تفجيرات مدريد: أدلة جديدة تكشف أن المنفذين استهدفوا فعلاً التأثير على نتائج الانتخابات

المحققون يركزون على دور مهم مفترض لسوري كانت الاستخبارات اعتقدت أنه نأى بنفسه عن قيادة «القاعدة»

TT

ما تزال غير واضحة، أهداف التفجيرات التي حدثت قبل سبعة أشهر في القطارات التي تربط مدريد بضواحيها، والتي أسفرت عن قتل 191 شخصا. لكن ادلة جديدة بينها مواد مسجلة، عززت النظرية التي تقول ان الهجمات حدثت قبل ثلاثة أيام فقط من الانتخابات العامة، بغرض التأثير على الناخبين لرفض حكومة أرسلت قواتها إلى العراق. ويقول محللون ان وضع هذه الادلة الهامة، وخاصة شريط الفيديو الذي يتحمل فيه مقاتل ملثم مسؤولية الهجمات والذي اكتشف بعد يومين فقط من وقوع تلك التفجيرات، كان الهدف منه الكشف السريع بأن الهجمات كانت رد فعل لوجود القوات الإسبانية في العراق مما قدر له أن يخلق تحولا كبيرا من الناخبين ضد حزب الشعب الحاكم آنذاك.

ومع أن استطلاعات الرأي كانت تكشف بوضوح أن حزب الشعب كان يتمتع بأغلبية مريحة، فانه خسر الانتخابات التي أجريت يوم 14 مارس. وقد حافظت حكومة الحزب الاشتراكي الجديدة، بقيادة رئيس الوزراء خوسيه رودريغيس ثاباتيرو، على وعدها الانتخابي وسحبت القوات الاسبانية البالغ عددها 1300 جندي من العراق. كما شرعت الحكومة مباشرة في تحسين العلاقات مع المغرب بعد سنتين من التوتر تحت حكومة رئيس الوزراء السابق خوسيه ماريا أثنار.

وكشفت تسجيلات وجدت حديثا لأحد المتهمين بتنفيذ الهجمات، يقول فيها إن «الكلب أثنار» قد ازيح من رئاسة الوزارة، مما دفع بعض المحللين في مدريد الى الاستنتاج بأن منفذي الهجمات كانوا يقصدون تحقيق ردود فعل معينة من هذه الهجمات. ويقول كثير من مسؤولي الاستخبارات الأميركيين ان هناك اتفاقاً عاماً بين العاملين في مكافحة الإرهاب الأميركيين بأن هجمات مدريد نفذت في زمانها ذاك للتأثير على الانتخابات الاسبانية. لكن هؤلاء المسؤولين يعترفون بأن الادلة التي يستندون عليها ظرفية أكثر منها مادية. وقال أحد المسؤولين عن مكافحة الإرهاب رافضا الكشف عن هويته: «هذا تحليل أكثر منه حقائق مؤكدة. فنحن لا نملك تصريحا من قبلهم يقول انهم قاموا بتلك الهجمات لهذا السبب دون سواه. لكن النتيجة التي ترتبت عليها والتهديدات المتواصلة للأقطار التي أرسلت قوات إلى العراق، هي التي جعلت هذه الفرضية تحتل الموقع الأول».

ومباشرة بعد الهجمات، ارسلت مجموعة مرتبطة بـ «القاعدة»، رسالة الكترونية الى صحيفة، تعلن فيها المسؤولية عن تلك الهجمات. كما عثر على شاحنة مسروقة مساء يوم 11 مارس، شرق مدريد، بها اشرطة قرآنية وصواعق تفجير. وبعد يومين من التفجيرات اهتدت الشرطة إلى سلة للقمامة كان داخلها شريط فيديو يعلن فيه رجل ملثم، يعتقد الآن أنه رشيد اولاد أكشة، وهو أحد المهاجرين المغاربة، أن الهجمات نفذت نتيجة «تواطئكم مع المجرم بوش وحلفائه».

وقد اعتقل في مدينة ميلانو الايطالية، ربيع عثمان سيد أحمد، المعروف بمحمد المصري، وهو أحد المشتبه في أنهم من مخططي الهجمات. ولا يزال هذا الرجل قيد الحبس في إيطاليا ومن المحتمل أن ينقل إلى أسبانيا. كما اعتقل كذلك عشرون متهما آخرون. لكن أسئلة كثيرة ما تزال بدون اجابات. فقد فجر سبعة من المتهمين الأساسيين أنفسهم في شقة قرب مدريد يوم 3 أبريل (نيسان)، عندما حاصرتهم الشرطة في ذلك الموقع. ولم يعلن القاضي الاسباني المكلف التحقيق في الهجمات، خوان ديل أولمو، أي نتائج أولية حول التحقيقات.

