إيقاعات «أبو الطبل» في ليالي رمضان بغداد تتحدى الحروب الكبيرة والصغيرة

TT

لم ينس العراقيون رغم قصف المدافع والطائرات سنوات طويلة على مدى ربع قرن كما في اقطار عربية اخرى مثل مصر وسورية والسعودية وغيرها، ايقاعات الطبل التي تنطلق في الازقة قبل الامساك في شهر رمضان المبارك، حيث يقوم المسحراتي بايقاظ الصائمين متطوعا وهو ينادي بأعلى صوته «سحور.. سحور..سحور»، وكلنا نعرف معنى السحور، ثم يتبعها صائحا بنغم ثابت «اصحى يا صايم ووحد الدايم».

و«المسحراتي» الذي يسمعه البغداديون أو «أبو الطبل» تحول الى جزء من طقوس شهر رمضان المبارك، ولم يمنع التطور التكنولوجي واختراع انواع المنبهات الدقيقة التوقيت من ان يمارس الطبال مهمته خاصة في الأحياء الشعبية من بغداد، وغالبا ما يتوارث هذا الطبال هذه المهنة عن ابيه واجداده وان يكون أمينا ومعروفا من قبل سكان المحلة او الازقة التي يجوبها، وعادة يكون لكل طبال منطقته المعينة والمحددة جغرافيا ولا يجوز ان يتجاوزها للمناطق الأخرى التي لها طبالوها المعينون.

سيدات البيوت البغدادية هن أول من يرهفن السمع لالتقاط ايقاع الطبل القادم من مسافة غير قريبة، وايقاعه على الطبل وصوته العالي يوقظ تلك النسوة اللواتي يقمن بتهيئة الطعام والشراب لأهل بيوتهن استعدادا لصيام يوم جديد، وان استيقاظهن قبل السحور يعطيهن حرية الحركة والتفكير لاختيار واعداد مائدة السحور.

تقول ام عبد الله ان ايقاع الطبال وهو يضرب على الطبل له نكهة خاصة وهو ينادي بأعلى صوته مع إيقاع الطبل كلمات (سحور.. سحور.. سحور ..) فإنها تعيد إلي الأذهان ذلك التقليد القديم الذي عشناه مع أهالينا فيما مضى من الزمان مع عدم وجود الساعات سواء كانت اليدوية او ذات الموقت التي يحدد من خلالها وقت الاستيقاظ، فقد كان قلة من الناس لديهم ساعاتهم في حين كانت الغالبية تعتمد على ابو الطبل. وحتى ممن يملكون ساعات ايضا، فان من يوقظهم أبو الطبل نفسه. الحاجة أم ايمن من منطقة السيدية في بغداد تقول ان «الطبال تحول الى طقس تراثي، وانا اعرف هذا التقليد منذ طفولتي، إلا أن لي معه حادثة منعتنا ذات ليلة من تناول طعام السحور، فقبل سنوات عدة جلست من النوم ولم اسمع صوت الطبل وصاحبه، وانا مستلقية على السرير، ظننت أن هناك متسعا من الوقت، فأخذتني غفوة نوم نهضت بعدها لأجد ان وقت السحور قد انتهى وبدأ الإمساك ورفع أذان صلاة الفجر، وجلس ممن في البيت بدون سحور، واستمروا في صيامهم ذلك اليوم، مما جعلني أشعر بإحراج كبير، فرحت أسأل عن أبو الطبل لماذا لم يأت في تلك الليلة، فتبين انه قد أخذته غفوة لم تمكنه من ممارسة واجبه بوقته المحدد، ومنذ ذلك الحين وأنا اراعي وقت سحور أفراد المنزل». لكن ايناس توفيق لها رأي آخر، تقول «الان وبفضل برامج المحطات الفضائية والمسلسلات التمثيلية التي تبث منذ الفطور وحتى الصباح نبقى مجتمعين حول شاشة التلفزيون ونحن نأكل الحلويات ونشرب الشاي والماء حتى يحين موعد الامساك، ومع هذا فنحن نبقى بانتظار ايقاع طبل المسحراتي باعتباره احد طقوس هذا الشهر المبارك».

لكن ليس كل الطبالين تمر اوقاتهم بسعادة كونهم ساعدوا الناس على التنبه لموعد السحور، احدهم، لم يشأ ذكر اسمه، قال «قبل 5 سنوات ألقت الأجهزة الأمنية القبض علي بعدما اكتشفوا وجود كتابات ضد رئيس النظام السابق على جدران محلة الشواكة بجانب الكرخ من بغداد، وقد بقيت قيد الاعتقال اكثر من ثلاثة اشهر وهم يحققون معي حول من كتب هذه العبارات ليلا، وامتنعت عن ممارسة هذه الهواية المحببة لي حتى تغير النظام».