اتصالات لبنانية لمعرفة «اتجاهات» مجلس الأمن حيال القرار 1559 وواشنطن تلمح إلى استعماله ورقة ضغط تمهد لحوار مع سورية

TT

اتصل وزير الخارجية اللبناني جان عبيد امس بنظيريه الجزائري عبد العزيز بلخادم الذي تمثل بلاده الدول العربية في مجلس الأمن والسوري فاروق الشرع والامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى للبحث في المشاورات التي جرت يوم الجمعة الماضي في مجلس الامن حول قراره 1559 الذي ينص على انسحاب القوات الاجنبية من لبنان وحل الميليشيات.

واوضحت مصادر رسمية لبنانية ان عبيد بحث مع بلخادم والشرع وموسى «ما آلت اليه هذه المشاورات وما اذا كان مجلس الامن سيصدر بياناً رئاسياً او قراراً جديداً تعقيباً على تقرير الامين العام للامم المتحدة كوفي انان حول القرار 1559 الذي يعتبر ان لبنان وسورية لم يفيا بما طلبه القرار منهما».

ورأى الوزير عبيد في تصريح ادلى به امس ان القرار 1559 نموذج لـ «ازدواجية المعايير التي تجعل ادارة الدولة العظمى ترى في الهدوء والأمن والتفاهم القائم داخل لبنان وبين لبنان وسورية، مما يستدعي الاطاحة به في القرار 1559 بينما تتجاهل اميركا تجاهلاً كاملاً الخطر الحقيقي المتفجر على الأمن والسلام في فلسطين وفي العراق، والقرارات الدولية ذات الصلة التي تضع حداً لهذا الخطر وتحقق الهدوء والسلام الشاملين في حال تطبيقها».

وفي القاهرة قال مسؤول اميركي كبير زار المنطقة أخيرا (ولم يعلن عن الزيارة لأسباب أمنية) ان الهدف الاساسي من الضغوط الاميركية على دمشق ليس مقدمة لأي عدوان أو حرب عليها بل على عكس ما يتصور الجميع هو مقدمة لبدء جولة من المباحثات الاميركية السورية عقب الانتخابات الاميركية. واضاف المسؤول الذي فضل عدم كشف اسمه نظرا لطبيعة المهمة واللقاءات التي قام بها في كل من اسرائيل والاراضي الفلسطينية ومصر ان واشنطن ليس لديها أي رغبة للقيام بعمل عسكري ضد سورية أو أية اعمال اخرى من شأنها أن تزيد من هوة الخلاف بين العرب والاميركيين.

وفي نيويورك، ذكرت مصادر دبلوماسية في مجلس الامن أن مشروع القرار الذي وضعت الولايات المتحدة إلى جانب فرنسا كامل ثقلها لاستصداره هو بمثابة ورقة ضغط على الدول التي رفضت مساندة البيان الرئاسي الذي تقدمت به فرنسا. والبيان يشكل السقف الأعلى بالنسبة لباريس وواشنطن لأنه أولا يطلب بوضوح من سورية سحب قواتها من لبنان وثانيا يطالب الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقارير دورية إلى مجلس الأمن خلال فترة لا تتجاوز شهرين من اعتماد البيان. وقد باتت كل من واشنطن وباريس على يقين بأن مجلس الأمن هو المكان المناسب للتعامل مع الملف السوري في لبنان على حد تعبير السفير الأميركي جان دانفورث في حوار مع «الشرق الأوسط»، ووجدت كل من أميركا وفرنسا، وربما لدوافع مختلفة، أن المحادثات الثنائية مع دمشق لم تعد تجدي نفعا وليس هناك أي خيار سوى الضغط على سورية بواسطة مجلس الأمن الدولي.

الا ان المسؤول الاميركي البارز الذي زار القاهرة في اطار جولة على بعض دول الشرق الاوسط قال ان الضغوط الاميركية الحالية، والتي من الممكن ان تتصاعد بشكل أو بآخر، هي المقدمة لبدء حوار جدي وبناء مع الرئيس السوري بشارالاسد، عقب انتهاء الانتخابات الاميركية التي ستجرى بعد ثلاثة اسابيع. وتعتبر الضغوط الحالية، على حد قوله، المقدمة التي ستوصل لهذا الحوار المرغوب فيه من الجانب الاميركي والسوري على حد سواء.

واضاف المسؤول ان سورية وافقت على عقد عدد من اللقاءات مع مسؤولين اسرائيليين من اجل التباحث حول حل الصراع السوري الاسرائيلي كما ان الرئيس بشار الاسد ابدى رغبة في وضع حد لهذا الصراع ولقاء الجانب الاسرائيلي معتبرا ان هذه الرغبة لدى سورية ليست وليدة اللحظة بل أن الرئيس حافظ الاسد ذاته وافق على هذا الامر من قبل لكن الظروف لم تكن مواتية لبدء هذا الحوار.

وقال المسؤول الاميركي ان واشنطن ستكون اكثر تصميما على حوار مع سورية عقب انتهاء الانتخابات نظرا لان كل المؤشرات تشير الى احتمالية فوز الرئيس جورج بوش مرة اخرى وهو ما دعا الادارة الاميركية الى ارساله الى المنطقة في جولة خاصة غير معلن عنها لوضع خطة عمل مع الاطراف العربية. وبالفعل عقد ما يقرب من 20 لقاء في المنطقة لمناقشة مجموعة من الافكار التي من الممكن العمل على تنفيذها بعد الانتخابات ومن بينها مجموعة من ورش العمل بين الفلسطينيين والاسرائيليين واطراف اخرى مثل مصر. وستبدأ هذه الورش في ديسمبر(كانون الاول) المقبل ومن المرجح عقد احداها في شرم الشيخ بمصر ووالامل وارد في أن يشارك الجانب السوري بها مع بدء سعي الادارة الأميركية الجديدة الى تحريك مفاوضات السلام.

يأتي ذلك في وقت اكدت فيه بعض التقارير عبر وسائل الاعلام ان الرئيس بوش يدرس تشديد العقوبات الاقتصادية على سورية للضغط على دمشق من اجل سحب قواتها من لبنان وقمع الارهاب. وكان بوش فرض في مايو (أيار) الماضي سلسلة من العقوبات على سورية من بينها حظر جميع الصادرات الاميركية اليها باستثناء المواد الغذائية والادوية. وتراهن سورية على عامل الوقت على أمل الخروج من عنق الزجاجة. وتفيد مصادر قريبة من الوفد السوري في مجلس الامن بأن عددا من الدول الأعضاء في المجلس لا يرى حاجة ملحة لاعتماد قرار جديد كما كان الوضع قبل صدور القرار 1559 . وهذا يعني من وجهة نظر سورية المماطلة في المفاوضات بشأن مشروع القرار. وتراهن دمشق أيضا على أصوات مجلس الأمن فمشروع القرار يحتاج لاعتماده إلى 9 أصوات على الاقل وامتناع اي دولة عن استخدام الفيتو. ويسود لديها اعتقاد بأن واشنطن وباريس لن تحصلا هذه المرة على الأصوات اللازمة كما حدث مع القرار1559. ومع إقرار أميركا وفرنسا بعدم حصولهما على الدعم المناسب في مجلس الامن فقد بدأت دول أخرى، مثل روسيا وإسبانيا، تدفع باتجاه اعتماد بيان رئاسي كحل وسط وكبديل عن القرار وهذا على الأقل ما تذهب إليه فرنسا في الوقت الراهن.