الأمم المتحدة: صعوبات تواجه سعي فرنسا لإصدار بيان رئاسي بشأن سورية ولبنان

«مؤشرات افتراق» بين باريس وواشنطن إزاء متابعة القرار 1559

TT

تواجه فرنسا صعوبة في إقناع أعضاء مجلس الأمن الدولي بتبني بيان رئاسي من المجلس يعتمد تقرير الأمين العام كوفي انان حول القرار 1559، الذي يطالب بسحب القوات السورية من لبنان وحل كل الميليشيات المسلحة ونزع أسلحتها. وكان انان قد خلص في تقريره ، إلى أن سورية ولبنان لم ينفذا المطالب الواردة في قرار المجلس. وفي هذه الاثناء ، في العاصمة الفرنسية باريس، أفادت مصادر فرنسية وأوروبية ان مجلس الأمن «يتجه الى اعتماد خيار اصدار بيان رئاسي واهمال السعي الى استصدار قرار جديد»، وفقاً لرغبة كل من فرنسا وألمانيا، وهو ما ينم عن «مؤشرات افتراق» بين موقفي باريس وواشنطن، حسب تعبير مصدر أوروبي.

أعضاء مجلس الأمن لاحظوا، بعد الاستماع إلى التقرير الشفهي الذي قدمه مبعوث الأمين العام في الشرق الأوسط السفير تيري رود لارسن، أن فرنسا برزت في الواجهة وقدمت صيغة لمشروع بيان يطالب بالاسم سورية بسحب قواتها من لبنان. وفي الوقت ذاته بدت الولايات المتحدة وكأنها تلعب دوراً هامشياً، معطية الانطباع على أنها أقل تحمساً من الوفد الفرنسي الذي يقود حملة من أجل تبني البيان الرئاسي. ولمح مصدر دبلوماسي من البعثة الأميركية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلا «نحن لم نتعامل مع الشأن السوري اللبناني، فثمة دولة أخرى (فرنسا) تقوم بهذا الجهد». وبدا واضحاً للمتابعين في نيويورك أن واشنطن لم تضع ثقلها وراء المسعى الفرنسي هذه المرة كما فعلت عندما صدر القرار 1559 . وهذا وما دعا احد الدبلوماسيين الغربيين الى القول معلقاً على الموقف الأميركي، «إن الولايات المتحدة خصوصاً بعد الفيتو ضد مشروع القرار الفلسطيني يوم الثلاثاء الماضي لا تريد خلق انطباع بأنها تعادي الدول العربية والإسلامية». كما اعتبر بعض المتابعين في اروقة المنظمة الدولية ان هذا ما يفسر اكتفاء فرنسا بالمطالبة باصدار بيان رئاسي بدلا من قرار من مجلس الأمن. السفير الفرنسي جان مارك دو لا سابليير كان قد قال «إن استنتاجات الأمين العام ليست غامضة والتقرير يقول إنه لم يُستجب للشروط»، في اشارة الى مضمون القرار 1559. ومضى السفير الفرنسي قائلاً «نحن نؤمن بالحاجة إلى تقارير دورية». ويحتوي الاعلان على أربع فقرات مرحباً بتقرير الأمين العام، ويحث في الفقرة الثالثة منه كل الأطراف، بما فيها سورية على التنفيذ الكامل لبنود قرار مجلس الأمن 1559 . وفي الفقرة الرابعة والأخيرة يطلب الاعلان ـ الذي يبحث على مستوى الخبراء ـ من الأمين العام تقديم تقرير إلى المجلس في غضون فترة لا تتجاوز شهرين، ومن ثم تقديم تقارير دورية مرة كل أربعة أشهر. الا ان جهات مطلعة أخرى رأت ان الاكتفاء ببيان رئاسي والتخلي عن الدعوة الى استصدار قرار جديد ـ كان يمكن أن يتضمن جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأجنبية من لبنان أو إنشاء لجنة رقابة من الدول الأعضاء في المجلس والأمانة العامة والأطراف المعنية كلبنان وسورية ـ جاءا بعدما أظهرت الاتصالات الأولية، ثم مناقشات جلسة الخميس، وجود تردد بل ممانعة من كثير من الدول الأعضاء ، وخصوصاً تلك التي امتنعت عن التصويت على القرار 1559 في الثاني من سبتمبر (أيلول) الماضي، وهي روسيا والصين و الجزائر البرازيل وباكستان. وبالفعل عبرت روسيا، على لسان سفيرها عن «تحفظات قوية»، وذهبت الى الحديث عن «رفض استصدار قرار جديد» عن المجلس. وأبلغ مصدر دبلوماسي روسي في باريس «الشرق الأوسط» أن موسكو تعتبر أن «الوضع دقيق، وبالتالي يجب الإحجام عن ممارسة ضغوط قوية إضافية على دمشق وبيروت وتركهما ينفذان ما وعدا به من التعاون مع مجلس الأمن والأمين العام، وكذلك التعاون في إطار الاتفاقيات الثنائية و«اتفاق الطائف». وأضاف المصدر الروسي أنه «من الأهمية بمكان ألا يغيب عن الأذهان أن إغلاق الملف اللبناني يجب أن يوضع في إطار الحل الشامل في الشرق الأوسط كما يتوجب احترام سيادة البلدين المعنيين». وبحسب موسكو، فإن «الضغوط التي مورست على دمشق أعطت ثمارها حيث عبرت بيروت ودمشق عن الرغبة بالعمل مع الأمم المتحدة، ولكن يجب منح العاصمتين الوقت الكافي لذلك». وأكد المصدر الروسي أن موقف بلاده يحظى بدعم الصين وعدة دول أخرى، وان كان أشار لـ«الشرق الأوسط» الى أن المعارضة الروسية (وكذلك الصينية) لا يمكن أن تصل الى استخدام «الفيتو» (حق النقض) فيما لو أصرت الولايات المتحدة ومعها فرنسا على طرح مشروع قرار جديد. مع ان مصدراً دبلوماسياً اوروبيا في باريس رأى أن تخلي باريس وواشنطن عن طرح مشروع قرار جديد عائد لقلة وثوقهما من حصوله على الحد المطلوب من الأصوات، أي تسعة أصوات وعدم استخدام أية دولة من الدول الدائمة العضوية حق النقض، غير أن القيمة «القانونية» للقرار أقوى من البيان الرئاسي الذي يبقى ضعيف الوقع والمتابعة.

وأمس قال مصدر فرنسي رسمي إنه «يمكن النظر الى البيان الرئاسي على أنه «خيار الحد الأدنى» لأنه يتوجب على باريس ومعها واشنطن «المساومة من أجل تأمين إجماع» على البيان الموعود... وعلينا أن نرى ما يقبله الآخرون وما لا يمكن أن يقبلوه».