدي يضلل المفتشين التابعين للأمم المتحدة. ولكن مفتشي الأمم المتحدة توصلوا إلى المخزون العراقي من اليورانيوم ودمروه عام 1995، وكشفوا كل الجهات التي كانت تتعاون مع العراق.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»