وتصر الحكومة الاشتراكية الحالية على أن الهجمات لم يكن الهدف منها تغيير نتيجة الانتخابات، متهمة من يقولون ذلك بأنهم يحاولون التشكيك في انتصارها. وقال متحدث باسم الحزب الاشتراكي: «ليس هناك أي دليل على أن هدف المهاجمين كان تغيير الحكومة الاسبانية. لا يمكن البحث عن دوافع الهجمات الإرهابية. فالإرهابيون يتصرفون في الزمان والمكان الذي يجدونه مناسبا».

لكن نظرية أن الهجمات كانت وراءها اهداف سياسية تعززت في الآونة الاخيرة عندما نشرت صحيفة «الموندو» الاسبانية ما زعمت أنه تسجيل لمحادثة دارت بين ربيع سيد احمد وأحد المتعاونين معه بعد فترة قصيرة من الانتخابات. ويعتقد أن التسجيل قامت به الشرطة الإيطالية يوم 5 يونيو (حزيران)، في إطار المراقبة التي كانت تفرضها على ربيع سيد أحمد واستمرت نصف شهر. وقال سيد أحمد في تلك المحادثة إنه «سعيد جدا لأن حكومة الكلب أثنار قد سقطت». وورد في الشريط كذلك مدحه لثاباتيرو لأنه بدأ حوارا جديدا مع العرب وخاصة مع المغرب. وقال سيد أحمد وهو يتحدث عن تعاون أثنار مع الرئيس بوش: «من يتبع الكلب سيحصد الزلازل. وما حدث في مدريد يثبت هذه الحقيقة. فالناس، الأمة كلها، ضد الوقوف مع الأميركيين وضد حرب العراق».

ولم تذكر صحيفة «الموندو» كيف حصلت على ذلك الشريط. وقد رفض ناطق باسم المدعي العام في ميلانو التعليق على ما ورد في الصحيفة. ويقول محللون وخاصة من معارضي الحكومة ان الشريط يعزز النظرية القائلة بأن الإرهابيين قصدوا التأثير على الانتخابات الأسبانية وأنهم نجحوا في ذلك بالفعل.

وفي احدى المحادثات التي سجلتها الشرطة، يقول سيد احمد عن الهجمات «انها مشروعي». لكن المحققين يعتقدون أنه أقل في سلم المسؤولية من عامر عزيزي، المعروف كذلك بعثمان الأندلسي، والمرتبط بـ «القاعدة». ويعتقد أن عزيزي تلقى تدريباً في البوسنة والتقى في تركيا، قبل الهجمات، مع سرحان بن عبد المجيد فخيت، الأسباني المغربي، المعروف بـ «التونسي»، والذي لعب دورا قياديا في الهجمات.

وتركز الشرطة الأسبانية حاليا على أحد الزعماء الكبار في «القاعدة»، وهو صحافي سوري سابق يعرف باسم أبو مصعب السوري. ويعتقد المحققون ان هذا الرجل، المتزوج من امرأة إسبانية والحاصل على الجنسية الأسبانية في منتصف التسعينات، هو المخطط الاول للهجمات.

ويعتقد أن ابو مصعب السوري، المعروف كذلك باسم مصطفى نصار، 45 عاما، كان من قبل القائد العام لمعسكرات تدريب «القاعدة» في أفغانستان، وأنه كان ذات يوم رئيسا لأجهزة الدعاية التابعة لـ «القاعدة».

وبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 اعتقد المحققون أنه كان جزءاً من جناح نأى بنفسه عن قيادة اسامة بن لادن. لكن اجهزة الاستخبارات الأوروبية شككت اخيراً في هذا الرأي وأصبحت تعتقد أن ابو مصعب السوري ربما سافر إلى أوروبا لتنشيط بعض الخلايا التابعة للقاعدة في أسبانيا وفي غيرها من الأماكن.

وتشير التحقيقات التي جرت حول هذه الأحداث، ومن ضمنها تحقيقات أجرتها لجنة برلمانية غارقة في الخلافات الحزبية، إلى أن السلطات الأسبانية التي كانت مشغولة طوال السنوات الماضية بمنع الهجمات من منظمة «ايتا» الباسكية، ربما تكون قد ضيعت فرصا كثيرة لاكتشاف مخطط 11 مارس. وقد خضع الكثير من منفذي الهجمات، ومن ضمنهم فخيت، إلى رقابة لصيقة لمدة عام كامل قبل الهجمات. لكن تلك الرقابة رفعت في فبراير (شباط)، أي قبل شهر واحد من تنفيذ الهجمات. وقال المسؤولون في وحدة مكافحة الإرهاب بمدريد، امام لجنة التحقيق البرلمانية إنهم رفعوا الرقابة لقلة الموارد البشرية التي كانوا يحتاجون إليها في مراقبة هجمات محتملة من منظمة «إيتا»، وخاصة قبل الانتخابات، وايضا لتأمين زواج ولي العهد الإسباني.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»